أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

رسائل مزدوجة:

هل تتغير السياسة الأمريكية تجاه لبنان؟

14 يوليو، 2020


اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الأخيرة إلى اتباع سياسة جديدة في التعامل مع لبنان، تتراوح بين تقديم الدعم تارة والتهديد بفرض عقوبات تارة أخرى. فقد قام قائد القيادة الوسطى في الجيش الأمريكي الجنرال كينيث ماكينزي بزيارة لبنان، في 8 يوليو الجاري، على رأس وفد ضم مسئولي وضباط المنطقة المركزية الوسطى، إضافة إلى السفيرة الأمريكية والملحق العسكري بالسفارة، حيث التقى كبار المسئولين اللبنانيين، مؤكداً استمرار دعم بلاده للجيش اللبناني بمنأى عن الوضع السياسي، وأبدى رغبة واشنطن في تطوير التعاون العسكري مع لبنان. كما التقت السفيرة الأمريكية دورثي شيا برئيس مجلس النواب نبيه بري، في 9 يوليو الجاري، حيث أشارت تقارير عديدة إلى أنها أكدت عدم رغبة واشنطن في معاقبة لبنان.

لكن بالتوازي مع ذلك، وجّه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تهديدات للبنان، في اليوم نفسه الذي قام فيه ماكينزي بزيارة بيروت، بفرض عقوبات عليها إذا وقّعت أى اتفاق مع طهران لاستيراد النفط، لاسيما بعد مطالبة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله باستيراد النفط من إيران.

وقال بومبيو أن "اتفاقاً من هذا النوع سوف تعتبره واشنطن خرقاً للعقوبات المفروضة على إيران"، لافتاً إلى أن "بلاده ستفعل كل ما تستطيع لمنع إيران من تصدير نفطها إلى حزب الله"، مؤكداً مواصلة دعم الولايات المتحدة للبنان ومساعدة الشعب اللبناني على تشكيل حكومة مستقلة، "كى تنجح الإصلاحات وتتراجع سيطرة الحزب".

تحركات مضادة:

اللافت في هذا السياق، أن التحرك الأمريكي النشط تجاه لبنان جاء رداً على التحرك الرامي إلى تقليص الحضور الأمريكي- الغربي في لبنان، سواء من خلال مطالبات قوى "8 آذار"، وخاصة حزب الله، بالاتجاه شرقاً وتعميق العلاقات مع الصين، أو عبر إعادة التموضع في المحور الإيراني- العراقي- السوري بشكل يدعم العلاقات معه، خاصة بعد زيارة وفد عراقي للبنان لتعزيز التعاون بين البلدين.

 وقد اعتبرت الولايات المتحدة أن ذلك سيخصم من دورها، في ظل سيطرة قوى "8 آذار" على المشهد الداخلي، وتحييد قوى الاعتدال التي يقودها تيار "14 آذار" عن عملية صنع القرار.

وتوازى ذلك مع تصاعد الحملة ضد دور السفارة الأمريكية في الداخل اللبناني، حيث تم توظيف الأداة القضائية في هذا السياق، على نحو بدا جلياً في إصدار القاضي محمد مازح حكماً بمنع ظهورها إعلامياً استناداً إلى "تجاوزها الأعراف الدبلوماسية بسبب تدخلاتها في الشأن الداخلي اللبناني، بما يعد مخالفة مع اتفاقية فيينا 1961"، إلا أنه تم رفض الحكم وتقدم مازح باستقالته بعد إحالته للتفتيش القضائي.

كما تقدّم نظير جشي رئيس "هيئة أصحاب الحق" (هيئة سياسية اجتماعية مدعومة شيعياً لـ"احتواء الفتن والتقريب بين أطياف المجتمع اللبناني") بإخبار إلى النيابة العامة التمييزية ضد السفيرة شيا، وذلك استناداً لـ"جرائم إنشاء شبكات تجسسية تعمل لمصلحة العدو الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، والتحريض، وإثارة النعرات الطائفية، وتهديد السلم الأهلي وإهانة اللبنانيين".

ملفات عديدة:

يشير أحد الاتجاهات إلى أن القضايا المتداولة بين المسئولين الأمريكيين واللبنانيين تعكس مسعى واشنطن لترسيخ سياستها التي تقوم على الفصل بين الدولة وحزب الله، بشكل يوحي، وفقاً لذلك، بأنها قد تعيد النظر في الضغوط التي تمارسها على لبنان، واستبدالها بتحركات لدعم الدولة، وذلك على النحو التالي:

1- دعم الجيش: وهو ما يمكن أن يساعد في ترسيخ خطوط التواصل مع الدولة عبر مؤسسة محايدة لم يطالها التأثير الإيراني، إضافة إلى دعم الجيش الذي يعتبر الجهة الوحيدة المناظرة لحزب الله في حالة حدوث تمرد من قبل الأخير. ومن جهة أخرى، تتحسب واشنطن من تزايد الأدوار الخارجية التي تسعى من خلال دعم الجيش إلى تعزيز حضورها في لبنان، مثل الدعم العسكري التركي الأخير في يونيو الماضي.

2- التدخل لدى صندوق النقد: تضمنت النقاشات التي جرت بين السفيرة الأمريكية والمسئولين اللبنانيين أهمية الدعم الأمريكي للبنان في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وذلك بعد إجراء 17 اجتماع مع مسئوليه منذ مايو 2020 دون إحراز أى تقدم يذكر بخصوص تقديم قرض للبنان لتواجه أزمتها المالية.

3- تقليص حدة العقوبات: وذلك من خلال التلميح إلى إمكانية منح استثناءات للبنان من تطبيق العقوبات المدرجة ضمن قانون "قيصر"، ويشار في هذا الصدد إلى أن تلك الاستثناءات قد تشمل السماح المشروط باستيراد الكهرباء من سوريا، وتقنين العلاقات التجارية مع الأخيرة، خاصة تلك المرتبطة بالأمن الغذائي لكلا الجانبين.

مواقف موازية:

 رغم ذلك، فإن اتجاهاً آخر يرى أن هناك بعض المواقف الموازية التي تبرز التناقض في إدارة الولايات المتحدة لملف العلاقات مع لبنان، ويتمثل أبرزها في:

1- منع تعزيز العلاقات مع إيران: وجّه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تهديدات بفرض عقوبات على لبنان في حالة استيراد النفط من إيران، وإن ارتبط ذلك بمجمل العلاقات وليس قطاع الطاقة فقط، خاصة وأن هناك توجهات لدى لبنان لاستيراد الدواء من إيران، أو الاعتماد عليها لبناء قاعدة صناعية أو تطوير الموجودة.

2- استمرار استهداف حزب الله: ويتضح ذلك في تكثيف الضغوط على حزب الله من خلال إثارة الرأى العام والنخب الحاكمة المعارضة ضده، ولعل توقيت إعلان المحكمة الخاصة بلبنان، في 10 يوليو الجاري، عن تحديد يوم 7 أغسطس المقبل موعد النطق العلني بالحكم في قضية اغتيال رفيق الحريري سيزيد من حالة الاحتقان الداخلي تجاه الحزب.

وفي السياق نفسه، لا يستبعد استمرار الضغط الأمريكي على صندوق النقد الدولي لعدم مساعدة لبنان لحين الحصول على ضمانات بعدم استفادة الحزب من تلك المساعدات، وتقليص الاستثناءات من قانون "قيصر" التي يمكن منحها للبنان بحجة أن هناك بعض البنود التي سيستفيد منها الحزب، مثل تزايد التبادل التجاري بين بيروت ودمشق.

ختاماً، تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قنوات التواصل مع مؤسسات الدولة الرسمية في لبنان، إلا أن السياسة الأمريكية تتسم بالارتباك وعدم الوضوح في التعامل مع الأخيرة، على نحو يمكن أن يضفي مزيداً من الأهمية على الدعوات التي يتم ترويجها بضرورة التوجه نحو الشرق.