أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

مكاسب محتملة:

لماذا تسعى روسيا لتعزيز حضورها الاقتصادي في لبنان؟

09 أبريل، 2019


تكشف مؤشرات عديدة عن اتجاه روسيا نحو تعزيز حضورها الاقتصادي في لبنان، يأتي في مقدمتها رغبة الشركات الروسية في توسيع نطاق التعاون في الطاقة مع الأخيرة عبر الحصول على مزيد من حقوق التنقيب عن النفط والغاز المتوافر بالسواحل اللبنانية، وتزويد السوق اللبنانية باحتياجاتها من منتجات الطاقة. ومن شأن هذه الخطوات، إن دخلت حيز التنفيذ في الأجل القريب، أن تحقق مكاسب لكلا الطرفين، يتمثل أبرزها في إيجاد شريك قوي لدعم قطاع الطاقة اللبناني الذي يحتاج لاستثمارات ضخمة، بالإضافة إلى تيسير التنسيق بين الدولتين بخصوص عدة ملفات أخرى مثل إعادة إعمار سوريا وإعادة اللاجئين السوريين.

 اهتمام متزايد:

تسعى روسيا بجدية إلى الارتقاء بمستوى علاقاتها الاقتصادية مع لبنان، وهو ما اتضح جليًا في نتائج اللقاءات المشتركة التي جمعت المسئولين الحكوميين ومسئولي القطاع الخاص من كلا الدولتين مؤخرًا، والتي كان أبرزها ملتقى الأعمال اللبناني - الروسي الخامس الذي عقد في 20 مارس الماضي، بموازاة لقاء الرئيس اللبناني ميشال عون مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو في 26 من الشهر نفسه. 

ووفقًا لبيانات منظمة التجارة العالمية، بلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين نحو 572.1 مليون دولار في عام 2018 متراجعًا من 665.7 مليون دولار في عام 2017. ولكن من حيث الوزن النسبي لحجم التجارة المشتركة بينهما، فهى لا تتعدى نحو 2.5% من التجارة الخارجية للبنان مع العالم وأقل من 0.07% من تجارة روسيا الخارجية. ومع ذلك، هناك فرص عديدة قائمة لتطوير العلاقات التجارية بينهما.

فمن ناحية، رحبت روسيا في أكثر من مناسبة باستقبال السلع الزراعية القادمة من لبنان، ولا سيما الخضروات والفواكه، وهى السلع التي تمتلك الأخيرة فيها مزايا كثيرة. وفي المقابل، عرضت موسكو تزويد لبنان بالغاز الطبيعي المسال، وهو الأمر الذي لم تبت فيه بيروت حتى الآن، إلا أنه قد يلقى قبولاً لديها لاحقًا، لا سيما في ظل خطتها لتطوير قطاع الكهرباء الرامية لتشغيل المحطات الكهربائية بالغاز بدلاً من زيت الوقود. وفي هذا الصدد، أكد وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، في 27 مارس الماضي، عزم روسيا تعزيز تعاونها الاقتصادي والتجاري مع لبنان، بما في ذلك توريد الغاز الطبيعي المسال إليها.

أما على جانب الاستثمار، فمن اللافت بالآونة الأخيرة أن الشركات الروسية بدت أكثر اهتمامًا بزيادة استثماراتها بالسوق اللبنانية، وخاصة قطاع الطاقة. وبحسب بعض الترجيحات، فقد طرح الرئيس الروسي بوتين على نظيره اللبناني عون إمكانية توسع الشركات الروسية، لا سيما "روسنفت"، في التنقيب عن موارد الطاقة المتوافرة في السواحل اللبنانية، بجانب تسهيل مشاركتها في دورة التراخيص الثانية في البلوكات رقم 1 و5 و8 و10. 

وسبق أن حصلت شركة "نوفاتك" الروسية، ضمن تحالف يضمها مع "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية، في فبراير 2018، على حق التنقيب في بلوكى 4 و9. ويذكر أن لبنان، على غرار دول حوض شرق المتوسط، لديها احتياطيات كبيرة من الهيدروكربونات تقدر بنحو 850 مليار متر مكعب من الغاز، و600 مليون برميل من النفط.

  علاوة على ذلك، تستعد شركة "روسنفت" لتدشين منشأة لتخزين المنتجات النفطية في لبنان، وذلك بموجب اتفاقية مع وزارة الطاقة والمياه اللبنانية لمدة 20 عامًا، تتضمن إعادة تأهيل المنشأة وتوسيعها، علمًا بأنها تقع في مدينة طرابلس، على نحو قد يجعل لبنان مركزًا لوجستيًا لتخزين وتوزيع منتجات النفط الروسية في منطقة الشرق الأوسط. 

تأثيرات مختلفة:

ربما يحقق الانخراط الاقتصادي الروسي في لبنان عدة مكاسب لكلا الطرفين: يتمثل أول هذه المكاسب، في منح صانع القرار اللبناني مساحة أكبر من المناورة للحصول على أفضل الصفقات في مجال استكشاف النفط والغاز، والاستناد إلى شريك قوي، مثل روسيا، في تعزيز البنية التحتية وخاصة الكهرباء، حيث تتطلب استثمارات كبيرة لتطوير ودعم القطاع المتدهور منذ فترة طويلة. 

ويتعلق ثانيها، بتيسير التنسيق بين الدولتين في ملف إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم والبالغ عددهم في لبنان نحو مليون شخص، بما ترتب عليه تكبد الدولة أعباء اقتصادية كبيرة في الأعوام الماضية. وفي هذا السياق، قال الرئيس اللبناني ميشال عون، في 26 مارس الماضي: "نأمل أن تساعدنا روسيا في إعادة اللاجئين إلى سوريا، لأن المشكلة بالنسبة لنا أصبحت اقتصادية كبيرة".

وفيما يبدو، فإن الحكومة اللبنانية تنتظر من موسكو أن تدعمها في هذا الملف بشدة، خاصة أنه يحظى باهتمام مماثل من جانب الأخيرة، وهو ما يأتي بالتزامن مع إطلاق موسكو، في يوليو 2018، مبادرة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، بيد أنها لم تحقق نجاحًا يذكر، في ظل التردد الدولي بسبب استمرار سوء الأوضاع الأمنية والمعيشية في سوريا. 

وينصرف ثالثها، إلى التمهيد للتعاون المشترك مع لبنان في ملف إعادة إعمار سوريا، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، خلال زيارته إلى موسكو في 20 أغسطس 2018 بقوله: "إن لبنان سيكون منصة لإحياء اقتصاد سوريا المجاورة. وإن بيروت ستنسق جهودها مع موسكو في هذا الشأن".

وتمثل الأراضي اللبنانية، لا سيما المناطق الحدودية مع سوريا، مجالاً حيويًا محتملاً للشركات الروسية للعمل منها في عمليات إعادة إعمار سوريا، في الوقت الذي لا يستبعد فيه أيضًا أن تعمل موسكو على تعزيز نشاطها التجاري والاستثماري عبر ميناء طرابلس اللبناني- الذي لا يبعد سوى 35 كيلومتر عن السواحل السورية- من أجل دعم عمليات إعادة الإعمار.

 وبهذه الخطوات، قد توازن روسيا مساعي الصين وغيرها من الدول لاتخاذ لبنان كمركز لوجستي للمشاركة في إعادة سوريا، وهو الأمر الذي رحب به المسئولون اللبنانيون على هامش لقاءات مع مسئولين صينيين في الفترة الأخيرة، فيما دشنت شركة "كوسكو" الصينية المملوكة للحكومة أول رحلة مباشرة من الصين إلى ميناء طرابلس اللبناني في يناير الماضي بما قد يدعم هذا التوجه.

ويتصل رابعها، بتعزيز النفوذ الروسي تدريجيًا في لبنان ومنطقة حوض شرق المتوسط على حساب النفوذ الغربي، ولا سيما الأمريكي، بشكل قد يدعم دورها أيضًا كوسيط لتسوية الصراعات الداخلية اللبنانية أو حتى التوترات الجارية بشكل دائم بين لبنان وحزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. 

حدود الانخراط:

يبدو أن الجهود التي تبذلها روسيا لتعزيز نفوذها الاقتصادي في لبنان قد تواجه تحديات عديدة: يتمثل أولها، في موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي لن تقبل، على الأرجح، توسيع النفوذ الروسي سواء في المجالات الاقتصادية أو السياسية في لبنان، وهو الأمر الذي كشفته الضغوط الأمريكية على الحكومة اللبنانية لرفض توقيع صفقات عسكرية مع روسيا.  

وينصرف ثانيها، إلى أن كثيرًا من البنوك اللبنانية لا زالت متحفظة في إجراء تعاملات مصرفية طبيعية مع نظيرتها الروسية، وذلك على ضوء العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية على الشركات الروسية، حيث لا تسمح البنوك اللبنانية بسهولة بفتح اعتمادات للشركات الروسية أو إجراء حوالات مالية معها.

أما ثالثها، فيتعلق بتصاعد حدة المنافسة بين الشركات الروسية من جهة والشركات الأوروبية والأمريكية والصينية من جهة أخرى على دخول السوق اللبنانية والعمل بها، لا سيما في مجالات الطاقة والبنية التحتية. وقد أبدت مؤخرًا شركة "إكسون موبيل" الأمريكية رغبة في الدخول في عمليات استكشاف لموارد الطاقة، وهو ما قد يخصم، بلا شك، من فرص تعزيز تواجدها بالبلاد.

وختامًا، يمكن القول إن روسيا تتحرك تدريجيًا نحو توسيع نطاق نفوذها الاقتصادي في لبنان، الأمر الذي ترحب به الأخيرة بشدة لإنقاذ الاقتصاد من عثرته، بيد أن هذه المساعي قد يعرقلها، على الأرجح، الاتجاه الأمريكي نحو تحجيم هذه الجهود الروسية.