أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

انخراط تدريجي:

هل يتبنى النظام السوري سياسة الانفتاح الاقتصادي؟

29 يناير، 2018


يسعى النظام السوري إلى استعادة علاقاته الاقتصادية مع العالم الخارجي، حيث حاول مؤخرًا تعزيز نشاطه التجاري مع عدد من دول العالم، لا سيما دول الجوار مثل العراق، فيما يتواصل أيضًا مع بعض القوى الدولية مثل الصين والهند، لدعم آفاق الشراكة الاستثمارية معهما، في خطوة تستهدف التمهيد لمشاركتهما المحتملة في عمليات إعادة الإعمار. كما بدأ من جديد في حضور بعض المعارض الدولية وتنظيم معارض داخلية تشارك فيها أطراف أجنبية.

ومن دون شك، فإن عودة سوريا مجددًا إلى النظام الاقتصادي العالمي يلقى تجاوبًا من جانب بعض القوى الدولية التي تسعى لتحقيق مكاسب تجارية واستثمارية في سوريا حاليًا أو مستقبلاً، فضلاً عن أن تطوير علاقاتها الخارجية يمكن أن يؤدي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية نسبيًا في البلاد، ودعم العملة بجانب المساعدة في إعادة تأهيل القطاعات الحيوية، لا سيما القطاع الزراعي. ورغم ذلك، تظل المخاطر الجيوسياسية والأمنية إحدى المعوقات الرئيسية التي ربما تواجه انخراط سوريا بشكل كامل في النظام الاقتصادي العالمي.

آليات مختلفة:

يتجه النظام السوري، فيما يبدو، إلى إعادة بناء شراكاته الاقتصادية على الصعيد التجاري والاستثماري مع العالم الخارجي- بخلاف روسيا وإيران- بعدما تسبب الصراع السوري الممتد لأكثر من ستة أعوام في تدهور انخراطه في النظام الاقتصادي العالمي، حيث يحاول الاستناد إلى آليات عديدة في هذا السياق يتمثل أبرزها في:

1-تعزيز الشراكات التجارية: أسس النظام السوري، بالتعاون مع العراق، غرفة التجارة السورية- العراقية بغرض تنشيط التبادل التجاري بين البلدين، وعلى الأخص فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية. وفي ضوء الخطوة السابقة، من المتوقع أن تبدأ الدولتان قريبًا في مقايضة التمور العراقية مقابل الحمضيات السورية في إطار اتفاق وقعه الاتحاد العام لجمعيات الفلاحين في الدولتين في يناير الجاري، فيما من المنتظر أن يكون هذا الاتفاق نواة لبرنامج واسع لمقايضة بعض السلع الزراعية الأخرى بين سوريا والعراق.

كما يعمل النظام على تذليل العقبات الجمركية والأمنية أمام انسياب المنتجات الزراعية والحيوانية بين الجانبين اللبناني والسوري، وفي هذا الإطار بحثت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية، في لقاءات مختلفة مع المسئولين اللبنانيين، الإجراءات الواجب اتخاذها للتغلب على هذه العقبات.

فيما اتفقت سوريا مع  الجزائر في لقاء بين مسئولي الدولتين، في غضون سبتمبر 2016، على زيادة حجم التبادل التجاري بينهما، وتأسيسًا على هذا الاتفاق يجري الاتحاد العام للفلاحين السوري حالياً مفاوضات مع الجانب الجزائري لمقايضة الإنتاج الزراعي السوري وتحديدًا محصولى الحمضيات والتفاح بالجرارات الجزائرية اللازمة لاستئناف النشاط الزراعي في سوريا.

كما تطلع النظام، في الشهور الماضية، لفتح أسواق تجارية جديدة لمنتجاته الزراعية في دول في أوروبا وأمريكا اللاتينية، وذلك من خلال لقاءات مسئوليه مع وفود اقتصادية وتجارية من دول مختلفة أبرزها البرازيل، في الوقت الذي أبدت فيه دول مثل بيلاروسيا استعدادها لدعم القطاع الزراعي السوري عبر توريد استيراد الآلات والجرارات الزراعية.

2-إعادة الإعمار: أجرى المسئولون السوريون، على مدار العامين الماضيين، مباحثات مع عدة دول- بخلاف روسيا وإيران- للمشاركة في عملية إعادة إعمار البلاد. وفي هذا الشأن، عقد المسئولون السوريون اجتماعًا مع وفد هندي، في يونيو 2017، تناول بحث إمكانية مشاركة الشركات الهندية في عمليات إعادة إعمار سوريا، بجانب تعزيز مشاركة رجال الأعمال والصناعيين الهنود في تأسيس مشاريع استثمارية مشتركة.

كما شجع ترحيب الصين بالمشاركة في إعادة إعمار سوريا من دون أية شروط مسبقة، النظام على استمرار التواصل مع الشركات الصينية والمسئولين في الحكومة من أجل وضع الخطط الخاصة بعمليات إعادة الإعمار في الفترة المقبلة، ولا سيما في المناطق المحررة من تنظيم "داعش". وفي هذا السياق، بحثت وزارة الكهرباء السورية مع شركة "هاواوي" الصينية، في عام 2016، إمكانية تعزيز مشاركتها في إعادة تأهيل القطاع الكهربائي في سوريا.

3- المشاركة في المعارض الدولية والداخلية: بدأ النظام في تعزيز حضوره في المؤتمرات والمعارض الدولية مؤخرًا، حيث شارك، في يناير الجاري، في معرض السياحة الدولي بالعاصمة الإسبانية مدريد، وأقامت وزارة السياحة السورية جناحًا خاصًا في المعرض لدعوة المشاركين إلى زيارة سوريا. وداخليًا أيضًا، انطلقت عدد من المعارض الدولية بمشاركة وفود من دول مختلفة، لعل أبرزها تنظيم فعاليات معرض دمشق الدولي، خلال أغسطس 2017، وبمشاركة وفود من 43 دولة عربية وأجنبية، إلى جانب مشاركات من القطاعين العام والخاص السوري بمختلف المجالات.

تداعيات محتملة:

تبدي قوى دولية عديدة تجاوبًا مع انخراط سوريا مجددًا في النظام الاقتصادي العالمي، وعلى رأسها الصين، التي أعلنت، في أكثر من مناسبة، دعم النظام السوري دون شروط، إذ ترى أن ذلك يمكن أن يحقق لها العديد من المكاسب التجارية والاستثمارية، فضلاً عن أنه سيساهم في تعزيز احتمالات مشاركتها في عمليات إعادة إعمار سوريا التي قد تتعدى تكلفتها 226 مليار دولار وفق تقديرات البنك الدولي، وهو ما قد يدفع كثيرًا من الشركات العالمية للمشاركة فيه.

ويتزامن ذلك مع استمرار عدد من القوى الأخرى في تبني سياسة مختلفة تجاه المشاركة في عمليات إعادة الإعمار خاصة الدول الأوروبية، التي تربط بين تلك المشاركة والتوصل إلى تسوية سياسية نهائية للصراع السوري حاليًا أو في المستقبل. وعبر عن ذلك وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بقوله: "الدول الأوروبية ستشارك فقط في مشاريع الاستقرار أو إعادة الإعمار في المناطق السورية عندما يكون الحكم مقبولاً من حيث الحقوق الأساسية".

وعلى الجانب السوري، يبدو أن تحسين العلاقات الاقتصادية مع العالم الخارجي يحقق مكاسب عديدة للنظام، من أبرزها توفير كثير من السلع والخدمات التي شهدت تراجعًا في السوق السورية في الأعوام الماضية، وبما يعمل على خفض أسعارها مجددًا.

فيما قد تساهم عودة النشاط التجاري بين سوريا وعدد من دول العالم في دعم الليرة السورية، بشكل قد يكون بإمكانه إنعاش موارد النقد الأجنبي نسبيًا، وذلك بجانب المساعدات الخارجية في تحسين قيمة العملة بنسبة 20% أمام الدولار في العام الماضي.

كما أن استعادة الشراكات الاستثمارية سيمكن سوريا من البدء في إعادة تأهيل المرافق الأساسية التي دمرها الصراع في الأعوام الماضية، كما قد تمثل دعمًا لعدد من القطاعات الحيوية مثل الزراعة والكهرباء والنفط، خاصة مع فقدان تنظيم "داعش" السيطرة على كثير من آبار النفط في الفترة الماضية.

لكن رغم العوائد السابقة، يبدو أن عودة العلاقات الاقتصادية السورية مع العالم الخارجي تواجه كثيرًا من التحديات التي يتمثل أبرزها في استمرار المخاطر الأمنية في البلاد، وتصاعد الصعوبات اللوجستية أمام النشاط التجاري، فضلاً عن تزايد مخاوف بعض الشركات الدولية من الانخراط الاقتصادي في سوريا في ظل احتمال التعرض للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد النظام السوري في الأعوام الماضية، بشكل قد ينتج تداعيات سلبية عديدة عليها.