أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تكسير عظام:

تداعيات صراع فصائل المعارضة في الشمال السوري

31 يوليو، 2017


تتصاعد حدة القتال بين معسكري حركة "أحرار الشام" وهيئة "تحرير الشام" منذ 18 يوليو الجاري في أرياف محافظات إدلب وحلب وحماة، وهو ما أسفر عن وقوع عشرات القتلى والجرحى بين الطرفين، وتسبب في بدء تغير خريطة تحالفات تنظيمات المعارضة في الشمال السوري. 

دوافع الصراع: 

يمكن فهم أسباب الاقتتال الحالي بين فصائل المعارضة في الشمال السوري في ضوء عدة أمور، تتمثل فيما يلي: 

1- استمرار تخوين جبهة فتح الشام للفصائل المشاركة في العملية السياسية: وترتبط بذلك قناعة فتح الشام بأن فصائل المعارضة التي تشارك في مساري الأستانة وجنيف تتساهل مع المسعى الدولي لوصم جبهة النصرة وحلفائها بالإرهاب، ومساندتهم على استهدافها مستقبلاً، ويرتبط بذلك ما أُشيع من قبل حول حصول موسكو وواشنطن على خرائط توضح أماكن وجود عناصر جبهة فتح الشام، وهو ما اعتبرته الجبهة تآمراً من الفصائل عليها. 

2- التراكمات السابقة بين الفصائل: خاصة في أعقاب سيطرة قوات النظام بشكل كامل على حلب، إذ تصاعدت الاتهامات بين جبهة فتح الشام من ناحية وفصائل أخرى تزعمتها حركة أحرار الشام من ناحية أخرى، وحملت جبهة فتح الشام الفصائل الأخرى مسؤولية سقوط المدينة، مؤكدةً أن مقاتليها – رغم قلة عددهم ــ لم يكونوا راغبين في مغادرة الجزء الشرقي من المدينة،  وأنهم مارسوا ضغوطاً كبيرة على الجبهة للانسحاب. وبالتالي، يوجد موروث عدائي قديم بين جبهة فتح الشام وحركة أحرار الشام.  

3- ضغوط تركيا على معسكر أحرار الشام: حيث لا يمكن تفسير الهجوم الواسع الذي تشنه حركة أحرار الشام وأنصارها ضد جبهة فتح الشام نتيجة قناعات ذاتية لتلك الفصائل، أو نتاج مراجعاتها، أو حتى مجرد هجوم جبهة فتح الشام على الفصائل التابعة لمعسكر أحرار الشام، وإنما يمكن فهمه في ضوء تصاعد الضغوط التركية مؤخراً على تلك الفصائل للتماشي مع التحول في الموقف التركي من الأزمة السورية. (تجدر الإشارة إلى أن تركيا نجحت في دفع حركة نور الدين الزنكي، التي كانت محسوبة عليها من قبل، للانفصال عن معسكر جبهة فتح الشام، كما يُشار إلى أن جبهة فتح الشام سعت لتوسيع معاركها بجوار الحدود مع تركيا حتى وصلت إلى معبر باب الهوى الحدودي).

4- التسابق للسيطرة على إدلب: ففي ضوء تقاسم معسكري جبهة فتح الشام وأحرار الشام النفوذ على محافظة إدلب الخارجة بشكل كامل عن سيطرة النظام السوري، وكذلك التماس الجغرافي بينهما، وحالة السيولة التي يعيش فيها الجانبان حالياً، وتركيز جبهة فتح الشام على حشد أنصارها للتمركز في إدلب بصورة أساسية، تأتي الصدامات المسلحة الحالية كمحاولة استباقية من كليهما للسيطرة بشكل كامل على محافظة إدلب.

5- تصفية حسابات بين القادة في المعسكرين: يسيطر على قرار معسكر حركة أحرار الشام التيار المعتدل في حركة أحرار الشام، في حين يسيطر على قرار معسكر جبهة فتح الشام التيار القاعدي المنشق عن حركة أحرار الشام، وفي ضوء ذلك يبدو أن الاقتتال الحالي بين المعسكرين بمنزلة تصفية حسابات قديمة بين القادة المتخاصمين من قبل داخل حركة أحرار الشام.

6- استمرار جهود حركة أحرار الشام لتسويق نفسها: إذ تهدف حركة أحرار الشام من هجومها الحالي ضد جبهة فتح الشام على تلميع صورتها على الصعيد الدولي، وتسويق نفسها كقوة أساسية محاربة للإرهاب، وإرسال رسائل غير مباشرة بأن الحركة مستعدة لتغيير سلوكها للمشاركة على سبيل المثال في الجيش الوطني لسوريا المزمع إنشاؤه في المرحلة الانتقالية. ويأتي ذلك كمحاولة من الحركة للتماشي كذلك مع التفاهمات الروسية الأمريكية الجارية في الملف السوري والقبول الروسي بمشاركة بعض فصائل المعارضة بدور في الترتيبات المستقبلية لسوريا.  

تداعيات شاملة: 

يحمل الصراع الحالي بين فصائل المعارضة في الشمال السوري تداعيات على الصعيدين العسكري والسياسي في سوريا، ويتضح ذلك من خلال ما يلي:

1- على الصعيد العسكري: 

أ- إن المشهد المعارض في الشمال السوري يتبلور حالياً بوضوح بين كتلتين كبيرتين ومشروعين متمايزين، الأول جهادي أممي تقوده جبهة فتح الشام، والثاني معتدل نوعاً ما تقوده حركة أحرار الشام.

ب- إن ما يحدث يؤكد عملياً انهيار ما يُسمى بجيش الفتح في إدلب وترسيخ ظهور كيانين بديلين عنه، خاصة أن من يتزعم كلا الكيانين هما أكبر فصيلين به، وهما حركة أحرار الشام وجبهة فتح الشام. (تجدر الإشارة إلى أن جيش الفتح كان قد تشكل في 24 مارس 2015، وكان يضم 7 تنظيمات هي جبهة النصرة، وحركة أحرار الشام الإسلامية، وجيش السنة، ولواء الحق، وأجناد الشام، وجند الأقصى، وفيلق الشام).

ج- إن الاقتتال الحالي بين الفصائل المسلحة في إدلب يصب بصورة أساسية في صالح قوات النظام السوري، والتي سترى في ذلك فرصة لإعادة انتشارها العسكري بشكل أفضل، خاصة في مناطق سيطرتها في الشمال السوري، نتيجة اطمئنانها إلى عدم إمكانية هجوم الفصائل عليها بسبب حالة الإرباك التي تعيشها حالياً. 

2- على الصعيد السياسي: 

أ- سينعكس اقتتال الفصائل في الشمال السوري بالسلب على جهود المعارضة الحالية لتشكيل وفد موحد للمشاركة في مفاوضات جنيف المقبلة، خاصة أن ما يحدث بين الفصائل سيمتد أثره السلبي بلا شك إلى قوى المعارضة السياسية. 

ب- إن الاقتتال الحالي بين الفصائل في محافظة إدلب يثير قضية من لديه القدرة على ملء الفراغ في المحافظة من جديد في مستقبل سوريا، ويكشف عجز فصائل المعارضة عن ضمان استقرار حكم لا مركزي في المناطق التي تسيطر عليها في الشمال السوري، في ضوء تباين أجندات الفصائل.  

خريطة متبدلة: 

على الرغم من انفصال حركة نور الدين الزنكي عن جبهة فتح الشام نتيجة رفض الحركة للقتال ضد معسكر حركة أحرار الشام، فإن معسكر جبهة فتح الشام لايزال الأكثر تماسكاً من معسكر أحرار الشام على الأقل من الناحية العقائدية، خاصة أن الفصائل المنضوية تحت لواء أحرار الشام هدفها الأساسي ضمان الحماية من هجمات جبهة فتح الشام.  

ولذلك تبدو جبهة فتح الشام في وضعية قتالية أفضل من حركة أحرار الشام، خاصة أن الفصائل التي تقاتل بجبهة فتح الشام تنطلق من أسس عقائدية وأفكار سلفية جهادية، وتُدرك جيداً أنه سيتم تصنيفها واستهدافها كجماعات إرهابية بسبب استمرار اندماجها مع جبهة فتح الشام. 

ولم يعد مستبعداً في ضوء التحولات الأخيرة في هيكل المعارضة المسلحة بسوريا، حدوث تقارب مصلحي مؤقت بين تنظيمي جبهة فتح الشام و"داعش" لمواجهة الضغوط التي من المرتقب أن يواجهها التنظيمان خلال الفترة المقبلة.

ومن المرجح استمرار تعويل جبهة فتح الشام على الحل العسكري ضد حركة أحرار الشام وحلفائها، وذلك كمحاولة منها لإثناء تلك الفصائل عن المشاركة في المسار السياسي ووقف دعمها لجهود وقف إطلاق النار، على اعتبار أن نجاح ذلك سيؤدي إلى فناء الجبهة بجانب تنظيم "داعش" نظراً لتركيز عمليات الأطراف الأخرى ضدهما.