مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
تُصعّد الولايات المتحدة من ضغوطها على النظام الإيراني بعد إعادة فرض العقوبات على اقتصاد الدولة في أعقاب انسحابها من الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥، في إطار سياسة أمريكية عُنوانها "الضغط الأقصى"، شملت: تسمية الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، وإنهاء الإعفاء الذي سمح لبعض الدول بشراء النفط الإيراني، إضافة إلى فرض عقوبات إضافية ضد قطاعات الحديد والصلب والألومنيوم والنحاس في طهران، والتي تُشكّل أكبر مصدر لإيرادات الصادرات غير البترولية وتمثل 10% من صادرات الجمهورية الإسلامية، وذلك لمزيدٍ من إضعاف الاقتصاد الإيراني، فضلًا عن إرسال حاملة طائرات، وقاذفات بي-52، وصواريخ باتريوت، وإعادة انتشار القوات الأمريكية في مياه الخليج العربي. ناهيك عن تهديدات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بردٍّ قاسٍ إذا هددت طهران القوات الأمريكية ومصالح الولايات المتحدة وحلفاءها بالمنطقة.
وتهدف إدارة "ترامب" من سياسة "الضغط الأقصى" ضد إيران إلى منعها من الإقدام على أية خطوة محتملة قد تحاول من خلالها رفع كلفة تلك الإجراءات العقابية التي تتعرض لها، وهو ما يمكن أن يفرض -بدوره- تداعيات مباشرة على دول الأزمات، ولا سيما سوريا والعراق ولبنان واليمن، وهي الدول التي تسعى طهران إلى استغلال نفوذها لدى بعض الميليشيات الإرهابية الموجودة بها في سياق تصعيدها الحالي مع واشنطن.
وفي المقابل، فإن إيران مارست التصعيد من قبلها، حيث هدد الرئيس "حسن روحاني" بالانسحاب من الاتفاق النووي، وبدأت الميليشيات التابعة لطهران في التعرض لمصالح حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، حيث استهدفت أربع سفن في المياه الاقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة قبالة سواحل إمارة الفجيرة، وضربت محطتين لضخ النفط بالمملكة العربية السعودية بواسطة طائرات مُسيّرة، فضلًا عن تصريحات لمسئولين إيرانيين بالرد القاسي على أية ضربة عسكرية أمريكية، إضافة إلى بدء التحرك على المستوى الدولي من أجل التواصل مع القوى الدولية المعنية، سواء باستمرار العمل بالاتفاق النووي أو بالعلاقات الثنائية معها.
ويُنذر التصعيد الأمريكي-الإيراني المتبادل باحتمالات اندلاع مواجهات عسكرية بينهما، لكن هناك بعض التحليلات التي تُشير إلى تضاؤل فرص حدوثها في مقابل سعي الطرفين لتعزيز موقفه التفاوضي في المرحلة القادمة. وتسعى طهران لتحقيق ذلك عبر استخدام نفوذها في الإقليم، ولا سيما في دول الأزمات، قبل أن توافق بالفعل على قبول هذا الخيار. ويتوازى ذلك مع حرصها -في الوقت نفسه- على تعزيز قدرتها على مواجهة تداعيات العقوبات الأمريكية إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة المقررة في نوفمبر من العام المقبل عسى أن تُسفر في النهاية عن تغيير الإدارة الأمريكية الحالية، بشكل قد يؤدي إلى حدوث تحول كبير في سياسة واشنطن تجاهها.
ولهذا، فإن التصعيد المتبادل سوف يكون عنوانًا رئيسيًّا للتفاعلات التي سوف تجري بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية خلال المرحلة المقبلة، حيث يراهن كل طرف على أن متغير الوقت يمكن أن يساعد في تعزيز موقفه، أو تغيير حسابات الطرف الآخر.
وعليه، يُناقش هذا الملف الذي يضم تحليلات وتقديرات نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، ملامح التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، ومؤشرات التصعيد المتبادل، وتأثير التهديدات الإيرانية للمنطقة على أسواق النفط العالمية، واحتمالات اندلاع مواجهات عسكرية بينهما، والتفسيرات التي تُقلل من فرصها، والخيارات الإيرانية لمنع تعرضها لضربة عسكرية، والحفاظ على مصالحها، واحتمالات أن يكون التصعيد مدخلًا للتفاوض بين واشنطن وطهران.