مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
فاقم السجال الحاد والاتهامات المتبادلة بين الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وزعيم كوريا الشمالية "كيم جونج أون" من التوتر بين بلديهما مع تسارع البرنامج النووي والصاروخي لبيونج يانج في الأشهر الأخيرة، وهو ما دفع "ترامب" إلى التهديد بالتدمير الكامل لها إذا تعرضت الولايات المتحدة أو أحد حلفائها لهجوم من قبلها، وأكد أكثر من مرة استعداد بلاده لتوجيه ضربة عسكرية لها إذا كان ذلك ضروريًّا. وفي المقابل، هدد "أون" باستهداف جزيرة جوام الأمريكية ردًّا على التهديدات العسكرية، لا سيما مع تأكيد تقديرات المسئولين العسكريين الأمريكيين أنه يمتلك صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية قد تصل إلى أراضي الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، أكد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "مايك بومبيو" أن الولايات المتحدة يجب أن تتصرف كما لو أن النظام الكوري الشمالي "على وشك" الحصول على صاروخ نووي قادر على ضرب أهداف أمريكية، وأن تتأكد من قدرتها على منع ذلك.
وترى بيونج يانج أن امتلاك سلاح نووي مسألة "حياة أو موت لها"، وأن على الولايات المتحدة تقبلها كقوة نووية. وقد تعاظم هذا الاحتياج مع التهديدات العسكرية الأمريكية لكوريا الشمالية، الأمر الذي يُغذِّي الشعور بالحاجة إلى السلاح النووي لصد أي هجوم محتمل ضدها.
وفي رفضٍ كوريٍّ شمالي لمطالب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بوقف تجاربها النووية؛ فقد أجرت في الثالث من سبتمبر الماضي تجربتها النووية السادسة، ما أثار تنديدًا دوليًّا، ودفع مجلس الأمن إلى فرض عقوبات جديدة قاسية عليها. وقد أعقب تلك التجربة تصعيد متبادل بين الرئيسين دفع الكثيرين إلى الحديث عن احتمالات نشوب حرب نووية في شبه الجزيرة الكورية.
ولهذا، فإن القوى الدولية، لا سيما روسيا والصين، ترفض التصعيد المتبادل بين واشنطن وبيونج يانج، وتدعو إلى الاصطفاف حول مبادرة لحل الأزمة النووية سلميًّا. وترى تلك القوى أن موقف الرئيس "ترامب" المعادي للاتفاق النووي الإيراني يُلقي بظلاله على الأزمة الكورية الشمالية المتأزمة؛ لإظهاره عدم الالتزام الأمريكي بالاتفاقات الدولية.
وعلى الرغم من تهديد "ترامب" خلال تغريداته على موقع "تويتر" بالخيار العسكري، ورؤيته أن وزير خارجيته "ريكس تيلرسون" يُضيّع وقته في الدبلوماسية مع بيونج يانج؛ فإن إدارته تبذل جهودًا دبلوماسية مضنية لحل الأزمة، تكشف عنها الزيارات الكثيرة لمسئولين بالإدارة إلى حلفاء الولايات المتحدة الآسيويين. وخلال حوار مع شبكة "سي إن إن" قال تيلرسون إن "ترامب" يريد حل الأزمة دبلوماسيًّا، وإنه لا يسعى إلى الحرب. مضيفًا أن تلك الجهود الدبلوماسية ستستمر حتى إلقاء أول قنبلة على بيونج يانج.
وفي إطار الجهود الدبلوماسية لحل تلك الأزمة، بدأت الولايات المتحدة في الضغط على حلفائها الذين تربطهم علاقات اقتصادية أو عسكرية بكوريا الشمالية لتجميد هذه العلاقات من أجل عزل نظام كيم جونج أون، ووقف تدفق الأموال التي يستخدمها عادةً في تمويل برنامجه النووي والصاروخي. وسيكون كبح التهديدات العسكرية الكورية الشمالية محور اللقاءات التي سيُجريها الرئيس "ترامب" خلال جولته الآسيوية خلال الفترة من 3 إلى 14 نوفمبر المقبل.
بيد أن الإدارة الأمريكية تعلن -في الوقت ذاته- أن كافة الخيارات مطروحة على الطاولة في حال فشل الجهود الدبلوماسية، واستمرار إصرار بيونج يانج على تهديد الولايات المتحدة. وتكشف التحركات العسكرية في شبه الجزيرة الكورية، والتدريبات العسكرية المشتركة مع حلفائها الآسيويين، عن التجهيز الأمريكي للخيارات العسكرية في حال فشل الخيار الدبلوماسي.
وعليه، يُناقش هذا الملف الذي يضم تحليلات وتقديرات نُشرت على الموقع الإلكتروني للمركز، الخيارات الأمريكية للتعامل مع أزمة البرنامج النووي والصاروخي لكوريا الشمالية، وسعي بيونج يانج إلى تعزيز قدراتها النووية والصاروخية، وموقف الصين من الأزمة، وتأثير الموقف الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني على سبل حل الأزمة المتصاعدة مع كوريا الشمالية.