تعرضت ما يقرب من 150 دولة وآلاف المؤسسات للقرصنة الإلكترونية يوم الجمعة (12 مايو 2017)، وهو ما وصفه البعض بـ"الهجوم الأكبر في التاريخ"، وكانت خسائرها على الأمن السيبراني لا تقل عن تلك التي رتبتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. ويُتوقع استمرار عمليات القرصنة وسط تحذيرات من هجمات أوسع في المستقبل.
لم تقتصر هجمات فيروس "الفدية الخبيثة" على تشفير بيانات أجهزة الكمبيوتر في مؤسسات حكومية، بل طالت أيضًا شركات وأعمالا خاصة، مثل: مصنع سيارات "نيسان" في بريطانيا، ومصنع سيارات "رينو" في سلوفينيا، وشركة "تليفونيكا" العملاقة للاتصالات في إسبانيا، ونظام الرعاية الصحي في بريطانيا. وقد طلب القراصنة مبالغ مالية ما بين 300 و600 دولار في شكل عملة إلكترونية (بيتكوين) عن كل جهاز من أجل عودته للعمل مجددًا بشكل طبيعي.
تبدو خطورة هذه الهجمات الإلكترونية مع تزايد اعتماد الأفراد والدول على تكنولوجيا المعلومات في إدارة شئونها. فما يتهدد الأمن القومي للدول لم يعد مقصورا على الأمن التقليدي (مثل: حماية حدود الدول من العدوان الخارجي ) بل امتد ذلك إلى حماية مؤسسات الدولة والمواطنين من أي هجمات إلكترونية تحقق خسائر قد تكون أكبر من تلك التي تتكبدها عند دخولها في صراع مسلح ضد دولة أخرى. ولهذا تصاعد الحديث في الآونة الأخيرة عن "الأمن السيبراني للدول".
كما أن تصاعد الضغوطات الأمنية على التنظيمات الإرهابية مثل: "القاعدة" و"داعش"، دفعتها إلى التخطيط لهجمات إرهابية سيبرانية، لا سيما مع تزايد اعتماد الدول الغربية على الإنترنت في ربط بناها التحتية وتقديم خدماتها للجمهور. ومن شأن تنفيذ تلك الهجمات، شلّ البِنَى التحتية للدول الغربية، خاصة في القطاعات الحيوية، فضلا عن التكلفة الاقتصادية التي ستؤثر بالتبعية على قوة الدولة وموقعها في النظام الدولي.
في الوقت نفسه، غيرت الهجمات الإلكترونية من طبيعة التفاعلات الدولية، حيث بدأت بعض الدول تعتمد عليها لحسم الصراعات لصالحها، وتجلّى ذلك على سبيل المثال، في اتهام روسيا بالتدخل في انتخابات الدول الغربية لقرصنة الحملات الانتخابية للتأثير على فرص فوز المرشحين، كما الحال في الانتخابات الأمريكية التي فاز بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. بل إن الاتهامات بالقرصنة الإلكترونية طالت أيضا روسيا من قبل الحملة الانتخابية لمرشح الوسط في الانتخابات الفرنسية "إيمانويل ماكرون" والذي فاز بمنصب الرئاسة في السابع من مايو 2017.
في هذا السياق، تأتي أهمية هذا الملف حول القرصنة الإلكترونية وتهديد الأمن السيبراني للدول والعالم. إذ يحلل طبيعة هذه التهديدات، سواء من قبل الأفراد، أو الجماعات إرهابية، أو الدول، والجهود التي تتخذها الحكومات في سبيل الحفاظ على أمنها وردع الهجمات الإلكترونية.
ويضم الملف تحليلات وعروضًا لكتب ودراسات وتقارير غربية نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، وكذلك تحليلات بمجلة "اتجاهات الأحداث" الصادرة عن المركز.