أخبار المركز
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (تأملات حول فشل جهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية)
  • محمد محمود السيد يكتب: (آليات التصعيد: خيارات إسرائيل إزاء معادلات الردع الجديدة مع إيران)
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)

الوجه الآخر:

المسارات الأربعة الأكثر تأثيراً على أمن آسيا

18 أغسطس، 2014


** نشر هذا المقال في دورية (اتجاهات الأحداث) الصادرة عن مركز المستقبل، العدد الأول، أغسطس 2014.

تعد قارة آسيا من أكثر قارات العالم حيوية، لكنها ربما تكون أيضاً من أكثر هذه القارات قابلية للاشتعال. وقد عبر عن هذه الحيوية مصطلح "القرن الآسيوي"، ومفاده أن القرن الحادي والعشرين ستهيمن عليه الدول الآسيوية الكبرى من الناحيتين الاقتصادية والسياسية إذا ما استمر معدل نموها الاقتصادي والسكاني على الوتيرة نفسها التي سار عليها خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، وهو ما سيجعل القرن الحالي قرناً آسيوياً بامتياز، مثلما كان القرن التاسع عشر "قرناً بريطانياً"، والقرن العشرين "قرناً أمريكياً".

وبغض النظر عن مدى إمكانية تحقق نبوءة القرن الآسيوي على المدى المنظور، يؤكد المتابعون وجود أربعة مسارات مهمة ستؤثر بشكل ملموس على مستقبل الأمن في آسيا، وبالتالي على إمكانية تحقق نبوءة القرن الآسيوي من عدمه، وهي:

المسار الأول: انتخاب زعماء أكثر قومية وتشدداً

شهدت العديد من الدول الآسيوية الكبرى في الآونة الأخيرة انتخاب زعماء أكثر قومية من الذين سبقوهم. فكل من رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، والرئيس الصيني تشي جين بينج، ورئيسة كوريا الجنوبية بارك جوون هيه، ورئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي، يندرج ضمن هذه الفئة. ويواجه كل هؤلاء الزعماء الآن تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة نابعة من الحاجة إلى إجراء إصلاحات بنيوية مهمة للحفاظ على معدلات نمو اقتصادية مرضية.

وإذا ما فشل الزعماء في ذلك، فقد يستشعرون الحاجة إلى توظيف الأجندة القومية "المتطرفة" في تعبئة المشاعر الشعبية في مواجهة "أعداء" خارجيين. ولا شك أن ذلك من شأنه إشعال كثير من التوترات بين الدول الآسيوية وبعضها البعض.

المسار الثاني: التحول في العلاقات الأمريكية الصينية

ركزت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على استراتيجية "التوجه نحو آسيا" في مواجهة تنامي القوة العسكرية والاقتصادية للصين، وسعي بكين لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب دول الجوار، بعدما حددت تخوماً عسكرية تتجاوز حدود مياهها الإقليمية.

وتزامن مع ذلك إعلان قادة الصين الجدد عزمهم جعل بلدهم "قوة بحرية قوية" ذات نفوذ ملموس في غرب المحيط الهادئ؛ وهو الأمر الذي يظهر على الصعيد العسكري من خلال مواصلة بكين إرسال دوريات المراقبة والاستطلاع وقطع أسطولها البحري ومقاتلاتها بالقرب من الجزر المتنازع عليها مع اليابان والفلبين، كما يظهر أيضاً في إجراء الأسطول الصيني أكبر مناورات مشتركة في تاريخه مع الأسطول الروسي أمام سواحل فلاديفستوك في يوليو 2013.

وبالتزامن مع ذلك، تتساءل العديد من الدوائر الأمنية والاستراتيجية في معظم عواصم الدول الآسيوية حول مصداقية الغطاء الأمني الأمريكي في آسيا نتيجة ضعف استجابة واشنطن للأزمات الساخنة في سوريا وأوكرانيا وغيرهما من البقاع الجيوسياسية الملتهبة؛ وهو ما من شأنه أن يثير احتمالات اضطرار أصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها، بدءاً باليابان، إلى معالجة المزيد من احتياجاتهم الأمنية بأنفسهم في الفترة القادمة.

من ناحية أخرى، وعلى الصعيد الدبلوماسي، اتضح في الأشهر الأخيرة وجود نشاط صيني ملحوظ في تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع كثير من دول جنوب شرق آسيا، مقارنة بالدبلوماسية الأمريكية. ففي الوقت الذي ألغى فيه الرئيس الأمريكي زيارته المقررة إلى ماليزيا وإندونيسيا، ولم يحضر قمة إيبك في بالي، وقمة شرق آسيا في بروناي. كان الرئيس الصيني تشي جين بينج، الذي تولى منصبه في مارس 2013، يجول ويصول بشكل مبهر في معظم دول جنوب شرق آسيا، واعداً بتقديم المساعدات الاقتصادية والدعم السياسي لقادة هذه الدول، حيث ذهب إلى جاكارتا، وكان أول زعيم أجنبي يتحدث أمام البرلمان الإندونيسي، داعياً إلى ضرورة توثيق العلاقات الوطيدة بين البلدين، ومقترحاً بناء "خط الحرير البحري"، كما عرض الرئيس الصيني – خلال زيارته إلى ماليزيا – بإنشاء خط أنابيب لنقل النفط عبر شبه الجزيرة الماليزية.

ويبقى من الضروري ملاحظة كيفية تطور العلاقات الأمريكية – الصينية في المستقبل، وانعكاسات ذلك على طبيعة العلاقات التي تربطهما بالدول الآسيوية المهمة، لأنها ستكون من أهم العوامل المؤثرة في أمن آسيا على المدى المنظور.

المسار الثالث: علاقات متغيرة في شبه الجزيرة الكورية

تشهد شبه الجزيرة الكورية تطورات مهمة في الآونة الأخيرة من شأنها التأثير على المشهد الأمني والاستراتيجي في آسيا، حيث أكدت الرئيسة بارك جوون هيه، منذ توليها السلطة في كوريا الجنوبية في فبراير 2013، على ضرورة بناء "الثقة" مع كوريا الشمالية. ولتحقيق هذه الثقة، بادرت بارك مؤخراً باقتراح عدة أفكار لتخفيف التوتر مع الجار الشمالي.

ومن ناحية أخرى، زاد التوتر بين كوريا الجنوبية مع اليابان، في ظل زعامة شينزو آبي، الذي ينظر إليه باعتباره أحد الصقور القومية المتشددة، حيث رفضت بارك اللقاء معه نتيجة "عدم الإخلاص" من جانب طوكيو في الاعتراف بالفظائع التي ارتكبها الجيش الياباني خلال فترة احتلاله شبه الجزيرة الكورية قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية.

وفي مقابل ذلك، كانت زيارة رئيسة كوريا الجنوبية إلى الصين في يونيو 2013، مهمة للغاية، حيث أبرزت ميل سيول إلى تعزيز التقارب مع بكين في ظل تنامي الروابط التجارية والاقتصادية بين الدولتين، ودور بكين المؤثر على دوائر صنع القرار في كوريا الشمالية، خاصة بعدما فشلت واشنطن في منع بيونج يانج من تطوير برامجها النووية والصاروخية في السنوات الأخيرة.

وبالتزامن مع التنافر مع طوكيو والتقارب مع بكين، وهي تطورات مهمة تستحق المتابعة، تبدو كوريا الجنوبية في حالة ارتباك في إدارة ملف علاقاتها مع الولايات المتحدة، فمن ناحية ترغب سيول في أن تكون أكثر استقلالية عن واشنطن عما هي عليه اليوم، ومن المؤشرات الدالة على ذلك إصرار الجيش الكوري على الحصول على صواريخ طويلة المدى رغم الاعتراض الأمريكي على ذلك، ورغبته أيضاً في بناء منظومة مستقلة للدفاع الصاروخي بعيداً عن المنظومة المشتركة مع الولايات المتحدة. ومن ناحية ثانية، يبدي عدد من قادة الجيش الكوري رغبتهم في تأجيل نقل قيادة العمليات العسكرية من الولايات المتحدة إلى الجيش الكوري إلى ما بعد الموعد المتفق عليه في ديسمبر 2015.

المسار الرابع: تزايد احتمالات المواجهة بين اليابان والصين

تقف اليابان والصين على أعتاب مرحلة جديدة، ربما تكون الأخطر في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن وصل التوتر والفتور في علاقاتهما إلى مرحلة غير مسبوقة، وهو التوتر الناجم عن وجود صراع وتنافس شديدين بين البلدين على موارد النفط والغاز الطبيعي في الجزر المتنازع عليها بينهما من جهة، وعدم تصفية الإرث التاريخي المرير الناجم عن الاستعمار الياباني للصين قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية من جهة أخرى؛ الأمر الذي يثير مخاوف عديدة من أن تقود التطورات الراهنة إلى خروج "الساموراي" الياباني من قمقمه الذي قبع فيه منذ الحرب العالمية الثانية نتيجة تكبيل قواته العسكرية بقيود الدستور السلمي ومادته التاسعة الشهيرة، التي تمنع استخدام القوة العسكرية لحل المنازعات الدولية.

وتكثر المخاوف من تنامي التوتر بين اليابان والصين بعد أن أعلن آبي، بمجرد توليه السلطة في ديسمبر 2102، سيادة اليابان على الجزر المتنازع عليها مع الصين، مؤكداً أن السيادة اليابانية على هذه الجزر "غير قابلة للتفاوض"، كما وافق مجلس الوزراء الياباني، بزعامة آبي، على زيادة الميزانية العسكرية للمرة الأولى منذ 11 عاماً، لتصل إلى 52 مليار دولار.

وفي 17 ديسمبر الماضي، أصدرت حكومة آبي استراتيجية جديدة للأمن القومي الياباني، بدلاً من تلك التي كانت قائمة منذ عام 1957. وتشير هذه الاستراتيجية إلى أن دوائر صنع القرار اليابانية لم تعد تعتبر روسيا أكبر تهديد لأمنها القومي، وإنما أصبحت تنظر إلى القوة العسكرية الصينية المتنامية والتهديدات النووية والصاروخية من جانب كوريا الشمالية باعتبارهما أخطر التهديدات الأمنية، ومصدر قلق لشرق آسيا والمجتمع الدولي بأسره.

من جهتها، أعلنت بكين عن إقامة منطقة جديدة للدفاع الجوي في بحر الصين الشرقي، في 23 نوفمبر الماضي. ويرى المراقبون أن إقامة هذه المنطقة يعد مؤشراً على ظهور "التنين الصيني ذي العضلات العسكرية" لأنها تتقاطع مع المجالات الجوية لليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، وهو ما يزيد من احتمالات حدوث تشابكات جوية بين هذه الدول في المستقبل.