أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

عدم اليقين:

سيناريوهات تشكيل الحكومة الألمانية بعد انتخابات سبتمبر

03 أكتوبر، 2021


أظهرت النتائج الأولية الرسمية للانتخابات البرلمانية الألمانية تقدم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (يسار الوسط)، بحصوله على 25,7% من أصوات الناخبين، على كتلة الاتحادين المسيحي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي (يمين الوسط)، والذين حصلوا على 24,1% من الأصوات. في حين جاء حزب الخضر في المرتبة الثالثة بحصوله على 14,8%، أما الحزب الديمقراطي الحر فحصل على 11,5%، وأخيراً حصل حزب البديل من أجل ألمانيا على 10.3%. وبالتالي، تدخل ألمانيا في حالة عدم يقين نسبي، والتي ستخيم على المشهد السياسي في الشهور القادمة، مع وجود صعوبات متوقعة لتشكيل الحكومة المقبلة.

دلالات نتائج الانتخابات:

تتمثل أبرز الدلالات السياسية لنتائج الانتخابات البرلمانية الألمانية في التالي: 

1- انحسار المنافسة بين الاشتراكي والمسيحي الديمقراطي: فاز الاشتراكيون الديمقراطيون بفارق ضئيل على كتلة الاتحادين المسيحي الديمقراطي والاجتماعي، واللذين يشكلان معاً كتلة المحافظين في البرلمان الألماني. فقد تمكن الاشتراكي الديمقراطي من رفع نسبة الأصوات التي حصل عليها بحوالي 5.2% مقارنة بانتخابات العام 2017، وبذلك سيكون له 206 نواب في البوندستاج. 

وفي المقابل، تراجع الاتحادان المسيحي الديمقراطي والاجتماعي المسيحي، بنسبة 8.8% عن انتخابات عام 2017، التي حازا فيها معاً على 32.9% من الأصوات، حتى أن بعض القياديين في "المسيحي الديمقراطي" خسروا في التصويت المباشر لصالح مرشحي الاشتراكي. وهو ما يعني انحساراً في شعبية المسيحي الديمقراطي بعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. 

وعلى الجانب الآخر، حصل الاتحادان المسيحي الديمقراطي والاجتماعي على 24.1% من أصوات الناخبين، وهو ما يكشف عن تصاعد حجم الاستقطاب السياسي في ألمانيا، بين الحزبين اللذين تصدرا الانتخابات. كما أنه من المستبعد مشاركة الاشتراكي والاتحاد المسيحي في ائتلاف حكومي واحد، رغم أن هذا الاحتمال لا يمكن استبعاده تماماً، وذلك بسبب تطلعهما إلى الحصول على منصب المستشار.

ولذا، فإنه من الواضح أن التنافس على منصب المستشار سينحصر بين مرشح الحزب الاشتراكي، أولاف شولتز، البالغ من العمر ثلاثة وستين عاماً، ومرشح حزب الاتحاد المسيحي، أرمين لاشيت، البالغ من العمر ستين عاماً، الذي أعلن أيضاً، ورغم خسارة حزبه بفارق 1.6% من الأصوات أمام الاشتراكي، نيته تشكيل ائتلاف حكومي يضمه إلى جانب الخضر والليبرالي الحر.

2- تغيير قواعد اللعبة: غيرت هذه الانتخابات من قواعد اللعبة الديمقراطية في ألمانيا، فقد كان من المتعارف عليه أن الحزب الحائز على أكثر الأصوات، هو الذي يبدأ مشاورات تشكيل الحكومة. وفي حالة إخفاقه، ينتقل الأمر إلى ثاني أكثر الأحزاب من حيث الأصوات. ووفقاً فقد لذلك كان من المفترض أن يبدأ الاشتراكيون مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة.

فقد أكد أولاف شولتز، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أن لديه تفويضاً واضحاً لتشكيل الحكومة الجديدة، بالتحالف مع الخضر والحزب الديمقراطي الحر، وهو ما رفضه منافسه المحافظ، أرمين لاشيت، والذي أكد بدوره أحقيته في تشكيل الحكومة الجديدة. ويتيح الدستور الألماني أيضاً لثاني أكبر حزب في البرلمان إمكانية قيادة الحكومة.

3- تحوّل الخضر والديمقراطي الحر إلى صانعي الملوك: حصل حزب الخضر، المناصر لقضايا البيئة والمناخ، على نسبه 14.8%، في حين جاء الحزب الديمقراطي الحر في المرتبة الرابعة، بحصوله على 11.5% من الأصوات، أي أن الحزبين معاً تمكنا من الحصول على 26.3% من أصوات الناخبين، وهو ما يعني قدرتهما على منح الأغلبية لأي من الحزبين الرئيسيين المتنافسين على تشكيل الحكومة، أي الاشتراكيين أو الاتحاد المسيحي. وما يعزز هذا الاحتمال تأكيد الديمقراطي الحر على ضرورة التنسيق أولاً مع الخضر، قبل الحديث مع أي من الأحزاب الأخرى.

ويعني ما سبق أن الحزبين لن يتمكنا فقط من تحديد إذا ما كان شولتز أو لاشيت هو المستشار القادم، ولكنهما سوف يتمكنان من فرض أجندتهما الخاصة كذلك، داخلياً وخارجياً، خاصة في ضوء وجود تباينات واضحة بين مختلف الأحزاب حول قضايا الضرائب والإصلاح الاقتصادي والمناخ.  

4- تراجع اليمين المتطرف واليسار الراديكالي: تؤشر نتائج الانتخابات إلى تراجع نفوذ اليمين واليسار الراديكالي في ألمانيا، حيث حصل حزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني المتطرف، على 10.3% من الأصوات، بعد أن كان ثالث أكبر الأحزاب في انتخابات 2017. وحصل حزب اليسار الراديكالي، دي لينكه، على حوالي 4.9% من الأصوات، بانخفاض كبير عن حصته البالغة 9% من الأصوات في انتخابات 2017.

توجهات الحكومة الجديدة

يمكن القول إنه لن يكون للحكومة الجديدة، أياً كانت طبيعة الائتلاف الحاكم، سياسات مغايرة تجاه الجوار الأوروبي، وإن كان من المتوقع أن تكون قضايا السياسة الداخلية هي التي ستختلف مع هوية الحكومة الجديدة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- توافق حول العلاقات مع روسيا: يتفق "شولتز" و"لاشيت" حول استمرارية العلاقات الألمانية الروسية، خاصة فيما يخص مشروع إنشاء خط أنابيب الغاز الروسي "نورد ستريم 2"، وهو المشروع الذي أطلقته "ميركل" رغم المعارضة الأمريكية لأي خطوة قد تزيد من النفوذ الروسي بالقارة، ورفض نشطاء البيئة الألمان للتوجهات الحكومية بزيادة الانخراط في مشروعات الوقود الأحفوري، مقارنة بمشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة الأكثر استدامة للموارد البيئية.

2- تنامي الخلاف حول السياسات الداخلية: تتباين الأحزاب الألمانية الرئيسية حول سياسات الضرائب، حيث يؤيد الحزب الديمقراطي الاشتراكي زيادة الضرائب على أصحاب الثروات في البلاد، بينما يتمسك لاشيت بالتوجهات الضريبية الحالية، كما يرفض حزب شولتز الاستمرار في التوسع في سياسات الاستدانة، بينما يؤيد لاشيت الاستمرار في سياسات الاستدانة حتى 2023 نتيجة لظروف الجائحة.

سيناريوهات الحكومة الائتلافية:

يشير المراقبون إلى وجود خمسة سيناريوهات حول تشكيل الحكومة الائتلافية، في ضوء عدد النواب القياسي، الذي وصل وفق لجنة الاقتراع الألمانية، لـ735 عضواً، أي أكثر بـ137 مما كان عليه العدد قبل أربع سنوات. وتتمثل هذه السيناريوهات في التالي: 

1- إشارة المرور: يتمثل في تأسيس تحالف بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي (الأحمر)، والحزب الديمقراطي الحر (الأصفر)، وحزب الخضر. ويعد هذا التحالف أحد أكثر سيناريوهين متوقعين لتشكيل الحكومة، خاصة بعد فوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بالمرتبة الأولى بالانتخابات.

2- تحالف جاميكا: يعرف بهذا الاسم نظراً لأن ألوان الأحزاب المشكلة لهذا التحالف تشبه علم جاميكا، أي الأسود والأصفر والأخضر. ووفقاً لهذا السيناريو، يتوقع تشكيل تحالف بين حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (الأسود)، وحزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر (الأصفر)، وهو التحالف نفسه الذي أخفق في تشكيل الحكومة السابقة، بعد انسحاب الديمقراطي الحر من المفاوضات عام 2017 وتأكيده أنه لن يدخل ائتلافاً حكومياً تقوده ميركل، ما دفعها لتكوين ائتلاف أوسع مع الاشتراكيين. 

ويلاحظ أن المتغيرات الجديدة، التي فرضتها نتائج الانتخابات، فضلاً عن خروج ميركل من المشهد السياسي ربما يزيدان من احتمالات تكوين هذا الائتلاف. وسيتحقق هذا السيناريو في حال نجح مرشح الاتحاد المسيحي أرمين لاشيت في التوصل لتفاهم مع الخطر والديمقراطي الحر.

3- الائتلاف الواسع: يضم هذا التحالف في هذه الحالة الحزبين الرئيسيين، أي الاشتراكي الديمقراطي والمسيحي الديمقراطي، وهو مسار قد يحدث في حالة فشل مفاوضات كل منهما لتكوين ائتلاف حكومي يقوده بالتفاهم مع الخضر والديمقراطي الحر، إلا أن الخلافات الشاسعة فيما بينهما فضلاً عن الرسائل المسبقة التي قاما بتوجيهها مؤخراً توحي بأن ذلك قد يمثل الخيار الأخير لكليهما.

4- تحالف يسار: يضم هذا التحالف عادة أحزاب الاشتراكي الديمقراطي واليسار والخضر، وجميعها ينتمي إلى اليسار، لكن هذا التحالف في حال تشكيله سيكون حكومة أقلية ضعيفة تحوز تأييد 47% من مقاعد البرلمان فقط، ويعد هذا السيناريو غير مرجح بشكل كبير.

5- تحالف ألمانيا: يضم هذا التحالف المحتمل، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والاتحاد المسيحي، والحزب الديمقراطي الحر، ويقوده شولتز.

وفي الختام، ستعيش برلين خلال الفترة المقبلة مرحلة من الترقّب، مع بدء المفاوضات المتعلقة بتشكيل الحكومة المقبلة، وانتظار من سيخلف المستشارة أنجيلا ميركل، التي ستستمر في تصريف الأعمال خلال الفترة المقبلة وحتى بعد انعقاد الجلسة الأولى للبوندستاج المنتخب حديثاً، والمقررة يوم 26 أكتوبر 2021.