أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

مشاركة كثيفة:

دلالات التصويت المبكر في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020

18 أكتوبر، 2020


على الرغم من أنّ يوم الثلاثاء 3 نوفمبر هو يوم التصويت في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020؛ إلا أن تلك الانتخابات بدأت فعليًّا منذ عدة أسابيع، وتحديدًا في مطلع شهر سبتمبر قبل المناظرة الرئاسية الأولى، حيث قام أكثر من 20 مليون ناخب أمريكي بالإدلاء بأصواتهم حتى الآن، سواء عبر البريد أو بالذهاب إلى مراكز الاقتراع.

ونظرًا إلى أن الولايات الأمريكية الخمسين قامت بتغيير القوانين الانتخابية لإتاحة التصويت المبكر، خاصة عبر البريد، بسبب تداعيات فيروس كورونا، والتزامًا بإجراءات الصحة العامة؛ فقد أثارت تلك الآلية جدلًا في الأوساط الأمريكية، خاصة وأنها قد تؤدي إلى تأخر إعلان نتائج الانتخابات، والتشكيك في نزاهة العملية الانتخابية بسبب احتمالات حدوث بعض وقائع التزوير.

ثلاث آليات:

يجري التصويت في انتخابات الرئاسة الأمريكية وفقًا لثلاث آليات، تشمل: "التصويت في مراكز الاقتراع"، و"التصويت الغيابي"، و"التصويت عبر البريد"، وذلك على النحو التالي:

1- التصويت في مراكز الاقتراع Ballots in Person: تتيح قوانين الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تختلف من ولاية لأخرى، للناخب الأمريكي أن يدلي بصوته في انتخابات الرئاسة، إما بالحضور شخصيًّا في مراكز الاقتراع، قبل يوم الانتخابات، وهو التصويت المبكر، أو يوم الانتخابات 3 نوفمبر.

2- التصويت الغيابي Absentee Ballots: والمقصود به قيام الشخص بالتصويت من مقر إقامته أو وجوده، من خلال إرسال بطاقة الاقتراع إلى مقر المركز الانتخابي عبر البريد، وهذه الآلية متاحة لفئات محددة من المواطنين الأمريكيين، وليس لكل للناخبين. وتشمل هذه الفئات -وفقًا لقوانين الانتخابات الأمريكية- المقيمين في الخارج، والعسكريين في الخدمة، والمسافرين، والطلاب الذين يدرسون في ولاية غير الولاية المسجلين فيها في السجلات الانتخابية. ولاحقًا توسعت هذه الفئات لتشمل المواطنين العاديين الذين يقدّمون عذرًا لغيابهم عن التصويت بشكل شخصي، ثم أصبح التصويت الغيابي متاحًا في عدد من الولايات لمن يرغب من الناخبين دون تقديم عذر.

ووفقًا لتاريخ تطور آليات التصويت في الانتخابات الرئاسية، فإن التصويت الغيابي خاصة للعسكريين في الخدمة بدأ خلال الحرب الأهلية، ثم الحرب العالمية الثانية، وفقًا لمجموعة من القوانين التي أقرها الكونجرس. ومنذ أواخر القرن التاسع عشر بدأت فكرة إتاحة التصويت الغيابي للمواطنين المدنيين، ولاحقًا في الثمانينيات أقرت ولاية كاليفورنيا قوانين تسمح للناخبين المؤهلين بطلب الاقتراع الغيابي لأي سبب. وبحلول عام 2018 تبنّت 27 ولاية أمريكية قوانين تسمح للناخبين بالاقتراع الغيابي بدون أي عذر، وذلك جنبًا إلى جنب مع آلية الاقتراع داخل مراكز الانتخابات لمن يرغب في الحضور للتصويت.

3- التصويت عبر البريد Mail Ballots: مع تطور قوانين الانتخابات، أصبح الاقتراع في ثلاث ولايات أمريكية كاملًا عبر البريد، حيث أقرت "ولاية أوريغون" التصويت في جميع الولاية عبر البريد في عام 1998، تلتها "ولاية واشنطن" في عام 2011، ثم "ولاية كولورادو" في عام 2013.

وفي ضوء تداعيات أزمة فيروس كورونا على انتخابات الرئاسة 2020، فقد سمحت جميع الولايات الأمريكية للناخبين بإمكانية التصويت عبر البريد لمن يرغب مع شروط مراعاة القواعد الحاكمة لموعد التصويت المبكر، فكل ولاية لها موعد محدد لبدء التصويت المبكر عبر البريد أو في مراكز الاقتراع، وبعضها يضع شروطًا محددة ترتبط بالتصويت بالبريد، منها ضرورة وصول بطاقة الاقتراع بالبريد قبل موعد يوم الانتخابات 3 نوفمبر، أو في اليوم نفسه، وبعض الولايات يسمح بوصول بطاقات الاقتراع بعد يوم الانتخابات بشرط أن يكون مسجلًا عليها تاريخ الإرسال قبل يوم الانتخابات.

 وبشكل عام يمكن القول إن الآلية الرئيسية الأكثر شيوعًا في انتخابات الرئاسة والتي يلجأ إليها الناخبون الأمريكيون هي التصويت في مراكز الاقتراع يوم الانتخابات 3 نوفمبر، ويأتي بعد ذلك التصويت الغيابي، ثم التصويت بالبريد. وهناك تشابه بين التصويت الغيابي والتصويت بالبريد، والاختلاف بينهما محدود، ويرتبط بطبيعة القوانين المعمول بها في كل ولاية والتي تحدد قواعد وضوابط الآليتين.

إشكاليات رئيسية:

يُثير التصويت بالبريد في الانتخابات الأمريكية بشكل عام، وفي انتخابات الرئاسة 2020 بشكل خاص، مجموعة من الإشكاليات الرئيسية، تشمل ما يلي:

1- جدل أكاديمي: بعد إقرار "ولاية أوريغون" قوانين الانتخابات بالبريد، أُثير جدل في الأوساط الأكاديمية بشأن إمكانية أن يؤدي التصويت بالبريد إلى زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات وإقبال الناخبين، وتباينت الأدبيات الأكاديمية حول ذلك، فقد أشارت دراسة مبكرة إلى أن التصويت بالبريد في ولاية أوريغون أدى إلى زيادة الإقبال بنسبة 10٪، لكن دراسة لاحقة لم تصل إلى النتيجة نفسها، وكانت خلاصة الجدل الأكاديمي أن التصويت بالبريد قد يزيد الإقبال بشكل متواضع في الانتخابات النصفية والرئاسية، ولكنه قد يزيد من نسبة المشاركة في الانتخابات التمهيدية والانتخابات المحلية.

وبغضّ النظر عن هذا الجدل فإن الأرقام والإحصائيات تشير إلى أن التصويت بالبريد، خاصة في انتخابات الرئاسة 2020، سيزيد بشكل واضح من فرص المشاركة السياسية وإقبال الناخبين.

2- حدوث حالات تزوير: يثير التصويت بالبريد مخاوف من حدوث حالات تزوير في التصويت بالانتخابات، وذلك لأن تصويت الناخب على بطاقة الاقتراع خارج مركز الاقتراع يمكن أن يُتيح الفرصة لأي شخص لانتحال هوية الناخب، أو التأثير على توجهاته التصويتية، كما يشير البعض إلى أن مسار إرسال بطاقات الاقتراع بالبريد ليس آمنًا، فقد يتم اعتراض بطاقات الاقتراع أو طلب بطاقات الاقتراع بدون إذن الناخب.

ووجود هذه الاحتمالات يفسر بشكل رئيسيّ السبب الذي جعل "قضية التصويت عبر البريد" جزءًا رئيسيًّا من النقاش والجدل في الأوساط الأمريكية حول التوسع في تطبيق هذه الآلية في انتخابات الرئاسة 2020. فهناك حالة من السجال والتوتر بين الرئيس والجمهوريين من جهة، وبين معسكر الديمقراطيين من جهة أخرى. فالرئيس "ترامب" يوجه انتقادات مستمرة للتصويت بالبريد، والديمقراطيون يرون أن الرئيس يستغل المسألة للتشكيك في نزاهة الانتخابات، كما عقدوا جلسة استماع لرئيس هيئة البريد الأمريكية، المقرب من الرئيس "ترامب"، بشأن الإجراءات التي اتّخذها لضمان تسيير التصويت عبر البريد، وعدم حدوث إشكاليات أو تأخر في وصول بطاقات الاقتراع، وأقر الكونجرس مشروع قانون بتمويل إضافي لدعم هيئة البريد للقيام بدورها في الانتخابات.

3- تعقيدات لوجستية مؤثرة: جانب من الإشكاليات التي يثيرها التصويت بالبريد في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، يتعلق بالتعقيدات اللوجستية المرتبطة بمواعيد وصول بطاقات الاقتراع إلى مراكز الاقتراع وتأثير ذلك على نتائج الانتخابات، فالمتوقع وفقًا لجدول مواعيد فتح باب الاقتراع بالبريد في الولايات الأمريكية، والتي تسبق يوم 3 نوفمبر بأسابيع في عدة ولايات، وبأيام في ولايات أخرى، أن تصل بعض بطاقات الاقتراع في موعد لاحق على يوم الانتخابات 3 نوفمبر، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تأخر إعلان نتائج انتخابات الرئاسة، وأن يؤدي أيضًا احتساب النتائج يوم الانتخابات بدون بطاقات الاقتراع المتأخرة إلى نتائج غير مكتملة، إذ من المحتمل أن يُعلن مرشح فوزه في الانتخابات بناء على الأصوات التي تم احتسابها، ولاحقًا بعد إضافة الأصوات التي وصلت متأخرة قد لا يكون هو الفائز.

دلالات مهمة:

وفقًا للبيانات والأرقام المتاحة عن التصويت المبكر عبر البريد في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، يمكن استخلاص بعض الدلالات الرئيسية المهمة، على النحو التالي:

1- معدلات مشاركة مرتفعة: وفقًا لأرقام المصادر الأمريكية، فقد صوت أكثر من 20 مليون ناخب أمريكي بأصواتهم حتى يوم 16 أكتوبر 2020، سواء بالبريد أو بالتصويت المبكر الشخصي في مراكز الاقتراع، وذلك في جميع الولايات الأمريكية، وهذا الرقم يشير إلى أن التصويت المبكر في انتخابات الرئاسة الأمريكية والذي بدأ في مطلع سبتمبر في عدد من الولايات، وصولًا إلى كل الولايات في منتصف أكتوبر، بلغت نسبته نحو 15% من عدد الأصوات التي شاركت في انتخابات عام 2016 والتي بلغت أكثر من 135 مليون صوت، وهذا مؤشر على أن انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2020، سوف تشهد نسبة إقبال ومشاركة سياسية أعلى بكثير من انتخابات عام 2016.

ووفقًا لبيانات مشروع الانتخابات بجامعة فلوريدا، فإن مؤشرات التصويت المبكر تنبأت باحتمالات مشاركة أكثر من 150 مليون ناخب أمريكي في انتخابات 2020، وهذه النسبة قد تكون الأعلى في الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ عام 1908.

وترجع نسبة المشاركة المرتفعة في التصويت المبكر إلى ثلاثة أسباب رئيسية؛ الأول تغيير الولايات للقوانين الانتخابية، فقد قامت العديد من الولايات الأمريكية بتغيير قوانين الانتخابات لتسهيل الانتخاب بشكل مبكر، سواء عبر البريد أو التصويت في مراكز الاقتراع. والسبب الثاني تأثير فيروس كورونا الذي دفع العديد من الناخبين لأسباب تتعلق بالصحة العامة للتصويت بالبريد. والسبب الأخير يتعلق بدوافع الناخبين الأمريكيين الذين ينظرون إلى هذه الانتخابات باعتبارها واحدة من الانتخابات الأكثر أهمية في التاريخ الأمريكي.

2- مشاركة أعلى للديمقراطيين مقارنة بالجمهوريين: يبدو واضحًا أن الأرقام والإحصائيات المتوافرة عن المشاركة في التصويت المبكر وفقًا للانتماء الحزبي تدعم ما يُثار بشأن قلق الرئيس "ترامب" ومعسكر الجمهوريين من أن هذا التصويت قد يزيد من حظوظ "بايدن" في التقدم بنتائج الانتخابات، حيث تشير الأرقام إلى مشاركة الديمقراطيين بشكل أعلى من الجمهوريين في التصويت المبكر، خاصة في الولايات الحاسمة في السباق الانتخابي، حيث صوت أكثر من 16 مليون ناخب ينتمون للحزب الديمقراطي في 36 ولاية حتى الآن. ففي ولاية بنسلفانيا -على سبيل المثال- بلغت نسبة الناخبين الذين صوتوا من الديمقراطيين بشكل مبكر 75% من حجم من صوتوا حتى الآن، ويزيدون عن تصويت الجمهوريين المبكر في ولاية فلوريدا بـ20%، و32% في ولاية نورث كارولينا.

الخلاصة أدت تداعيات فيروس كورونا إلى تغيير المشهد العام لانتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، وخاصة آليات التصويت، فقد دفعت الاعتبارات المتعلقة بالصحة العامة الولايات الأمريكية إلى تغيير قوانين الانتخابات، وتسهيل التصويت المبكر، سواء عبر البريد، أو داخل مراكز الاقتراع، وهذا التطور سيساعد بشكل مؤثر في ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات، لكن قد يكون له تأثير سلبي في تأخير نتائج الانتخابات، وإثارة شكوك حول نزاهتها بسبب احتمال حدوث حالات تزوير ولو محدودة في التصويت بالبريد.