أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

"قوة الاختراق":

دوافع اتهام الصين بتوسيع التجسس السيبراني

24 أكتوبر، 2018


تصاعدت حدة الاتهامات الدولية للصين بالتجسس السيبراني، إذ أثار تقرير نشرته وكالة "بلومبرج" في أكتوبر 2018 انتقادات حادة للصين نتيجة اتهامها بزرع رقائق إلكترونية صغيرة في الخوادم (Servers) التي تستخدمها حوالى 30 شركة تكنولوجية أمريكية أهمها "آبل" و"أمازون" وذلك بهدف التجسس عليهما. وأضاف التقرير أن موظفين لدى شركة تُدعى (Super Micro) تقع في الولايات المتحدة ولها فرع في الصين زرعوا هذه الرقائق أثناء عملية تصنيع الخوادم في الصين، وتم تنشيط هذه الرقاقات بمجرد تشغيلها في أجهزة الشركات الأمريكية، كما أكد التقرير أن الصين تقوم بتصنيع حوالي 90٪ من أجهزة الكمبيوتر في العالم.

وقد بدأ التحقيق حول هذه الرقائق من قبل الولايات المتحدة في عام 2015، بيد أن كلًّا من وزارة الخارجية الصينية وشركة (Super Micro) وشركتي "آبل" و"أمازون" أعلنوا رفضهم القاطع للتفاصيل الواردة في تقرير "بلومبرج"، وأصدرت شركتا "آبل" و"أمازون" بيانين للرد على هذا التقرير للتأكيد على أنه لا يوجد لديهما أي دليل لدعم مزاعم التجسس الصيني عليهما.

وقام نائب رئيس شركة "آبل" لأمن تكنولوجيا المعلومات بإرسال خطابات إلى كلٍّ من لجان التجارة الأمريكية ومجلس الشيوخ للتأكيد على أن الشركة أجرت تحقيقات داخلية صارمة لتقصي الحقائق في مزاعم وكالة "بلومبرج"، ولم تجد لها أي أساس من الصحة. أما شركة super micro فقد صرح مسئولوها بأن الشركة ليس لديها أي علم بأي تحقيق حكومي أمريكي يجري في مزاعم التجسس، وأكدت الشركة أنه لم يتوقف أي من عملائها عن استخدام منتجاتها بسبب المخاوف بشأن المتسللين الصينيين.

اتهامات التجسس:

على الرغم من نفي الأطراف المعنية بهذه القضية لوقوعها، إلا أنها ليست المرة الأولى التي يتم اتهام الصين فيها بالتجسس، لا سيما من قبل الدول الغربية، وهو ما يُمكن توضيحه فيما يلي:

1- مقر الاتحاد الإفريقي: نقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية في يناير 2018 عن مسئولين داخل الاتحاد الإفريقي أن هناك تحقيقات أجراها خبراء داخل مقر الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا كشفت عن أن الصين التي قامت ببناء مقر الاتحاد عام 2012 كإهداء للاتحاد الإفريقي وكرمز للصداقة الصينية-الإفريقية، قامت بزرع أجهزة للتجسس في المكاتب وداخل المصاعد، وفي قاعات الاجتماعات.

وأشارت الصحيفة إلى أنه تم اكتشاف التجسس الصيني على الاتحاد الإفريقي بعدما لاحظ أحد الموظفين المكلفين بالأمن السيبراني للأنظمة المعلوماتية بمقر الاتحاد في يناير 2017، أن المعطيات المسجلة في الخوادم التي يمتلكها الاتحاد في الطابق السفلي، يتم تحويلها إلى نقطة جغرافية تبعد عن أديس أبابا بحوالي 8 آلاف كيلومتر. وبعد البحث تأكد أن الأمر يتعلق بعملية اختراق وتجسس تقوم بها الصين لتحويل المعلومات إلى كلٍّ من هونج كونج وبكين.

وصرّح مسئول في الاتحاد الإفريقي لصحيفة "لوموند"، بأن جميع تجهيزات مقر الاتحاد كانت هدية من الصين، إلا أنه بعد اكتشاف الأمر اضطر الاتحاد الإفريقي إلى الاستغناء بشكل تدريجي عن الأجهزة الصينية وتركيب أجهزة جديدة.

وقد وصف سفير الصين لدى الاتحاد الإفريقي "كوانج ويلين" هذه الاتهامات بأنها "مثيرة للسخرية وغير معقولة"، وقال إن نشر هذا التحقيق يهدف إلى ممارسة ضغوط على العلاقات بين بكين وإفريقيا، كما نفى رئيس المفوضية الإفريقية هذه المزاعم بشكل قطعي، وصرّح قائلًا: "الاتحاد الإفريقي هو مؤسسة دولية لا تعالج ملفات دفاعية سرية.. لا أرى أي مصلحة للصين في تقديم مبنى كهذا ومن ثمّ التجسس عليه".

2- قمة "ترامب-كيم": كشفت قناة "إن بي سي" الأمريكية في تقرير مطوّل لها عن وجود تخوف أمريكي من قيام الصين بالتجسس على القمة بين الرئيسين الأمريكي والكوري الشمالي، وذلك لرغبة الصين الملحة في معرفة ما سيدور في المحادثات المغلقة بين الرئيسين، وقد أشار التقرير إلى "التقدم" الواضح في أداء أجهزة الاستخبارات الصينية في هذا المجال. ومن الجدير بالذكر أن الاستخبارات الأمريكية قد طلبت من المسئولين الحكوميين الذين سيشاركون في القمة، أن ينزعوا بطاريات هواتفهم في حال "شعروا" بريبة حول أمر ما، لاقتناعهم بأن الصين تمتلك القدرة على اختراق الهواتف حتى وإن كانت مغلقة.

3- استهداف "لينكد إن": نشرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية تقريرًا في أكتوبر 2018 أشار إلى أن أجهزة الاستخبارات الفرنسية أعلنت عن عملية كبيرة قام بها جواسيس صينيون في السنوات الأخيرة تستهدف مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالمهنيين، كما أكدت الصحيفة حصولها على مذكرة تحذير خاصة بالمديرية العامة للأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن الخارجي تناقش نطاق عمل أجهزة الاستخبارات الصينية خلال السنوات الأخيرة على شبكات التواصل الاجتماعي لا سيما "لينكد إن".

كما حذر رئيس وكالة الاستخبارات الداخلية في ألمانيا "هانز جيورج ماسن" في ديسمبر 2017 من استخدام الصين شبكات التواصل الاجتماعي لجمع معلومات من نواب البرلمان والمسئولين الألمان، وأضاف "ماسن" أن وكالته اكتشفت أن أكثر من 10 آلاف مواطن ألماني من البرلمانيين والمسئولين الحكوميين قد تم استهدافهم من عملاء الاستخبارات الصينية على موقع "لينكد إن" للتواصل الاجتماعي، حيث تظاهر العملاء الصينيون بأنهم مستشارون أو جهات توظيف أو باحثون لجمع المعلومات، واخترقوا الحسابات الخاصة بالمسئولين الألمان.

4- التنصت عبر الأقمار الصناعية: أعلنت فرنسا في عام 2014 عن اكتشافها مركزًا سريًّا تابعًا للصين للتنصت عبر الأقمار الصناعية في إحدى ضواحي باريس. والجدير بالذكر أن المركز تابع للسفارة الصينية في فرنسا، ويقع في شارع هادئ في ضاحية سوفيلي لارو جنوب باريس على مساحة تبلغ أكثر من هكتار مربع، ولا يحقّ للشرطة الفرنسية -وفقًا للقوانين الدولية- دخوله، ويرتفع على سطح المبنى ثلاثة هوائيات ضخمة.

للمكانة أم الاستباق ؟

تدعي التحليلات الغربية أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تدفع الصين لارتكاب مثل هذه العمليات، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

1- دعم الأوضاع الاقتصادية: تتهم الولايات المتحدة الأمريكية الصين باستغلال قدراتها الواسعة في المجال التكنولوجي لسرقة الملكية الفكرية من الشركات الأمريكية، وتحقيق اليد العليا في المفاوضات الاقتصادية، ووضع ضغوط على الحكومات الأجنبية من خلال تعزيز تنافسيتها الاقتصادية. وتدعي "الإف بي آي" أن الصين مسئولة عن نقل ما يتراوح بين 50 إلى 80% من الملكية الفكرية في العالم، وحوالي 90% من التجسس الاقتصادي عبر الفضاء الإلكتروني في الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، يتهم عددٌ من المحللين الغربيين مبادرة "طريق الحرير" بأنها آلية جديدة للمراقبة الإلكترونية، فأحد أهم عناصر المبادرة هو (طريق الحرير الرقمي -Digital Silk Road) الذي يهدف إلى بناء شبكات اتصالات عبر العالم النامي، حيث تعتزم الصين بناء كابلات من الألياف البصرية في الممرات الدولية، وكذلك تجهيز البنية التحتية لشبكات الهواتف، والترويج للتجارة الإلكترونية، ومن المرجح أن تنفذ الصين وحدها مشروعات البنية التحتية في هذا المجال مما يُتيح لها فرصة زرع رقاقات لنقل المعلومات.

2- تجنب التهديدات الخارجية: يؤكد القادة الصينيون دائمًا أنهم يبذلون قصارى جهدهم لبناء دولة قوية، وذلك ليتجنبوا مرور الصين مرة أخرى بسنوات من الذل والمهانة على يد القوى الاستعمارية كما حدث في السابق، وعظّم من هذا الشعور لديهم العقوبات التي فُرضت على الصين بعد حادثة "الميدان السماوي" عام 1989، وتعاظم هذا الشعور مع احتدام الصراعات الإقليمية مع تايوان، والتنازع بين الصين وفيتنام في بحر الصين الجنوبي، والصراع مع اليابان حول ملكية الجزيرة التي تسميها الصين دياويو (Diaoyu)، في حين تطلق عليها اليابان اسم سينكاكو (Senkaku). كما زاد الشعور بالتهديد موخرًا نتيجة الحرب التجارية المحتدمة مع الولايات المتحدة. وبناءً عليه تُشير التحليلات الغربية إلى أن الشعور الدائم بالتهديد الإقليمي والعالمي قد ساهم في تعزيز القاعدة التكنولوجية واستغلالها للتجسس وأعمال القرصنة، وذلك لخدمة أهدافها الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

3- تعزيز المكانة العالمية: يتعلق العامل الثالث بتعزيز وضع الصين الإقليمي والعالمي كقوة عظمى مهيمنة. فعلى سبيل المثال، أنشأت الصين البنك الآسيوي للاستثمار، وهو ما يدشن لوجود مؤسسة مالية دولية تنافس البنك الدولي ولكن بسيطرة صينية، ومما يدعم الصين في هذا الصدد أن النظام العالمي الحالي هو نظام متعدد الأقطاب، حيث لم تعد الولايات المتحدة فقط هي القطب الأكثر قوة وتأثيرًا وهيمنة كما كان الحال عقب انتهاء الحرب الباردة. ناهيك عن أن قوة الصين الآن لا تُضاهيها قوة أخرى في القارة الآسيوية، فالصين تحاول جاهدة أن تحتفظ بهذه المكانة، بل وتعمل على تنميتها. وفي هذا الإطار، ترى التحليلات الغربية أن قيام الصين بجمع المعلومات عن كافة تحركات القوى الدولية والإقليمية يُساعدها على تعزيز هذه المكانة.

إجراءات مضادة:

على الرغم من نفي الصين الرسمي لقيامها بمعظم هذه العمليات، إلا أن هذا لا ينفي تأثر بكين بالسلب بمثل هذه الاتهامات، وهو ما يُمكن توضيحه فيما يلي:

1- تشديد الرقابة: من أهم تداعيات مثل هذه الاتهامات هو الإضرار بسمعة الصين في المجتمع الدولي، وفرض مزيدٍ من الرقابة على مسئوليها، بل وحتى طلابها في الخارج. وعلى الرغم من أن المسئولين الصينيين قد صرحوا مرارًا وتكرارًا بأنه لا يجب محاسبة الصين فقط على أعمال التجسس، في حين أن الدول الأخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة تقوم أيضًا بالتجسس على الدول والشركات، وأن مزاعم التجسس الصينية المتكررة لا تزعج النظام أو تقلقه حيال مكانته في المجتمع الدولي؛ إلا أن من يعاني بالفعل من مثل هذه الاتهامات هم الطلبة الصينيون الذين يدرسون بالخارج نتيجة تضييق الخناق عليهم والاشتباه الدائم في سلوكهم، وأبرز دليل على ذلك هو التسريب الذي نُسب لـ"ترامب" في أغسطس الماضي، والذي يشير إلى أن معظم الطلاب الصينيين هم في الحقيقة يعملون جواسيس للنظام الصيني، وأنه يجب توخي الحذر منهم.

2- تدهور العلاقات التجارية: يعكف قسم الصناعة بالمفوضية الأوروبية على صياغة وثيقة لمواجهة القرصنة والتجسس الصيني، حيث من المحتمل أن تزيد خسائر التجسس الإلكتروني في الفترة القادمة مع قيام الشركات الأوروبية بتحويل كافة خدماتها إلى رقمية، وهو ما يعني أنه قد يكون هناك صدام وشيك بين الاتحاد الأوروبي والصين.

3- التهديد بالعقوبات: تدعي الدول الغربية أن الصين تستخدم بعض المعلومات التي يتم جمعها من خلال القرصنة الإلكترونية لتطوير التقنيات التي يمكن استخدامها للأغراض التجارية والعسكرية على حد سواء، مثل: الذكاء الاصطناعي، وبرمجيات التعرف على الوجه، وتقنية عمل وتطوير الروبوتات. كما قامت الصين في أغسطس الماضي بإجراء أول اختبار ناجح لطائرة تفوق سرعة الصوت، والتي يخشى الخبراء العسكريون الأمريكيون من أن تستخدمها الصين لاختراق أنظمة الدفاع الصاروخية الأمريكية، فمن المعروف أن الأبحاث الخاصة بالذكاء الاصطناعي والمجالات العسكرية مكلفة للغاية وتستغرق وقتًا وجهدًا طويلًا، بيد أن الصين تقوم بنقل هذه الأبحاث دون أن يكلفها ذلك سوى تكلفة تنفيذ التصميمات وذلك بحسب الادعاءات الغربية. فعلى سبيل المثال، اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية الصين في عام 2007 بنقل تصميم أمريكي لطائرة مقاتلة من طراز F-35، وفي إطار هذه الاتهامات فمن المتوقع أن تتجه الدول الغربية إلى فرض عقوبات تدريجية على الصين، مع الحد من استيراد المنتجات الصينية، وهو ما سيكون له تأثير سلبي على نمو الاقتصاد الصيني.