أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

جاذبية استثمارية:

لماذا يتزايد اهتمام شركات النفط العالمية بموارد موريتانيا؟

20 ديسمبر، 2017


جذب قطاع الهيدروكربونات في موريتانيا مؤخرًا اهتمام العديد من شركات النفط العالمية، ومن أبرزها شركتى "بي بي" البريطانية و"إكسون موبيل" الأمريكية، حيث تحتوي الأراضي والسواحل الموريتانية على موارد هائلة من النفط والغاز الطبيعي، وبما قد يجعلها إحدى الدول النفطية الرئيسية في منطقة شمال إفريقيا في المستقبل، وذلك فضلاً عن موقعها الذي يؤهلها لأن تصبح أحد الموردين الرئيسيين للخام للأسواق الدولية والأوروبية تحديدًا.

ومن دون شك، فإن انتعاش قطاع الهيدروكربونات في الأجل المتوسط سينعكس على تحسين أداء الاقتصاد وزيادة الصادرات للعالم الخارجي، وذلك في الوقت الذي عانى فيه الاقتصاد الموريتاني من صعوبات شديدة في الفترة الماضية بسبب تراجع أسعار السلع الأولية من المعادن التي تمثل أحد دعائمه. ورغم ذلك، تظل تنمية القطاع تواجه العديد من التحديات التي تتعلق بعدم اليقين بشأن الاستقرار السياسي في البلاد وضعف الإطار التنظيمي والتشريعي إلى جانب ضعف البنية التحتية.

احتياطيات كبيرة:

تزامن اهتمام شركات النفط العالمية خلال الفترة الأخيرة بالكشف عن النفط والغاز الطبيعي في موريتانيا مع ارتفاع نشاط التنقيب والاستكشاف عن النفط والغاز في دول قريبة من الأخيرة وذات تركيبة جيولوجية مماثلة لها على غرار الجابون والسنغال.

وقد بدأت البلاد إنتاجها فعليًا من النفط من خلال حقل "شنقيط" في عام 2006 بعد اكتشافه من قبل شركتى "وودسايد" للطاقة و"هارد مان ريسورز" الأستراليتين في عام 2001. وخلال تلك الفترة، كانت التقديرات تشير إلى أنه بالإمكان إنتاج حوالي 75 ألف برميل يوميًا من الحقل لكن تم إنتاج ما يتراوح بين 50 إلى 60 ألف برميل يوميًا خلال السنوات الثلاث الأولى من التشغيل، ثم تراجع الإنتاج بشكل حاد إلى أقل من 5 آلاف برميل يوميًا في العام الماضي. ويعود ذلك إلى تقديرات خاطئة حول حجم الاحتياطيات المؤكدة بالحقل، حيث زعمت أنها تصل إلى 120 مليون برميل في حين أنها في الواقع لا تتجاوز 35 مليون برميل.

ورغم التراجع السابق، إلا أن الإمكانات الواعدة لهذا القطاع في البلاد دفعت العديد من الشركات الأجنبية للاستمرار في التنقيب والاستكشاف عن النفط والغاز في البلاد. وكانت شركة "بي بي" البريطانية إحدى الشركات الأجنبية الرئيسية التي تعمل على التنقيب عن الغاز على بعد نحو 300 كلم جنوب غرب العاصمة نواكشوط في مياه المحيط الأطلنطي.

وقد كشفت عمليات التنقيب والاستكشاف التي قامت بها عن وجود احتياطيات مقدرة بنحو 15 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة، قد تزيد إلى أكثر من 50 تريليون قدم مكعب وفق تصريحات الشركة في ديسمبر الجاري، وهو ما قد يمكِّن موريتانيا في النهاية من مواصلة إنتاج الغاز لمدة تصل إلى 50 عامًا.

وإلى جانب ذلك، من المحتمل أن تبدأ قريبًا العديد من الشركات الأجنبية الأخرى، مثل شركة "إكسون موبيل" الأمريكية، في البحث عن النفط والغاز على السواحل الموريتانية، حيث وقعت الأخيرة مع وزارة النفط والطاقة والمعادن الموريتانية ثلاثة عقود تتعلق بالمقاطع الرابع عشر والسابع عشر والثانى والعشرين من الحوض الساحلى الموريتانى. كما أبرمت الحكومة أيضًا مع شركة "توتال" الفرنسية، في الشهر الماضي، عقداً لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز في منطقة الامتياز "سي 7" الواقعة في الحوض الساحلي في المياه الإقليمية الموريتانية.

ويأتى التعاقد السابق بعد إبرام موريتانيا اتفاقات إنتاج مماثلة مع شركة "كوزموس" الأمريكية، والتي أسفرت أيضًا عن اكتشاف احتياطيات هائلة من النفط، حيث أشارت الشركة الأمريكية، في عام 2015، إلى وجود مخزون نفطي كبير قد يكون في حدود 2 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج.  

وبإمكان موريتانيا توظيف موقعها المطل على المحيط الأطلنطي وإنتاجها الوفير والمتوقع من النفط أو الغاز في زيادة صادرات قطاع الهيدروكربونات إلى الأسواق المختلفة خاصة الأوروبية، إذ أن الأخيرة تسعى لتنويع مصادر واردات النفط والغاز خاصة في ظل التوترات السياسية مع روسيا من ناحية والتوترات الأمنية في منطقة شمال إفريقيا من ناحية أخرى.

انعكاسات محتملة:

يعتمد اقتصاد موريتانيا في الأساس على بعص الصناعات الاستخراجية مثل الحديد والنحاس والذهب، والتي تساهم بنسبة 25% في الناتج المحلي ونحو 82% من الصادرات. ومع انخفاض أسعار السلع الأساسية في الأسواق الدولية، واجهت موريتانيا انخفاضًا في مستوى النمو الاقتصادي ليسجل 1.7% في عام 2016 مقابل متوسط قدره 5.3% في الفترة من عام 2010 إلى عام 2013.

ورغم التوقعات التي تشير إلى بقاء مستويات أسعار النفط عند أقل من 60 دولارًا للبرميل، إلا أن انتعاش قطاع الهيدروكربونات وخاصة مع بدء الإنتاج الفعلي من النفط والغاز قد ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد الموريتاني في الأجل المتوسط، إذ من المتوقع أن يساهم في تسريع وتيرة النمو الاقتصادي مجددًا، فضلاً عن مضاعفة إيرادات الدولة من الرسوم المفروضة على  شركات النفط الأجنبية والتي لا تتخطى حاليًا نحو 29 مليون دولار. كما أنها ستساهم أيضًا في زيادة قيمة صادرات البلاد للخارج، وهو ما يدعم الاستقرار المالي والنقدي البلاد.

ومع ذلك، تظل هناك العديد التحديات التي تواجه قطاع الهيدروكربونات، يتمثل أبرزها في عدم اليقين بشأن الإطار التنظيمي للقطاع، وهو ما يؤكده، على سبيل المثال، نشوب نزاع سابق بين مطوري حقل "شنقيط" والحكومة الموريتانية الجديدة في عام 2005، حيث طالبت الحكومة الشركتين الأستراليتين بدفع نحو 150 مليون دولار كتسوية عن عدم صحة التعاقد مع الحكومة الموريتانية السابقة.

وأسفر النزاع السابق في النهاية عن تقلص إنتاج الحقل والتـأثير على عمليات التنقيب على السواحل، ثم تم بيع حصة الشركتين لشركة النفط الماليزية المملوكة للدولة "بتروناس" في عام 2007 بقيمة 418 مليون دولار.

ويضاف إلى ذلك ضعف البنية التحتية ونقص العمالة المحلية اللازمة لعمليات التشغيل، وهو ما أكدته شركة "تولو" للنفط الإنجليزية- الإيرلندية في مناسبات مختلفة. فضلاً عن أن اتجاه موريتانيا لترسيم حدودها البحرية مع السنغال، وهو ما يمثل أحد أولوياتها القادمة في المستقبل خاصة أن بعض الحقول البحرية المكتشفة تقع على الحدود بين الدولتين، يزيد من احتمال اندلاع نزاع بينهما حول هذه الموارد، خاصة في ظل التراكمات السابقة التي فرضتها التوترات السياسية والعسكرية التي تصاعدت بين الطرفين في عام 1989.

وختامًا، يمكن القول إنه رغم افتقار موريتانيا للعديد من المقومات التي يمكن أن تساهم في تأسيس قطاع قوي للهيدروكربونات، إلا أن إمكاناتها الواعدة من النفط والغاز الطبيعي قد تدفع العديد من الشركات لدعمها في سبيل السيطرة على هذه الموارد الضخمة.