أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

توازنات محسوبة:

ركائز السياسة الألمانية في بؤر صراعات الشرق الأوسط

12 يونيو، 2017


 تمتلك ألمانيا مصالح واضحة في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في مرحلة ما بعد اندلاع الصراعات الداخلية في بعض الدول العربية، عبرت عنها سياسة خارجية متناسقة ارتكزت على التسويات السياسية والمشروعات الاقتصادية والتنموية والتفاهمات الاستخباراتية، وتوازت مع عدم انغماس القوات المسلحة الألمانية في عمليات عسكرية خارج أراضيها، وغياب ماضٍ استعماري لبرلين في المنطقة خلافًا لفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا.

 وقد تمثلت سياسة ألمانيا في دعم الشراكات الاستراتيجية مع الدول الرئيسية في الإقليم، والحفاظ على توازن القوى الإقليمي، ومكافحة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، ومواجهة الميليشيات المسلحة، ورفض إنشاء مخيمات للاجئين في بؤر الصراعات، والمشاركة في اقتصاديات إعادة إعمار دول ما بعد الصراعات.

اللاعب الصامت:

يبدو أن ألمانيا تتحول من "اللاعب الصامت" إلى "اللاعب المؤثر" في التفاعلات الإقليمية، لا سيما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في منتصف عام 2016، فضلا عن تأثر برلين بالتهديدات القادمة من الإقليم، وخاصة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وحرصها على عدم ترك الساحة للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا للتفرد بتحديد الاتجاهات العامة للصراعات في الشرق الأوسط، واستثمار فعالية دورها في قمة العشرين، على نحو ما تعكسه قمة الشراكة والاستثمار في إفريقيا التي تستضيفها برلين خلال الفترة (11 - 13 يونيو 2017).

 فقد قال الرئيس الألماني السابق يواخيم غاوك في مؤتمر الأمن في ميونيخ 2014: "حان الوقت لتلعب ألمانيا دورًا فعالا في الشرق الأوسط لا سيما وأنها تمتلك مقومات سياسية وعسكرية واقتصادية لذلك". وأضاف: "يجب وضع نهاية لسياسة ضبط النفس، وزيادة المشاركة الدولية لألمانيا في العالم. فلا يمكن لألمانيا أن تستمر في العمل بالسياسة السابقة، وماضيها لا يعفيها من عمل أى شىء، والاستمرار في دور المتفرج، ولهذا يجب أن تقدم مساهمتها في حل النزاعات الدولية"،  وتتمثل الأهداف المركزية لسياسة برلين تجاه بؤر صراعات الإقليم في عهد المستشارة أنجيلا ميركل، فيما يلي:

شراكة براجماتية:

1- دعم الشراكات الاستراتيجية مع الدول الرئيسية الإقليمية: على نحو ما تشير إليه الزيارات التي قامت بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى مصر والسعودية والإمارات في الفترة الماضية، للتباحث بشأن دعم العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية والأمنية، وتعزيز التفاهمات بشأن ملفات سوريا واليمن وليبيا، ومحاربة التيارات المتطرفة والجماعات الإرهابية، لأن المخاطر التي تواجه دول الإقليم سوف تمتد بطبيعة الحال إلى الدول الأخرى في مناطق مختلفة من العالم ومنها ألمانيا.

 ويأتي ذلك في الوقت الذي تواجه فيه العلاقات الألمانية- التركية ترديًا متصاعدًا، دعا الحكومة الألمانية، في 7 يونيو الجاري، إلى سحب قواتها المتمركزة في قاعدة "إنجيرليك" التي تُعتبر مركزًا للقوات الجوية في الدول المشاركة في التحالف الدولي للحرب على "داعش" بقيادة الولايات المتحدة، لأسباب عديدة، أبرزها رفض السلطات التركية السماح لنواب في البرلمان الألماني بزيارة القاعدة في 16 مايو الماضي، فضلا عن رفض ألمانيا تسليم بعض أنصار فتح الله كولن وعناصر من حزب العمال الكردستاني لأنقرة.

ويُعد من أبرز دواعي الخلاف بين الطرفين منح ألمانيا حق اللجوء لعدد من العسكريين الأتراك وأسرهم ممن تتهمهم الحكومة التركية بالضلوع في محاولة الانقلاب في يوليو 2016، وانضمام مقاتلين يحملون الجنسية الألمانية لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية في سوريا (التي تعد العمود الفقري لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، وهى خليط من فصائل عربية وكردية مدعومة من واشنطن، وتعتبرها أنقرة تنظيمًا إرهابيًّا)، وعبرت أنقرة مرارًا عن رفضها تمدد تلك الوحدات في مناطق متاخمة لحدودها مع سوريا، مما أدى إلى تفاقم التوتر بين برلين وأنقرة.

إطفاء الحرائق:

2- تسوية الصراعات العربية المشتعلة: تشير الرؤية الألمانية إلى أن المدخل السياسي هو الخيار الناجع للتعامل مع الصراعات المنفجرة في ليبيا واليمن وسوريا، إلى درجة أن رئيس النظام السوري بشار الأسد صرح عدة مرات خلال عامى 2012 و2013 بأنه لا يستبعد توسط ألمانيا في الصراع السوري. كما عرضت ميركل خلال زيارتها للرياض في إبريل الماضي وساطتها لحل الصراع في اليمن. 

وقد استضافت برلين ممثلين عن أطراف الصراع تحت إشراف جهود مؤسسة "بيرجهوف" التي تكرس جهودها لدعم خيار السلام على مستوى العالم، وبتنسيق مع المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، وهى مفاوضات غير رسمية. كما التقى رئيسُ الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر، في 16 مايو 2017، نائبَ المستشارة الألمانية وزير الخارجية زيغمار غابريال لاستكشاف إمكانية تسوية الصراع اليمني، لا سيما وأن ألمانيا تعد ثالث أكبر المانحين للبلاد.

وقد أكد سفير ألمانيا لدى الكويت كارلفريد بيرغنر في تصريحات لصحيفة "الرأى"، في 17 إبريل 2017، على أن "هناك تشابهًا كبيرًا بين مواقف بلاده والكويت من ناحية سعي كلا البلدين إلى تحقيق السلام، والقيام بدور الوسيط لحل الأزمات والصراعات في الإقليم، وأن هناك قناعة لدى بلدينا بأن حل الأزمات يكون بالطريقة السياسية قبل العسكرية". فألمانيا تلعب دور الوسيط لحل أزمة أوكرانيا، وكذلك تلعب الكويت دور الوساطة في حل أزمة اليمن أو تهدئة الخلافات القطرية- الخليجية أو دعم الحوار بين دول الخليج وإيران. 

تعدد الأقطاب:

3- الحفاظ على توازن القوى الإقليمي: تهدف السياسة الألمانية إلى تحقيق استقرار في الشرق الأوسط، قائم على التوازن بين القوى الرئيسية فيه، بحكم انخراطها أو ازدياد تأثيرها في بؤر الصراعات الإقليمية مقارنة بغيرها من الدول الأخرى. فالحكومة تريد أن يكون هناك تعدد للأقطاب الإقليمية في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، أشارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس المكسيكي إنريكي بينيانيتو في 9 يونيو الجاري، إلى ضرورة عدم استبعاد أى طرف من الحلول السياسية للأزمات في منطقة الشرق الأوسط.

مخاطر الإرهاب:

4- مكافحة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود: يعد الإرهاب الخطر الداهم على الأمن الوطني الألماني، لا سيما بعد تنفيذ أنيس العامري الذي ينتمي لتنظيم "داعش"، في 19 ديسمبر 2016، عملية دهس بشاحنة في أحد أسواق عيد الميلاد بالعاصمة الألمانية برلين، ما أسقط 12 قتيلا وعشرات الجرحى. وقد جاء توقيت العملية في برلين بعد إطلاق تنظيم "داعش" نداء استهداف ضد "دول التحالف الصليبي"، خاصة تلك التي تقدم على منح حق اللجوء الإنساني لمواطني سوريا والعراق الفارين من الصراعات الداخلية، وبعد موافقة البرلمان الألماني، في ديسمبر 2015، على طلب الحكومة الاتحادية توسعة الحرب على تنظيم "داعش" في العراق وسوريا تحت اسم "مهمة مكافحة الإرهاب".

غير أن تلك المعركة تحتاج إلى سياسة نفس طويل، وقد ذكر مسئول لجنة الدفاع في البرلمان الألماني أندريه فونستر في تصريحات مختلفة أن "هذه المعركة إذا أردنا خوضها بشكل جدي، فستستغرق أكثر من عشر سنوات". ولا ينحصر السلوك الألماني على التنظيمات الإرهابية، بل يمتد إلى الدول التي تدعم وتمول وتسلح تلك التنظيمات. ومع ازدياد حالة الحصار الإقليمي والدولي لقطر بشأن دعم وتمويل الإرهاب، انضمت ألمانيا لتلك الحالة. وفي هذا السياق، أبدى العديد من الساسة البارزين تشككهم في المرحلة الحالية إزاء إمكانية استضافة قطر بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022، عقب اتهامات بدعمها الإرهاب.

 وقد قال فولكر كاودر، رئيس الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي المنتمية إليه المستشارة أنجيلا ميركل، في تصريحات لصحيفة "باساور نوريه بريسه" الألمانية، في 7 يونيو 2017: "الاتهامات من العيار الثقيل، يتعين إدارة نقاش جاد بشأن استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر". ووفقًا له: "لا يمكن تصور إقامة بطولة دولية في بلد يدعم الإرهاب على نطاق كبير". كما قالت نائبة رئيس البرلمان الألماني كاراود باروت في تصريحات لصحيفة "دي فيلت": "التطور الحالي مجرد دليل آخر محزن على أن قطر ليست مكانًا مناسبًا لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم".

الجيوش الموازية:

5- مواجهة الميليشيات المسلحة: ترى السياسة الألمانية أن الميليشيات المسلحة صارت أقرب إلى الجيوش الموازية في الشرق الأوسط تملأ فراغ انهيار الجيوش الوطنية النظامية، لا سيما في ظل دعم من بعض القوى الإقليمية لتلك الجماعات المسلحة، وأبرزها إيران، مما يساهم في تأجيج عدم الاستقرار الإقليمي.

 وقد عبّر عن هذا المعنى جليًّا وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريال خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، في 22 مايو 2017، بالقول: "إن على إيران وقف دعمها لجماعات مسلحة في سوريا والعراق التي تساهم في زعزعة استقرار الشرق الأوسط إذا أرادت علاقات طيبة مع الغرب". وأضاف: "في الكثير من الصراعات في المنطقة تلعب إيران دورًا صعبًا، خاصة في العراق وسوريا، وإننا مستعدون للعمل مع الحكومة الجديدة، لكننا نتوقع من إيران أن تتصرف بمسئولية في المنطقة، وتدعم سياسات السلام وليس الإرهاب".

استبعاد المخيمات:

6- رفض إنشاء مخيمات للاجئين في بؤر الصراعات المسلحة: على نحو ما يعكسه الموقف الألماني المعارض لإنشاء تلك المخيمات في ليبيا، خاصة بعد توقيع اتفاق بين الحكومة الليبية برئاسة فايز السراج وإيطاليا بدعم من الأمم المتحدة، في فبراير 2017. فقد أعلن وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريال، في 3 مايو الماضي، أن "ألمانيا لن تؤيد مشروعًا لإنشاء مخيمات في ليبيا لاستضافة المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى الدول الأوروبية؛ إذ إن المهاجرين يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة داخل المخيمات في ليبيا، ومن ثم فإن بناء مخيمات إضافية لن يكون حلاًّ". 

وأضاف: "إن هذا لا يتوافق مع الرؤية السياسية لألمانيا أو الاتحاد الأوروبي. ما نحاول القيام به بدلا من ذلك، هو تحقيق الاستقرار في دول القارة"، لا سيما بعد أن أسهم عدم الاستقرار في ليبيا في إضعاف جهود الاتحاد الأوروبي لمواجهة تدفقات اللاجئين الفارين إلى ألمانيا عبر اليونان، فثمة غياب لخطط محددة لدى حكومة الوفاق لحماية سواحل ليبيا من المهاجرين غير الشرعيين.

اقتصاديات الإعمار:

7- المشاركة في إعادة إعمار دول ما بعد الصراعات: بشكل يُحقق مكاسب اقتصادية للشركات الألمانية. وهنا، تجدر الإشارة إلى ما قام به باحثون ألمان، في مايو 2017، بتكليف من جامعة "براندنبورغ "الفنية في كوتبوس بناء على تكليف من وزارة الخارجية الألمانية والمعهد الألماني للآثار، حيث وضعوا مخططًا لمدينة حلب السورية وكنوزها الأثرية، وسوف يتم نشره على شبكة الإنترنت للراغبين في المشاركة في إعادة إعمارها، وقام هؤلاء الباحثون بتقديم خارطة ضخمة لمدينة حلب القديمة، بأسواقها ومساجدها وكنائسها ومساكنها. وقد رُسمت في الخارطة 16 ألف قطعة أرض، إضافة إلى 400 مخطط للمباني الرئيسية في المدينة، بما يؤدي إلى استعادة رونق العاصمة الاقتصادية لسوريا ولو بعد حين. 

 خلاصة القول، إن برلين تهدف إلى تفعيل دورها في بؤر الصراعات في منطقة الشرق الأوسط بما يخدم المصالح القومية، إذ إن أمن ألمانيا قد يبدأ من سوريا أو ليبيا، وفقًا للقاعدة التي تقول أنه "إذا لم تأتِ إلى الشرق الأوسط، فهو قد يأتي إليك"، خاصة إرهابه المنظم والعشوائي وهجرته غير الشرعية، بما يجعل الحكومة الألمانية معنية بترسيخ دعائم الدول الوطنية والجيوش النظامية والحكومات الشرعية، والوساطة في الصراعات المسلحة، وتوسعة الحرب ضد التنظيمات الإرهابية، وتقليص نفوذ الميليشيات المسلحة.