أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

قوى صعود:

ما آفاق أسعار الذهب وسط التوترات الجيوسياسية العالمية؟

06 مايو، 2024


يمثل الذهب خياراً استراتيجياً للاستثمار، وملاذاً آمناً لحماية المدخرات أثناء فترات عدم اليقين الاقتصادي والسياسي في العالم. ومؤخراً، سجلت أسعار الذهب مستويات قياسية تخطت 2400 دولار للأونصة الواحدة، متأثرة بعوامل مختلفة من ضمنها تفاقم التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، واستمرار التحديات الجمة للاقتصاد العالمي التي خلقتها الحروب وجائحة كوفيد-19. ومن المرجح أن تستمر أسعار الذهب في تحقيق مكاسب إضافية في العام الجاري، طالما استمر الطلب على المعدن قوياً.


اتجاهات الطلب:

بلغ الطلب العالمي على الذهب ذروته التاريخية في عام 2023، مسجلاً مستوى قدره 4899 طناً، وهو أعلى من الحجم البالغ 4752 طناً في عام 2022. ويأتي ذلك مدفوعاً بارتفاع مشتريات الأفراد والمستثمرين والبنوك المركزية من المعدن في العام الماضي، وسط تراجع جاذبية بعض الأصول الاستثمارية الأخرى بسبب التوترات الجيوسياسية وتبعات الحرب الروسية الأوكرانية. 


وقد بلغ صافي مشتريات البنوك المركزية من الذهب 1037 طناً في عام 2023، وهو مستوى يقل بشكل طفيف عن الحجم البالغ 1082 طناً في عام 2022. وكان بنك الشعب الصيني (البنك المركزي الصيني) أكبر مشتري الذهب من البنوك المركزية في العام الماضي بواقع 225 طناً. على جانب آخر، استقر معدل استهلاك الأفراد للمجوهرات عند 2093 طناً تقريباً على الرغم من الزيادات المحققة في أسعار المعدن. 

في حين شهدت قيم استثمارات صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب تراجعاً للعام الثالث على التوالي، لتصل أدنى مستوى لها منذ 10 سنوات عند 945 طناً في العام الماضي. وعلى الرغم من ارتفاع طلب قطاع التكنولوجيا على الذهب بنسبة 12% في الربع الرابع من عام 2023؛ ليصل 81 طناً، فإن الطلب على مدار العام بأكمله انخفض بنسبة 4% ليصل إلى 298 طناً للمرة الأولى في سلسلة بيانات مجلس الذهب العالمي.


محركات صعود:

يزداد زخم التداول في السوق العالمية للذهب، كلما كانت البيئة السياسية والاقتصادية العالمية أقل استقراراً وهو ما يبدو عليه الوضع حالياً. وقد حقق الذهب أحجام تداول قياسية قدرها 163 مليار دولار يومياً في 2023 (بمعدل إجمالي قدره 59.4 تريليون دولار)، ويمثل ذلك 58.4% من الناتج المحلي العالمي في العام الماضي. في حين بلغت قيمة الحيازات التراكمية من الذهب لدى المستثمرين والبنوك المركزية نحو 5.1 تريليون دولار. 

ومع تعدد وتنوع المشترين بسوق الذهب، فلا عجب أن ديناميكية التفاعل بين العرض والطلب على المعدن تتأثر بعوامل عديدة ومختلفة. وفي الآونة الأخيرة، دعم الاتجاه الصعودي- الطويل- للذهب مجموعة من العوامل المختلفة، يأتي في مقدمتها التوترات الجيوسياسية؛ إذ تؤدي الحرب الروسية الأوكرانية، وحرب غزة، إلى ارتفاع الطلب على الذهب من قبل المستثمرين والأفراد كملاذ آمن، وكوسيلة للتحوط من التضخم وانخفاض أسعار الصرف المحلية. 

فيما ثاني العوامل يرتبط بعدم اليقين الاقتصادي وضعف أداء الاقتصاد العالمي، ولقد جاءت معظم التوقعات لنمو لاقتصاد العالمي في العام الجاري مخيبة للآمال؛ إذ يرى صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد العالمي سينمو بنسبة 3.2% خلال عامي 2024 و2025، أي بنفس الوتيرة المماثلة لعام 2023. كما حذر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، من أن الاقتصاد العالمي سيواجه مزيداً من التباطؤ هذا العام متأثراً بتراجع الاستثمار وحركة التجارة الضعيفة.

فيما ثالث العوامل ينصرف إلى نمو الطلب الصيني، فإلى جانب الطلب القوي على الذهب من قبل بنك الشعب الصيني، والذي واصل شراء الذهب للشهر السابع عشر على التوالي؛ انجذب مستثمرو القطاع الخاص الصينيين إلى الذهب وسط انكماش القطاع العقاري، وتراجع أداء سوق المال، وضعف اليوان. وبحسب تقديرات "بلومبرغ إنتليجنس"، شهدت صناديق تداول الذهب في الصين تدفقات إيجابية خلال كل شهر تقريباً منذ يونيو 2023، في حين تشهد معظم الصناديق عالمياً تخارجاً في التدفقات.

يتمثل رابع العوامل في السياسة النقدية للبنوك المركزية الكبرى، فارتفاع أسعار الفائدة يعزز الاستثمار في السندات والأوراق المالية والأصول الأخرى، ويقلل من جاذبية الذهب كاستثمار، والعكس صحيح. كما أن العلاقة بين الدولار وأسعار الذهب تؤثر بشكل كبير في تطورات السوق، فعادة ما تكون العلاقة عكسية بينهما، باعتبار أن الذهب إحدى السلع المقومة بالدولار. ورغم ارتفاع سعر الفائدة الأمريكي لمستوى قياسي قدره 5.5% حالياً، فإن تأثير تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية على حركة أسعار الذهب كان أقوى من بقية العوامل الأساسية والاقتصادية المعاكسة لانخفاض أسعار المعدن في العام الماضي. مستقبلاً، من الممكن أن يشهد سوق الذهب دورة صعودية جديدة، حال خفض أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية العالمية، مع هدوء الضغوط التضخمية. 

خامس العوامل يتعلق بتنامي طلب البنوك المركزية على الذهب، فقد باتت البنوك المركزية مشترياً صافياً للذهب منذ عام 2010، ولديها حالياً حيازات متراكمة من الذهب قدرها 7800 طن، تم شراء أكثر من ربعها في العامين الماضيين، أخذاً في الاعتبار أن البنوك المركزية تنظر للذهب كداعم لاحتياطاتها، باعتباره أداة للتحوط من المخاطر والأزمات على المدى الطويل. 

أما التضخم، فيُعد سادس العوامل الرئيسية المؤثرة في أسعار الذهب؛ إذ يزداد الطلب على الذهب باعتباره إحدى وسائل التحوط من ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة. وقد سجل التضخم العالمي مستويات قياسية في العامين الأخيرين؛ بسبب اضطراب سلاسل التوريد وزيادة أسعار الطاقة. بحسب صندوق النقد الدولي، بلغ التضخم العالمي نحو 6.8% في عام 2023، لكن من المتوقع تراجعه إلى 5.9% عام 2024، و4.5% عام 2025. وبحسب المحللين، فرغم تراجع التضخم، فإن أسعار الذهب قد تتأثر ارتفاعاً أو انخفاضاً بتأثير العوامل الأخرى.


آفاق الأسعار:

استناداً إلى البيانات، فقد أنهى الذهب العام الماضي عند مستوى قياسي بلغ 2,078.4 دولار للأونصة، وسجل متوسط السعر خلال نفس العام 1,940.54 دولار للأونصة، وهو أعلى بحوالي 8% مقارنة بعام 2022. وخلال العام الجاري، سجل الذهب أعلى مستوياته على الإطلاق؛ ليتم تداوله عند مستويات تخطت 2430 دولاراً للأونصة يوم 12 إبريل 2024، مع أحداث التصعيد المفاجئ بالشرق الأوسط بين إسرائيل وإيران. 

وتُظهر توقعات المؤسسات الدولية أن أسعار الذهب ستواصل ارتفاعها خلال العام الجاري، بالنظر إلى مجموعة من العوامل، أبرزها استمرار الصراعات الجيوسياسية على الساحة الدولية بين كل من روسيا وأوكرانيا، وإسرائيل وحركة حماس. تلك العوامل قد تدفع الطلب العالمي على الذهب لأن يواصل زخمه خلال العام الجاري؛ مما سيعزز التوقعات بارتفاع أسعار المعدن، وفق مجلس الذهب العالمي.

في هذا السياق، يتوقع المجلس أن ينمو الطلب على الذهب من قبل البنوك المركزية وصناديق تداول الذهب والمستثمرين. وبالنسبة للطلب على الذهب من قبل قطاع التكنولوجيا، فمن المتوقع أن يرتفع أيضاً مدعوماً بالتوجهات الدولية لتعزيز صناعة أشباه الموصلات وتوسع استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي.


في ضوء المعطيات السابقة، بدت المؤسسات الدولية أكثر تفاؤلاً حيال توقعاتها لأسعار الذهب في الأمد القصير؛ إذ ترى أن المعدن سيشهد اتجاهاً صعودياً لفترة طويلة، وسيتم تداوله على الأرجح في نطاق يدور بين 2500 إلى 3000 دولار للأونصة. وكان "سيتي بنك" الأكثر تفاؤلاً بين المؤسسات؛ إذ يرى أن الذهب سيصل إلى 3000 دولار للأونصة خلال 6 إلى 18 شهراً المقبلة. في حين رفع بنك "غولدمان ساكس" توقعاته للذهب من 2300 دولار للأونصة إلى 2700 دولار للأونصة بحلول نهاية العام. فيما توقع بنك "أتش أس بي سي" أن يتراوح الذهب بين 1975 و2500 دولار للأونصة خلال العام الجاري.

جملة القول، إن استمرار التوترات الجيوسياسية وعدم اليقين الاقتصادي العالمي؛ سيدفع استمرار زخم أسعار الذهب حتى نهاية العام الجاري ولكي يتم تداوله فوق مستوى 2400 دولار للأونصة. وكما يبدو، فإن آفاق سوق الذهب العالمي ستظل إيجابية لفترة طويلة، بالنظر إلى الطلب المحموم على المعدن ليس من قبل المستثمرين فقط، وإنما الأفراد الراغبين في حماية مدخراتهم أثناء فترات عدم اليقين.