أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

استثمار الأزمة :

حدود استغلال إيران الصراع الروسي – الأمريكي حول أوكرانيا

28 فبراير، 2022


دعا وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، 24 فبراير الجاري، إلى وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، ملقياً باللوم في الأزمة على ما وصفه بـ"استفزازات حلف شمال الأطلسي (الناتو)". ويأتي هذا الموقف الإيراني ليعكس موقفاً وسطاً في الأزمة، إذ إن إلقاء اللوم على حلف الناتو يتماهي مع الموقف الروسي، ولكن وقف العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا لا يخدم الموقف الروسي بأي حال من الأحوال.

فرص مُحتملة

ترى إيران أن الأزمة الروسية – الأوكرانية قد تمنحها عدداً من الفرص والأهداف على النحو التالي: 

1- تعزيز موقفها التفاوضي: تتزامن الأزمة بين روسيا والغرب حول أوكرانيا، مع بلوغ المفاوضات في فيينا إلى مرحلة متقدمة، إذ يُعتقد أن الجولة الحالية هي الأخيرة في مسار المفاوضات الممتد بين إيران ومجموعة (4 + 1) بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة. 

وقد تستغل إيران الانشغال الغربي بأزمة الحرب الأوكرانية، وتتجه إلى التشدد في مواقفها في مفاوضات فيينا، وهو ما وضح في الاتصال الهاتفي الذي جمع بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، ووزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في 25 أكتوبر، والتي أكد فيها الأول للثاني أن إيران لن تحيد عن خطوطها الحمراء في فيينا.  

2- إضعاف فاعلية العقوبات الأمريكية: تحاول إيران استغلال الأزمة الحاصلة بين روسيا والغرب، في تعزيز قدرتها على التحايل على العقوبات المفروضة عليها من جانب الغرب، إذ إن اتجاه واشنطن لتعزيز العقوبات ضد روسيا قد يدفع العديد من الدول إلى رفض التجاوب معه، خاصة الصين، وهو ما يضعف فاعلية العقوبات الأمريكية، ويفتح الباب أمام تراجع التزام الدول المختلفة بالعقوبات الأمريكية على إيران، وهو ما قد يساعدها في المماطلة على التوقيع على أي اتفاق جديد.  

كما أن ارتفاع أسعار النفط ارتباطاً بالأزمة الأوكرانية سوف يسمح لإيران بالتوسع في تهريب نفطها، للاستفادة من ارتفاع الأسعار، واستغلال مخاوف العديد من الدول من أن تؤدي الأزمة إلى تعطل جانب من إمدادات الطاقة، وذلك على الرغم من أن هذا السيناريو يعد مستبعداً بدرجة كبيرة.

3- تزايد محتمل لأنشطة الميليشيات الإيرانية: قد تسعى إيران إلى استغلال انشغال واشنطن بالأزمة الأوكرانية لتصعيد اعتداءاتها الإقليمية، خاصة في ضوء التحديات التي تواجه ميليشياتها في المنطقة، نتيجة للانتصارات المتتالية التي تحققها القوات اليمنية بمساندة التحالف العربي، مقابل خسائر الحوثيين، وكذلك تراجع وزن الأحزاب الموالية لإيران في الانتخابات العراقية، والفشل في تشكيل حكومة تعبر عن نفوذ ومصالح إيران، وكذلك الضربات المتكررة التي تتلقاها ميليشياتها في سوريا على يد الطيران الإسرائيلي، والتي كان آخرها في 23 فبراير الجاري.

كما تطمح إيران أن تؤدي هذه الأزمة إلى تقليص حجم التنسيق الروسي – الإسرائيلي في سوريا، خاصة بعدما وجه وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، في 25 فبراير الجاري، إدانته للهجوم الروسي على أوكرانيا، إذ تأمل طهران أن تتجه موسكو للرد على هذا الموقف، بحيث لا يقتصر على اعتراف موسكو بالسيادة السورية على الجولان، ولكن كذلك تفعيل منظومات الدفاع الجوي الروسية في مواجهة الطيران الإسرائيلي، بما يخفف الضغط العسكري الإسرائيلي على التحركات الإيرانية في سوريا.

4- إمكانية تصدير الغاز لأوروبا: كشفت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، عن أهمية تنويع أوروبا لمصادر الطاقة، إذ يعتمد الاتحاد الأوروبي على 40% من وارداتها من الغاز الطبيعي من روسيا. وقد تتجه أوروبا لتقليص ذلك، ولعل من مؤشرات ذلك إعلان ألمانيا عن تعليق خط الغاز الروسي "نورد ستريم 2" الذي تشاركها فيه ألمانيا.

وتأتي قطر في مقدمة الدول التي يعول عليها الغرب كمصدر بديل للغاز الروسي إلى أوروبا، وهو الموضوع الذي حاز أهمية كبيرة خلال زيارة أمير قطر إلى واشنطن أواخر يناير الماضي، بل ذهبت التقديرات إلى إمكانية أن تقوم إيران، والتي تمتلك ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم، بتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وهو ما تم مناقشته خلال زيارة وزير الخارجية القطري إلى طهران في 27 يناير الماضي، وهو ما قد يفسر سعي الأوروبيين لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، بما يسمح بضخ استثمارات في مجال الطاقة في إيران، تمهيداً لتصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا.

ولعل تصريح وزير النفط الإيراني جواد أوجي، على هامش القمة السادسة للدول المصدر للغاز في الدوحة، والتي انعقدت في الفترة من 20 إلى 22 فبراير الجاري، يعكس ذلك، فقد أكد "أن بلاده قادرة على تصدير الغاز إلى دول الجوار والدول الأوروبية، وأن إيران شهدت اكتشافات جديدة للغاز في السنوات الماضية"، يصب في هذا الاتجاه.

ويتوقف هذا الأمر على عدة عوامل تتعلق بمدى تجاوب إيران حيال المفاوضات في فيينا، كما أن الموقف الإيراني قد يكسبها عداء موسكو، ويؤثر على التعاون المشترك بينهما، خاصة في ظل إعلان موسكو أنها ملتزمة بتزويد الأسواق الأوروبية بالغاز بغض النظر عن التطورات الحالية، في مؤشر على سعي موسكو لإبعاد المنافسين المُحتملين من السعي لتعويض صادرات الغاز إلى أوروبا، وعلى رأسهم قطر وإيران. 

ومن جانب ثانٍ، فإن إنتاج إيران من الغاز الطبيعي يقدر بحوالي 250.8 مليار متر مكعب في عام 2020، أما استهلاكها فيبلغ حوالي 233.1 مليار متر مكعب، وتذهب أغلب الصادرات المقدرة بحوالي 16 مليار متر مكعب إلى تركيا والعراق، وهو ما يعني أن إيران لا يمكنها حالياً إنتاج حصة كافية من الغاز الطبيعي لتعويض أوروبا عن الغاز الروسي، وأن هذا الأمر مآله إلى المستقبل، حينما ترفع العقوبات، وتقوم طهران باستثمارات لرفع صادراتها من الغاز الطبيعي. 

تحديات قائمة:

على الرغم من أن العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا قد تمثل فرصاً لإيران، فإنها تفرض كذلك تحديات، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- تبني موسكو سياسات أكثر تصميماً: تسعى روسيا لتعزيز هيمنتها على سوريا. وتوظف القوى الإقليمية المعنية بالأزمة السورية في مواجهة بعضها البعض لتحقيق ذلك، إذ إنها توظف الميليشيات الإيرانية في مواجهة الجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا، كما أنها تستخدم إسرائيل لمنع إيران من التمركز في سوريا.  

وقد تخلق الأزمة الأوكرانية وضعاً جديداً إذ قد تغير موسكو من سياستها تلك، وتتجه إلى طرد القوى المناوئة لها من سوريا بشكل مباشر، خاصة إذا ما تمكنت موسكو من حسم الصراع الأوكراني لصالحها بسرعة، وأخفقت الدول الغربية في فرض أي عقوبات ذات معنى على موسكو. 

2- توتر محتمل في علاقة إيران بروسيا: تدرك روسيا أن إيران ليس بالحليف الموثوق فيها، إذ إنه بعد توقيع طهران للاتفاق النووي مع القوى الغربية في عام 2015، أعطت إيران الأولوية لإبرام صفقات استثمارية مع الدول الأوروبية. كما أن تلويح طهران بتصدير الغاز الطبيعي كبديل محتمل للغاز الروسي يجعل الأخيرة تدرك جيداً أن فرص التعاون الاستراتيجي بين الجانبين لاتزال محدودة. 

وفي الختام، يمكن القول إن الصراع الأوكراني قد يوفر فرصة لإيران لاستغلال الخلافات بين روسيا والولايات المتحدة ومواصلة جهودها لتهريب نفطها لتخفيف وطأة العقوبات الأمريكية عليها، بما يدفعها في النهاية للمماطلة لإبرام الاتفاق النووي، غير أنه من الواضح أن فرص أن تنعكس الأزمة إيجاباً على تعزيز التعاون بين روسيا وإيران لايزال أمراً مستبعداً بسبب وجود عدد من الملفات الخلافية بين الجانبين، وتقدير كل طرف بأن علاقاته مع الطرف الآخر هي علاقات مصلحية بحتة.