قمة هلسنكي المرتقبة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في ١٦ تموز (يوليو) لن تكون على نمط القمة التي سبقتها في ١٩٨٦ بين سلفيهما رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف. فالظروف تغيرت. لم يعد هناك اتحاد سوفياتي، وعلى رغم ذلك أصبح بوتين في موقع أقوى مما كان عليه غورباتشوف في حينه. ثم أن العلاقة الشخصية بين ترامب وبوتين، وكل ما يدور حول تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية لمصلحة ترامب ضد هيلاري كلينتون، والشبهات الجارية حالياً حول الموضوع في الولايات المتحدة، يثبت أن قمة ترامب وبوتين لن تكون مثل قمة ريغان غورباتشوف، حيث غادر ريغان غاضباً وكانت نتيجة اللقاء فاشلة. فبوتين سياسي محنك. وروسيا اليوم حليفة لنظام الأسد، لكنها تعطي أكثر من طرف تعهدات لا تتمكن من التزامها. فمن جهة هي حليفة لإيران في إطار آستانة وتعمل معها على تخفيف التصعيد في سورية، وتعد أنها ستعمل مع إيران لتعزيز الدولة والنظام في سورية، وفي الوقت نفسه تقول للأميركيين والإسرائيليين إنها ستعمل لردع الإيرانيين وإبعادهم عن سورية. وفي شمال سورية تقول روسيا للأكراد اطئنوا لحمايتنا وسنقوم بوساطة بينكم وبين النظام للحصول على اعتراف بسلطتكم الذاتية. وفي الوقت نفسه تطمئن الأتراك أنه لن يكون هناك أكراد في الشمال يشاركون بالمفاوضات.
روسيا بوتين تقدم منذ فترة تعهدات بضمانات لأكثر من طرف في سورية من دون الالتزام بها. وأحد أهم البنود في القمة المرتقبة سيكون طلب ترامب إخراج إيران. فكيف يمكن لروسيا إخراج إيران من سورية في ظل علاقة عضوية وثيقة بين نظام بشار الأسد والحرس الثوري الإيراني؟ خصوصاً أن قاسم سليماني هو الذي ساهم في شكل كبير في طلب التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية، لأن الجيش السوري كاد ينهار من دون هذا التدخل.
إيران لن تخرج من سورية بالضغط الروسي لأن تمددها في سورية والعراق ولبنان تم بسبب ضعف السلطات المحلية والفساد المنتشر في هذه الأماكن، وخصوصاً بسبب السياسة الأميركية في عهد أوباما وغياب أي مواجهة عربية لهذا التمدد. فقد يتعهد بوتين بالعمل على إخراج الإيرانيين من دون أن يتمكن من ذلك، مقابل اعتراف ترامب ببقاء القوات الروسية في المنطقة مع احتمال القبول ببقاء بشار الأسد. إن ترامب لا يبالي بالوضع الداخلي في سورية ولا يهمه إذا بقي الأسد أو رحل. فهو أصبح مقتنعا بأن الأسد انتصر ولا يزعجه أن يتسلم النظام الجنوب لأن أولوية ترامب هي الانسحاب من الجنوب السوري ومن كل العالم. يريد إعادة القوات الأميركية إلى بلدها. إضافة إلى ذلك أصبح شبه علني أن إسرائيل مرتاحة لأنها منذ زمن بعيد لديها تفاهم مع نظام الأسد قوامه أن تحمي بقاءه على ألا يقوم بأي عمل عدائي ضدها. وهذا ما تردده الآن الإدارة الإسرائيلية أمام محاوريها في الغرب حيث تفضل بقاء الأسد على وصول نظام إسلامي يهدد مصالحها، ولكنها في الوقت نفسه تريد خروج إيران من سورية . فكيف يحل ترامب هذه المعضلة؟ وحده تغيير النظام السوري والتوصل إلى حل سلمي مع انتقال سياسي فعلي في سورية قد يؤدي إلى حل هذه المعضلة .
ربما تكون قمة هلسنكي ناجحة لجهة تعهد روسي بالعمل على إخراج إيران من دون النجاح في تنفيذ هذا التعهد، مع موافقة أميركية غير مكلفة لترامب على بقاء الأسد. ولكن المستقبل القريب سيظهر فشل مثل هذه الصفقة لأن الإيرانيين لن يخرجوا من سورية إلا بخروج الأسد من السلطة، والحرس الثوري عازم بقوة على حماية بقائه. ومن يقول إن الأسد انتصر لكونه بقي، ربما لا يرى أن سورية لم تعد كما كانت، وأنه لن يعيد اللاجئين السوريين السنة بكثافة إلى البلد. وهذا ما نراه في صعوبة إعطاء التصاريح للاجئين في لبنان للعودة. ثم أي انتصار في بقاء الأسد رهينة للقوات الإيرانية والروسية؟
*نقلا عن صحيفة الحياة