كتب روجير كوهن المعلق اللامع في «نيويورك تايمز» أن الصداقة بين الرئيسين الفرنسي ماكرون وترامب من أغرب الأمور على رغم أنها ليست مفاجأة. فرأى أن الرجلين وصلا من لا شيء إلى أعلى المناصب في بلديهما نتيجة رفض شعبي للسياسة التقليدية. وقال إن كل منهما على طريقته، خطأ تاريخي. فيوم الاثنين خلال زيارة الدولة إلى واشنطن يأمل ماكرون بفضل هذه الصداقة الغريبة التي تربطه بترامب بإقناع نظيره الأميركي بعدم الخروج من الاتفاق النووي مع إيران.
هذه المهمة ستكون فاشلة كما فشلت محاولة ماكرون بإقناع ترامب بخطأ نقل السفارة الأميركية إلى القدس. فماكرون كرر مرات عدة معارضته لذلك لكن ترامب لم يسمع إلا لصهره جاريد كوشنير في الموضوع الإسرائيلي. أما بالنسبة إلى الملف النووي الإيراني، فترامب يراه سيئاً وناقصاً وأعرب مرات عدة عن عزمه على الانسحاب من الاتفاقية في منتصف الشهر المقبل. وإذا حصل ذلك، ستضطر الشركات الأوروبية التي تعمل في الولايات المتحدة إلى العودة لتطبيق العقوبات على إيران. وعلى سبيل المثال، توتال النفطية الفرنسية التي لديها استثمار ضخم في الغاز في حقل ساوس بارس الإيراني ستكون مضطرة على ذلك. ومسعى ماكرون في الملف الإيراني سيصطدم بخلاف أميركي مع فرنسا وأوروبا حول أسلوب التعامل مع إيران وحليفها في المنطقة «حزب الله». فماكرون مقتنع أن الحوار المستمر مع هذا البلد يمكنه التوصل إلى نتيجة لإقناع النظام الإيراني بتغيير نهجه والكف عن زعزعة استقرار المنطقة. لكن النظام الإيراني ليس في وارد تقبل مثل هذا المنطق. فمنذ ثورة الخميني وهو يصعد زعزعة الاستقرار من سورية إلى العراق ولبنان واليمن والسعودية.
فكيف يقتنع هذا النظام بالكف عن حماية الأسد وتزويد «حزب الله» بالسلاح المتطور واستخدام الأرض اللبنانية والضاحية الجنوبية في بيروت من حيث تبث قناة «المسيرة» الحوثية وتدخلها في اليمن ومحاربة السعودية. كما أن إيران تمول شباب لبنان الشيعة في الحزب ليقاتلوا ويموتوا لحماية نظام سوري مجرم يقتل شعبه. ماكرون لن يقنع ترامب لأن ترامب يريد المزيد من الأفعال من الأوروبيين وفرنسا. فهو يطالب الاتحاد الأوروبي بتعميم العقوبات على «حزب الله» وليس فقط على الجناح العسكري منه. لكن فرنسا مهتمة باستقرار لبنان ومدركة أنها إذا أرادت أن تلعب دوراً فيه عليها أن تتحدث مع جميع الأطراف ومنها حليف إيران حزب الله. وترامب لن يقتنع من صديقه ماكرون بأن الحوار مع إيران وحلفاء هذا البلد في المنطقة سياسة صائبة.
فهو يطلب أقصى المواقف الأوروبية إزاء إيران وحزب الله مثلما يتوقع أيضاً ذلك من أصدقاء الولايات المتحدة في القيادة اللبنانية. فالإدارة الأميركية شاركت في مؤتمر روما لأنها تريد مساعدة لبنان. لكنها لم تقل ما هو مستوى مساهمتها في مساعدة قوى الأمن والجيش خلال مؤتمر روما لأنها سبق أن قدمت الكثير لدعم الجيش وقوات الأمن ولكنها تنتظر أيضاً لترى بعد الانتخابات إذا كانت الحكومة ورئيسها سيتخذان خطوات باتجاه مثلاً وقف بث المسيرة أو رفض إقامة ممثل «حماس» على الأرض اللبنانية وعدد من الخطوات تظهر جدية الحكومة في التصدي لهيمنة الحزب. والخلاف عميق بين نهجي الرئيسين حول إيران، خصوصا أن هناك شكوكاً أميركية بأن أوروبا وفرنسا مهتمتان بالعلاقات الاقتصادية مع إيران. وهو بلد يمثل سوقاً مهمة لفرنسا وبريطانيا وألمانيا وكان أوباما سيسبقهم في التنافس عليها. فعلى رغم أن صداقة ترامب قوية بماكرون الذي استطاع أن يبهر ضيفه الأميركي في احتفال العيد الوطني واستعراض ١٤ تموز (يوليو) الماضي على جادة الشانزيليزيه السنة الماضية، فمن الصعب أن يقنع ماكرون ترامب خلال زيارة الدولة التي سيقوم بها يوم الاثنين بضرورة إبقاء الاتفاق النووي مع إيران. والضربة الأميركية الفرنسية البريطانية على المواقع الكيماوية السورية أثبتت حصول تنسيق قوي بين الثلاثة. ولو أنها بدت كأنها عمل رمزي أكثر منه فعلاً مؤثراً لن تعكس التوافق نفسه في التعامل مع إيران. وقد يظهر ذلك في منتصف الشهر المقبل عندما يقرر ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.
*نقلا عن صحيفة الحياة