أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

استثمار غربي:

محاولة واشنطن توظيف "مجزرة بوتشا" لتصعيد الصراع مع روسيا

19 أبريل، 2022


نشرت السلطات ووسائل الإعلام الأوكرانية مقطع فيديو، في 1 أبريل، ظهرت فيه جثث لأعداد من القتلى ملقاة في شارع يابلونسكا في بلدة بوتشا الأوكرانية، وهو ما يتوافق مع صور الأقمار الصناعية التي نشرتها شركة "ماكسار تكنولوجيز" الأمريكية في 11 مارس الماضي. ومن جانبها، نفت وزارة الدفاع الروسية المزاعم الأوكرانية، وأكدت أن هذه اللقطات ما هي إلا "استعراض مسرحي من جانب نظام كييف لوسائل الإعلام الغربية"، كما اتهمت الخارجية الروسية الولايات المتحدة بتوجيه كييف لتدبير هذه المسرحية. 

إدانة روسية للغرب:

ترى روسيا أن أزمة بوتشا مفتعلة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها لإحراج موسكو دولياً واتهامها بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، وعرقلة المفاوضات مع أوكرانيا، وفيما يلي أبرز النقاط التي يراها الروس في هذه الأزمة: 

1- اتهام أوكرانيا بالمسؤولية: يؤكد الروس أنه بعد استعادة سيطرة الجيش الأوكراني على المناطق القريبة من العاصمة الأوكرانية، كييف، ومنها بلدة بوتشا، شنّ الجيش الأوكراني حملة إرهابية ضد مواطنيه الذين تعاونوا أو تعاطفوا مع الجيش الروسي. 

وتدعم موسكو توقعاتها هذه من خلال الإشارة إلى أن لقطات القتلى المدنيين، لم تظهر إلا بعد أربعة أيام من مغادرة القوات الروسية للبلدة، كما كان من المفترض أنه بعد مضي هذه المدة أن تظهر على الجثث علامات تصلب أو تحلل، وهو ما لم يحدث، وهو ما يعني أن عمليات القتل المتهمة فيها روسيا قد تمت على يد عناصر من الجيش الأوكراني، أو أنهم مجرد ممثلين.  

وتستغل موسكو في ذلك حقيقة أن الحكومة الأوكرانية اتجهت إلى تصفية معارضيها طوال 8 سنوات عقب انقلاب عام 2014، وذلك لتأكيد تورط الجيش الأوكراني في هذه المجازر. وما قد يضفي مصداقية على الرواية الروسية نشر صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فيديو تم تصويره في 31 مارس، وتحققت منه الصحيفة، لمجموعة من الجنود الأوكرانيين وهم يقتلون أسرى روس محتجزين بصورة وحشية، وذلك في شمال قرية دميتريفكا، على بعد حوالي سبعة أميال جنوب غرب بوتشا. 

2- من أدوات الحرب الهجينة: يرى المسؤولون في الكرملين أن افتعال مجزرة بوتشا من الأدوات التقليدية لترسانة الحرب الهجينة والمعلوماتية الغربية ضد الروس، وفي هذا الصدد، أشارت وزارة الدفاع الروسية إلى أن هذه الاتهامات ما هي إلا "حملة إعلامية منسقة"، كما وصفتها وزارة الخارجية الروسية بأنها "خدعة من قبل نظام كييف لوسائل الإعلام الغربية". 

ويدعم من الموقف الروسي رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية" بحق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فقد أكد أن: "لدى مصطلح "الإبادة الجماعة" معنى محدد، وينبغي أن يتم تعريف الإبادة الجماعية اليوم، ليس من قبل السياسيين، بل من قبل الحقوقيين". وتزامن ذلك مع دعوة ماكرون، في 14 أبريل، نظيره الأمريكي جو بايدن الذي اتهم روسيا بـ"ممارسة إبادة جماعية" بحق الشعب الأوكراني" إلى "توخي الحيطة في استخدام المصطلحات".

3- استنساخ التجربة السورية: اعتبرت روسيا أن الاتهامات الغربية للكرملين بشأن جرائم الحرب في "بوتشا" هي تكرار لسيناريو الاتهامات الغربية المتكررة منذ عام 2013 ضد نظام الأسد في سوريا، وروسيا الداعمة له. 

فقد اتهم الغرب الحكومة السورية باستخدام الأسلحة الكيماوية في قتل الأبرياء المدنيين، بينما أكدت موسكو امتلاكها الأدلة على استخدام المعارضة السورية المسلحة، المدعومة من الغرب، للأسلحة الكيميائية، لتفرض على دمشق "صيغة تحقيق على الطريقة العراقية"، في إشارة إلى اتهام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في 2002 بحيازة أسلحة دمار شامل لتبرير احتلال العراق، وهو ما ثبت زيفه لاحقاً. وهكذا، يبدو أن الغرب يريد تورط روسيا في هذه المجزرة باعتبارها مسؤولة عن جرائم ضد الإنسانية.

استثمار أمريكي وغربي:

مثلت مجزرة بوتشا، سواء كانت مفتعلة من الغرب أو ارتكبتها روسيا، فرصة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لتعزيز الحرب النفسية ضد موسكو، وهو ما يتضح من مراجعة أبرز ردود الفعل الدولية الغربية من الصراع، وذلك على النحو التالي: 

1- فرض مزيد من العقوبات: أعلن البيت الأبيض، في 6 أبريل الجاري، فرض عقوبات جديدة على روسيا، تشمل أشخاص في الدائرة المقربة من الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، ومن ضمنهم ابنتيه، وأفراد من عائلة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. كما تضمن حزمة العقوبات حظر جميع الاستثمارات الجديدة في روسيا، وتشديد العقوبات على المؤسسات المالية والشركات المملوكة للدولة في روسيا. 

وتأمل واشنطن أن تفرض هذه الحزمة من العقوبات تكاليف كبيرة على روسيا خاصة أن العقوبات السابقة لم تحقق التأثيرات المتوقعة منها. فمن ناحية، لم ينهر الاقتصاد الروسي، كما كان متوقعاً. ومن ناحية أخرى، فإن شعبية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تنخفض، وإنما على العكس ارتفعت، وذلك على الرغم من ترويج وسائل الإعلام الغربية، في بداية الحرب، أن العقوبات سوف تؤدي إلى ثورة تطيح بالرئيس الروسي. ومن ناحية أخرى، تركت العقوبات الغربية ضد روسيا تأثيرات اقتصادية سلبية على أغلب الاقتصادات الأوروبية.

2- تصعيد الحرب النفسية: وصف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نظيره الروسي بأنه "مجرم حرب" ودعا إلى محاسبته عن الهجمات على المدنيين في بلدة بوتشا، والتي وصفها بأنها وحشية وشائنة. 

وفي السياق ذاته، كشف مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، أن الرئيس الأمريكي سيتشاور مع الحلفاء لضمان أن تدفع روسيا والرئيس فلاديمير بوتين ثمن جرائم الحرب التي تُرتكب في أوكرانيا. ومن جانبها، قالت وزيرة الخارجية البريطانية "ليز تراس" إنه من الواضح جداً أن القوات الروسية ارتكبت جرائم حرب بحق المدنيين في أوكرانيا. وبدأت الصحافة الغربية في نشر تقارير حول كيفية محاكمة المسؤولين الروس بسبب هذه الجرائم المزعومة. 

3- محاولة مقاضاة روسيا: لا تعد الولايات المتحدة من الدول الأعضاء الموقعة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998. كما سبق أن فرضت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عقوبات على قضاة وموظفي المحكمة الجنائية الدولية. وعلى الرغم من أن بايدن رفع هذه العقوبات في 2 أبريل 2022، في محاولة على ما يبدو لتعزيز تعاونها مع المحكمة ضد روسيا، غير أن الطريف في الموقف الأمريكي أنه أكد استمرار معارضته رغبة المحكمة في التحقيق في قضايا على صلة بأفغانستان أو إسرائيل. 

وأعلنت واشنطن أنها ستساعد المحكمة في تكوين ملف متكامل. ويمكن أن يتم ذلك من خلال توفير حماية الشهود، وتقديم أدلة ومعلومات على الجرائم، وحث الحكومات على التعاون مع المحكمة. 

كما أشار مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، أن واشنطن ستسعى للحصول على المعلومات من أربعة مصادر لإثبات ارتكاب روسيا جرائم حرب، وهي أجهزة الاستخبارات، والملاحظات الأوكرانية على أرض الواقع، والمنظمات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة، والمقابلات من وسائل الإعلام العالمية المستقلة.

4- تعليق عضوية روسيا: أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم 193 دولة عضواً، في 7 أبريل 2022، تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية بسبب هجومها على أوكرانيا، وذلك بتأييد 93 صوتاً. 

وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة سعت لتصوير ذلك على أنه انتصار دبلوماسي لها، فإنه، في حقيقة الأمر، تزايد عدد الدول التي تبنت مواقف داعمة ضمنياً لموسكو، إذ امتنعت أو اعترضت نحو مائة دولة على القرار الأمريكي. 

5- استبعاد روسيا من مجلس الأمن: طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن، بطرد موسكو من المجلس، بينما يشهد الكونجرس الأمريكي تحركات بهدف تجريد روسيا من عضويتها الدائمة في مجلس الأمن. 

ومنذ فبراير الماضي، كان هناك مشروع قرار متداول في الكونجرس بين أعضاء مجلس النواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وتشرف عليه النائبة الجمهورية كلوديا تيني، يطالب الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات فورية لتعديل المادة 23 من ميثاقها لاستبعاد روسيا من العضوية الدائمة في مجلس الأمن. وبطبيعة الحال، فإن هذه المحاولات تدخل في إطار الحرب النفسية، وليس لها أي تأثير على وضع روسيا في مجلس الأمن. 

التداعيات والانعكاسات المحتملة:

يمكن أن يترتب على التوظيف الأمريكي لمجزرة بوتشا عدد من التداعيات، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي: 

1- تعثر الحلول الدبلوماسية: يتوقع أن يتم توظيف مجزرة بوتشا من جانب الولايات المتحدة لإجهاض الجهود الدبلوماسية لتسوية الصراع الأوكراني، خاصة مع اتجاه الغرب لتوظيف هذه المجزرة لاتخاذ عدد من التدابير التصعيدية ضد روسيا، وهو ما سيقلص فرص وقف الحرب الآن، أو التوصل لتسوية بين الجانبين.

2- خطوات تصعيدية تالية: يرى المراقبون أن هذه الحادثة ستجعل كل طرف من أطراف النزاع يعمل على تشويه الطرف الآخر لكسب الرأي العام العالمي، وكذلك لتبرير أي خطوات تصعيدية مستقبلية، سواء كانت على المستوى العسكري أو السياسي أو الاقتصادي، مع الأخذ في الاعتبار أن قضية مثل بوتشا قد تأخذ شهوراً، وربما سنوات حتى يتم الفصل فيها، وبصفة خاصة حتى يتم التفريق بين هل تم قتل المدنيين أثناء المواجهة أو بسبب القصف أو تم قتلهم عمداً من دون وجود أي مواجهات، وكذلك تحديد من هي الجهة التي تورطت في تصفيتهم. 

3- استمرار الخلافات الغربية: سعت الولايات المتحدة لتوظيف المجزرة لفرض عقوبات إضافية ضد روسيا، وهو ما قد تكون له تداعيات عكسية، إذ سيعزز الانقسام بين الدول الغربية، فلا تزال الدول الأوروبية تخشى على مصلحتها جراء التداعيات الاقتصادية للعقوبات الغربية على روسيا. 

وعلى سبيل المثال، رفضت النمسا فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد الغاز الروسي على خلفية الحرب في أوكرانيا، وقال وزير خارجيتها إن "اتخاذ إجراء لوقف استيراد الغاز الطبيعي من روسيا سوف يضر بالاتحاد الأوروبي أكثر من الإضرار بحكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

كما لاتزال بعض الدول الأوروبية مترددة، على الرغم من الضغوط الأمريكية، في تصعيد الدعم العسكري لأوكرانيا، فعلى سبيل المثال، رفضت برلين طلب أوكرانيا الحصول على مركبات مشاة "ماردر" (Marder). ويرتبط ذلك بوجود مخاوف لدى بعض الدول الأوروبية من تصعيد الصراع الحالي مع روسيا، وهو موقف ترفضه واشنطن، والتي يبدو أنها تسعى لتوظيف الصراع الأوكراني لمحاصرة أو استنزاف روسيا، ومن ثم حسم إحدى جولات الصراع مع القوى الكبرى المناوئة لواشنطن، والتي تضم روسيا والصين. 

وفي الختام، تسعى الولايات المتحدة لتوظيف مجزرة بوتشا للضغط على الدول المختلفة والمنظمات الدولية لاتهام روسيا بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، وذلك في محاولة لفرض عزلة دولية ضد موسكو، غير أن واشنطن لم تنجح بالكامل في تحقيق كامل أهدافها، ففي حين أن أغلب الدول الغربية مالت لسرديتها حول ما جرى، فإن أغلب دول العالم، غير الغربي، لم ينجر إلى عقوباتها ضد موسكو.