أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

رسائل إيرانية:

دوافع إطلاق طهران القمر الاصطناعي العسكري "نور – 2"

15 مارس، 2022


أعلن الحرس الثوري الإيراني، في 8 مارس الجاري، عن نجاح سلاح الجو التابع له، في وضع القمر الصناعي "نور – 2" في مدار 500 كم2 حول الأرض، بسرعة 6.7 كم/ ثانية، باستخدام الصاروخ "قاصد" ثلاثي المراحل، من محطة شاهرود بوسط البلاد. 

وقال مسؤول الشؤون الفضائية في الوحدة الصاروخية للحرس، الجنرال علي جعفر آبادي، إن مهمة القمر ستكون "استخباراتية واستكشافية". ويُعد هذا القمر هو الثاني من نوعه الذي تطلقه إيران إلى مدار "ليو" (LEO) بعد أن أطلقت قمر "نور 1" في عام أبريل 2020، ومن المتوقع أن تستمر مهمة القمر الجديد ثلاث سنوات.

دوافع متعددة:

تهدف إيران من وراء تلك الخطوة إلى تحقيق عدد من الأهداف، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:

1- تطوير صواريخ باليستية طويلة المدى: يكشف إطلاق إيران للصاروخ قاصد عن استخدام طهران لبرنامجها الفضائي كغطاء لتطوير صاروخ باليستي طويل المدى، وهناك عدة مؤشرات تؤكد ذلك، منها إطلاق الصاروخ من منصة متحركة، وليست ثابتة. 

كما أن صاروخ إطلاق الأقمار الاصطناعية "قاصد" مكون من ثلاث مراحل، وتتمثل المرحلة الأولى في محرك يعمل بالوقود السائل يعتمد على صاروخ "شهاب 3" الباليستي متوسط المدى. أما المرحلة الثانية، فتعتمد على محرك سلمان الجديد الذي يعمل بالوقود الصلب، والذي كشف عنه الحرس الثوري الإيراني في وقت سابق، واتهمت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة إيران في شكوى أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أن الإطلاق ينتهك حظر القرار 2231، والذي يمنع إيران من تطوير صواريخ ذات قدرة نووية. فقد تميز محرك سلمان بنظام تحكم بفوهة مرنة، وتعمل هذه التقنية على تحسين كفاءة المحرك، وهي ضرورية لتطوير محركات تعمل بالوقود الصلب ذات قطر أكبر، وهو ما يناسب بشكل أساسي في تصميم الصواريخ الباليستية طويلة المدى.

2- تعزيز موقفها التفاوضي: تتزامن عملية إطلاق الصاروخ قاصد مع وصول المباحثات النووية في فيينا إلى مرحلة فارقة، حيث تشهد تعقيداً يُنذر بفشلها، وذلك نتيجة للموقف الإيراني المتعنت وإصرارها على مطالب، تعتبرها خطوطاً حمراء لا يمكن التراجع عنها، وعلى رأسها مسألتي رفع العقوبات وتحقيق الضمانات. 

وقد جوبهت المطالب الإيرانية برفض أمريكي، والتي اتجهت للرد على التصعيد الإيراني بفرض شروط جديدة في المفاوضات، والتي أعربت إيران عن رفضها لها على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، في 11 مارس الجاري.

هذا إلى جانب تصعيد إيران النووي، حيث كشف تقرير حديث للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن إيران قد أصبح لديها ثلاثة أرباع المواد الكافية لتصنيع قنبلة ذرية واحدة، وهو ما يُعني أن تأخير التوصل إلى اتفاق معها، سيفقد العودة للاتفاق الهدف منها، على حسب تأكيد المسؤولون الغربيون، كما أن زيارة مدير الوكالة رفائيل جروسي إلى طهران، في 5 مارس الجاري، لم تُسفر عن نتائج حقيقية بشأن القضايا العالقة بين إيران والوكالة.

ومن جهة أخرى، فإن مطالبة روسيا بضمانات مكتوبة من الغرب، باستثنائها من العقوبات، بشأن تعاملها مع إيران بعد توقيع الاتفاق النووي، قد زاد من تعقيد مسار المفاوضات، إذ واجه ذلك المطلب من قبل موسكو معارضة ليس فقط من جانب الأطراف الأمريكية والأوروبية، بل حتى إيران نفسها. 

وفي ضوء ذلك، فقد عبّر مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أن هناك حاجة إلى تعليق مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني، بسبب "عوامل خارجية"، في إشارة إلى التدخل الروسي الأخير في مسار المفاوضات، وإن كان هذا لا ينفي أن المطالب الإيرانية التصعيدية الأخيرة كانت أيضاً سبباً في تعثر المفاوضات. 

3- توظيف الأزمة الأوكرانية: تسعى إيران إلى استغلال الانشغال الأمريكي والغربي بتداعيات الصراع الروسي – الأوكراني، في مواصلة تطوير قدراتها النووية والصاروخية، وذلك إدراكاً منها بأن ما تتخذه من خطوات تصعيدية في هذه المرحلة، لا يمثل مغامرة كبيرة تعرضها لرد فعل أمريكي وغربي قوي بسبب الانشغال الأمريكي بالصراع.

4- فصل الملف الصاروخي عن النووي: تهدف إيران من وراء إطلاق الصاروخ قاصد إلى حصر المفاوضات النووية التي تجريها مع القوى الكبرى في فيينا على الملف النووي، من دون غيره من الملفات، لاسيما ما يتعلق بالملف الصاروخي والدور الإقليمي في المنطقة، وهو ما سعت طهران لتأكيده منذ بداية المفاوضات في أبريل الماضي. 

وأكد المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، في 10 مارس الجاري، "أن من يقترح تقليص القوة الدفاعية بحجة عدم إثارة حساسية العدو، فهذا يعتبر في منتهى السذاجة"، مضيفاً أنه "لا ينبغي الاستغناء عن أي من مكونات وأذرع القوة الوطنية على حساب مكون آخر"، في دلالة على إصرار إيران على مواصلة تطوير قدراتها الصاروخية وإبعادها عن طاولة التفاوض في فيينا.

ويعني إحياء الاتفاق النووي مع عدم مناقشة هذه المسألة مكسباً لإيران، إذ إنها تستطيع أن تؤكد أن تطويرها مثل هذه الصواريخ مستقبلاً لا يتعارض مع الاتفاق النووي الإيراني بدليل أنها قامت بتطوير هذه الصواريخ بالتزامن مع مفاوضات توقيعه، ولم يتم إدراج هذه المسألة ضمن الاتفاق، وإن كان مثل هذا الرأي مردوداً عليه بأن قيام إيران بهذه التجارب يتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم 2231. 

5- دعم الميليشيات الإيرانية استخباراتياً: تسعى إيران لتوظيف القمر الاصطناعي في الحصول على صور بالمواقع والأهداف الاستراتيجية والعسكرية لخصومها، والتي يمكن أن تقوم باستهدافها في مرحلة لاحقة، سواء بشكل مباشر، أو عبر ميليشياتها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.

وفي هذا السياق، تزامن الإعلان عن إطلاق القمر الصناعي العسكري من جانب إيران، مع استهداف مصفاة لتكرير نفط بالعاصمة السعودية الرياض بطائرة مسيرة، أطلقتها ميليشيا الحوثي باليمن، في 11 مارس الجاري، وهو ما يؤكد ارتباط تلك الخطوة بذلك التصعيد، إذ تُستخدم صور الأقمار الاصطناعية في تعزيز دقة مثل هذه الهجمات.

ويلاحظ أنه لم يتم التأكد بعد من قدرات القمر الاصطناعي الإيراني "نور 2"، فقد وصفت الولايات المتحدة القمر الاصطناعي السابق "نور 1" بأنه كاميرا ويب متشقلبة في الفضاء، في إشارة إلى عدم تمتعه بأي قدرات حقيقية في تصوير المنشآت الحساسة بدقة عالية، أو حتى التحكم في توجيهه. وإذا ما كانت إمكانية القمر الاصطناعي "نور 2" تحاكي "نور 1"، فإنه لن يعزز قدرات إيران في التجسس، وستواصل الاعتماد على خدمات الأقمار الاصطناعية التجارية الأجنبية. 

وفي الختام، يمكن القول إن إيران تواصل قدراتها في استخدام البرنامج الفضائي في تطوير صواريخ باليستية طويلة المدى تعمل بالوقود الصلب، وفي المقابل، فإنه من غير الواضح قدرات القمر الاصطناعي الجديد "نور 2"، وما إذا كان يمتلك القدرة على تصوير المواقع الاستراتيجية والعسكرية، أم أنه يفتقد إلى هذه القدرات.