أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

تدخلات مستمرة:

إلى أين تتجه الليرة والاقتصاد التركي؟

22 مارس، 2021


تعيش تركيا حالة من عدم الوضوح والضبابية فيما يتعلق بالاقتصاد خلال الفترة الراهنة، ويأتي ذلك في ظل تزامن عدد من الأزمات التي بمر بها الاقتصاد، والناتجة في الأساس عن الظروف الداخلية للبلاد، وخاصة على مستوى السنوات الخمس الماضية، والظروف الناتجة عن أزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية السلبية، التي دفعت بالاقتصاد العالمي ككل إلى حالة من الضعف وأجبرته على الانكماش، بمعدلات لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، حيث أنها وضعت العديد من الأنشطة الاقتصادية، ولاسيما تلك التي لها أبعاد دولية، كالسياحة والاستثمار الأجنبي والتجارة الخارجية وتحويلات العاملين في الخارج، أمام تحدٍ صعب، بسبب إجبارها الدول على فرض القيود وتبني إجراءات العزل العام، وإغلاق المطارات وإيقاف حركة السفر الدولي، وغير ذلك.

وقد كان لتركيا نصيب كبير من تلك التداعيات، حيث أن الاقتصاد التركي عانى خلال عام 2020 من الكثير من المصاعب الناتجة عن تداعيات كورونا، الأمر الذي تسبب في تراجع إيراداته من السياحة والتجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي وتحويلات العاملين، وغيرها. ونتيجة لذلك، عانت الليرة من حالة من التذبذب الشديد، المائل إلى التراجع باستمرار، الأمر الذي وضعها في بعض الفترات ضمن أسوأ عملات الاقتصادات الناشئة أداءً. وما فاقم من وضع الليرة هو أنها تعيش ظروفاً استثنائية أخرى تختص بها الحالة التركية.

مشكلات خاصة:

لا تقتصر الظروف الاقتصادية الضبابية التي أثرت وتؤثر على الليرة التركية على الأوضاع الاقتصادية الداخلية، والظروف الناتجة عن أزمة كورونا، بل إن الفترة الماضية شهدت بعض التدخلات من قبل الحكومة في عمل المؤسسات المسئولة عن وضع وتنفيذ السياسات النقدية والمالية في البلاد، والتي من المهم تمتعها بالاستقلالية بعيداً عن السلطات الحكومية. وقد شهدت الشهور الماضية إقالة محافظ البنك المركزي أكثر من مرة، وكان آخرها خلال مطلع الأسبوع الجاري، عندما أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان، وبشكل مفاجئ، إقالة محافظ البنك المركزي ناجي إقبال، وتعيين شهاب قوجي أوغلو المصرفي السابق بدلاً منه، وقد تسبب هذا القرار في تراجع مفاجئ في قيمة الليرة، التي فقدت نحو 13% من قيمتها في التعاملات الصباحية في 22 مارس الجاري. وبعد أن أغلق سعر صرفها عند 7.2185 ليرة للدولار في 19 من الشهر نفسه، فإنه تراجع إلى 8.3600 ليرة مقابل الدولار بعد ذلك بثلاثة أيام، مسجلاً أدنى مستوى له منذ نوفمبر 2020.

وبرغم أنه من غير المتصور أن تبقى الليرة عند هذا المستوى المتدني لفترات طويلة، وأنه من المرجح أن تسترد بعض ما خسرته، خاصة بعد زوال العامل النفسي الذي تسبب في ذلك التراجع الأولي الكبير، لكن يتوقع أن تبقى الليرة قريبة من ذلك المستوى المتراجع لبعض الوقت، بل إنه من المرجح أن تظل في حالة من الضبابية وعدم الوضوح لفترات طويلة، لاسيما بعد أن تسببت تدخلات أردوغان المتواصلة، وعلاقته المضطربة مع محافظي البنك المركزي، في خلق انطباع لدى المتعاملين بأسواق الصرف، وكذلك المتابعين والمؤسسات الاقتصادية الدولية، بعدم استقلالية السياسة النقدية في تركيا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن تدخلاته المستمرة هي من أجل الإبقاء على الليرة عند مستويات متراجعة، لاسيما أنه يضغط على محافظي البنك المركزي لتبني سياسات نقدية ميسرة، عبر خفض أسعار الفائدة، وهو ما من شأنه الضغط على قيمة الليرة.

وتجدر الإشارة إلى أن قرار أردوغان الأخير بإقالة محافظ البنك المركزي وتعيين محافظ جديد بدلاً منه، جاء بعد قيام المحافظ المُقال برفع أسعار الفائدة في 18 مارس الجاري، بمقدار 200 نقطة أساس، وهو ما دفع إلى صعود قيمة الليرة بنسبة 3%، على نحو كان يُنظر إليه على أنه يعزز مصداقية البنك المركزي في عهد المحافظ السابق. وفي ظل هذه الظروف، فإن المتعاملين في أسواق الصرف، ولاسيما المهتمين منهم بالليرة، يترسخ لديهم انطباع بشأن عدم استقلالية السياسة النقدية في تركيا، وأن مستقبل الليرة سيظل ضبابياً، وأن العملة مرشحة للمزيد من التراجع، أو على الأقل البقاء عند مستويات منخفضة لفترات طويلة في المستقبل.

مسيرة تراجع:

خسرت الليرة نحو 30% من قيمتها خلال عام 2020، ولم يقتصر أداؤها على التراجع فقط، بل إنها عانت من حالة من التذبذب، وهو ما دفع وكالة بلومبيرج في مطلع أكتوبر الماضي للتعقيب على أدائها بالقول بأنها "تخالف باقي عملات الدول الناشئة الأخرى"؛ وقد صنفتها بأنها "صاحبة ثاني أسوأ العملات أداءً في الأسواق الناشئة بعد الريال البرازيلي". وقد ترتب الأداء الضعيف للعملة التركية العام الماضي على تراجع في إيرادات قطاع السياحة بنسبة وصلت إلى أقصاها خلال الربع الثالث من ذلك العام، ببلوغها 71.2%، مع تراجع عدد السائحين الوافدين إلى تركيا بنسبة 74% في الشهور التسعة الأولى من عام 2020، ليصل إلى 9.46 مليون سائح فقط، بدلاً من 36.4 مليون سائح قبل عام. كما عانى الاقتصاد من ارتفاع غير مسبوق في عجز الميزان التجاري في عام 2020، وبنسبة تقترب من 80%. 

ومع تجدد حالة التوتر في العلاقة بين الرئيس من ناحية والمسئولين عن السياسة النقدية في البلاد، وعلى رأسهم محافظي البنك المركزي المتتاليين من ناحية أخرى، فإن ذلك فاقم من وضع الليرة في عام 2021، ففي الوقت الذي يسعى البنك المركزي، من منطلق دوره التقليدي، إلى الدفاع عن قيمة العملة، من خلال الإبقاء على أسعار الفائدة المرتفعة، فإن أردوغان يضغط على البنك من أجل خفض الفائدة، كآلية لتحفيز الاقتصاد، باعتبار أن تخفيض الفائدة يقلص تكلفة الاقتراض، ويساعد مؤسسات الأعمال على تمويل مشروعاتها بتكلفة مالية منخفضة. 

وفي النهاية، يمكن القول إنه في ظل هذه الظروف، فإن معاناة الليرة ستظل متواصلة، وبرغم أن البنك المركزي عمل على الدفاع عن العملة خلال السنوات الماضية، ما تسبب في تآكل نسبة كبيرة من احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، فإن مساعيه ستقابل بالمزيد من التحديات خلال الفترة المقبلة، إذ أنها لن تقتصر على تراجع حجم النقد الأجنبي المتاح لديه، ولكنها أيضاً ستأتي من الضغوط الحكومية، والتدخلات المستمرة لأردوغان في السياسة النقدية. ومع عدم استبعاد استمرار الآثار السلبية الناتجة عن ظروف كورونا، في معظم فترات عام 2021، فإن الليرة قد تفقد المزيد من قيمتها بحلول نهاية العام.