أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

رسائل اسطنبول:

هل تشكل إيران وتركيا جبهة ضد بايدن؟

01 فبراير، 2021


وجّهت كل من إيران وتركيا رسائل عديدة إلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى اسطنبول، والتي التقى خلالها نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو ثم الرئيس رجب طيب أردوغان في 29 يناير الفائت. لكن الرسالة الأهم تركزت حول ضرورة عودة واشنطن للاتفاق النووي الذي توصلت إليه، ضمن مجموعة "5+1"، مع إيران في 14 يوليو 2015 ويواجه حالياً تحديات غير مسبوقة بسبب التصعيد المتبادل بين الطرفين.

دلالات عديدة:

وفي الواقع، فإن تلك الدعوة التي تبناها وزير الخارجية التركي تشاويش أوغلو، تطرح دلالات رئيسية ثلاث:

الأولى، أن تركيا، على غرار إيران، ترى أن الكرة في ملعب الإدارة الأمريكية، وأن على الأخيرة أن تأخذ زمام المبادرة وتبدأ في تبني خطوات إيجابية لتعزيز احتمالات الوصول إلى تفاهمات مع إيران خلال المرحلة القادمة. 

وبعبارة أخرى، فإن السؤال الذي ما زال عالقاً دون إجابة لدى كثير من الأطراف حول "من يعود أولاً" بات محسوماً بالنسبة لتركيا التي ترى أن المشكلة عند الولايات المتحدة الأمريكية وليس إيران، وأن إنقاذ الاتفاق النووي سوف يعتمد في المقام الأول على الإجراءات التي سوف تتخذها واشنطن خلال المرحلة القادمة، رغم أن قسماً يعتد به من المخاطر التي تواجه هذا الاتفاق يعود إلى الخطوات التصعيدية التي اتخذتها طهران منذ منتصف عام 2019، على مستوى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20% (أنتجت إيران حتى الآن نحو 17 كيلو جرام من هذا المستوى)، وزيادة كمية اليورانيوم المخصب لتتجاوز أكثر من عشرة أضعاف ما هو مسموح به في الاتفاق، وتوسيع نطاق عمليات التخصيب لتشمل مفاعل فوردو إلى جانب منشأة ناتانز. وفي هذا السياق قال أوغلو: "نأمل عودة إدارة بايدن إلى الاتفاق النووي ورفع إجراءات الحصار عن إيران الشقيقة"، مبدياً استعداد بلاده لتقديم مختلف أنواع الدعم لإيران في هذا الإطار.

موقف موسكو:

والثانية، أن هناك تنسيقاً عالى المستوى بين كل من إيران وروسيا وتركيا فيما يتعلق بهذا الملف، حيث كان لافتاً أن موسكو تبنت الدعوة نفسها خلال الزيارة التي قام بها ظريف في 26 يناير الجاري، وهو تنسيق تفرضه التفاهمات التي تحرص الدول الثلاث على استمرارها في التعامل مع ملفات عديدة، على غرار الملف السوري وأزمة إقليم ناجورني قره باغ. صحيح أن هناك تباينات في المواقف والحسابات، لكن ذلك لم يمنع تلك الدول من محاولة الوصول إلى محاور تلاقي مشتركة باعتبار أن ذلك يتوافق مع حساباتها ومصالحها على الأقل في المرحلة الحالية. وكان لافتاً في هذا السياق، أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أكد خلال لقاءه نظيره الإيراني على أن "استئناف الالتزام بخطة العمل المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني الخطوة الضرورية لتنفيذ إيران التزاماتها بموجب الاتفاق".

والثالثة، أن تركيا، على غرار روسيا وإيران، لا تدعم الموقف الذي تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية، والقائم على ضرورة ضم ملفات جديدة إلى أية مفاوضات محتملة مع إيران، وتحديداً برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي. وفي رؤيتها، فإن الإصرار على توسيع نطاق التفاوض ليشمل تلك الملفات سوف يقلص من احتمالات الوصول إلى تفاهمات وسيزيد من حدة المخاطر التي يتعرض لها الاتفاق النووي في الوقت الحالي.

وبمعنى آخر، فإن موسكو وأنقرة تتجاهلان التهديدات الجدية التي يفرضها البرنامج الصاروخي والدور الذي تقوم به إيران على الصعيد الإقليمي على أمن ومصالح دول المنطقة. إذ تواصل إيران تهديداتها بقصف قواعد ومصالح في تلك الدول، فضلاً عن أنها استخدمت تلك الصواريخ بالفعل في كل من سوريا والعراق، سواء للرد على العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وأسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني في 3 يناير 2020، أو للترويج لمزاعم حول دورها في الحرب ضد تنظيم "داعش" في سوريا.

وإذا كان هذا الموقف قد يكون مفهوماً في حالة روسيا، التي تسعى إلى مواصلة تعاونها العسكري مع إيران، لاسيما فيما يتعلق بإبرام صفقات عسكرية خاصة بمنظومات الدفاع الجوي على غرار أنظمة صواريخ "إس 300" وربما "إس 400" في مرحلة لاحقة، خاصة بعد رفع الحظر الأممي الذي كان مفروضاً عليها في أغسطس 2020، فإنه في حالة تركيا يحتاج إلى ربطه بملفات أخرى لا تقل أهمية، ولاسيما ما يتعلق بموقف إيران من الأزمة التي تصاعدت حدتها بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية حول شراء الأولى أنظمة صواريخ "إس 400" الروسية خاصة بعد أن فرضت الأخيرة عقوبات على الأولى بسبب ذلك. 

إذ كان لافتاً أن جواد ظريف حرص خلال لقاهء تشاويش أوغلو على تأكيد رفض إيران لتلك العقوبات، حيث قال في هذا السياق: "لقد شجبنا بصدق العقوبات الأمريكية على تركيا ولا نرى لها أى قيمة.. من المؤسف أن الإدارة الأمريكية أدمنت العقوبات.. السياسة الأمريكية ستلحق الضرر بالعالم كله وبأمريكا نفسها". وهنا، فإن ظريف ربما تعمد الإشارة إلى موقف طهران من العقوبات الأمريكية ضد تركيا ليس فقط لتأكيد "أن الدولتين وقفتا دائماً إلى جانب بعضهما" كما جاء في تصريحاته خلال المؤتمر الصحفي باسطنبول، وإنما للرد على التصريحات التي أدلى بها مستشار الأمن القومي الأمريكي جايك سوليفان، في اليوم نفسه، وقال فيها أن "تركيا مصدر قلق لنا وللأوروبيين". 

هنا، يمكن القول إن إيران وتركيا تسعيان إلى استثمار العلاقات الثنائية المتطورة بينهما لمساومة الإدارة الأمريكية. إذ تدرك طهران أن الخلافات مع الأخيرة ليس ثانوية ولا يمكن تسويتها بسهولة وربما تكون احتمالات إخفاق أية تفاهمات محتملة معها مساوية لاحتمالات نجاحها إن لم تكن تفوقها. ومن هنا، فإنها تسعى إلى التلويح بأن فشل التفاهمات ومواصلة التصعيد سوف يدفعها إلى تطوير علاقاتها مع تركيا، سواء لتبني سياسة مشتركة في ملفات خلافية عديدة مع واشنطن أو لتعزيز قدرتها على الالتفاف على العقوبات الأمريكية المتوقع استمرارها في هذه الحالة، في ضوء الدور البارز الذي قامت به تركيا في هذا السياق خلال المرحلة الماضية.

وبدورها، فإن تركيا تتحسب لتصاعد حدة خلافاتها مع الإدارة الأمريكية سواء بسبب ملفات حقوق الإنسان أو تدخلاتها في الأزمات الإقليمية المختلفة، على غرار الأزمة الليبية، حيث طالبت الولايات المتحدة الأمريكية، في 29 يناير الفائت، كلاً من تركيا وروسيا بسحب قواتهما من ليبيا بما يشمل القوات العسكرية والمرتزقة، ومن ثم فإنها تسعى إلى استغلال علاقاتها مع إيران لتأكيد أن استمرار هذا التصعيد معناه المباشر اتجاهها إلى توسيع نطاق تعاونها مع إيران ودفع الأخيرة إلى تحدي العقوبات الأمريكية وعدم الاستجابة للضغوط المفروضة عليها لتقديم تنازلات في الملفات الخلافية المختلفة.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن استمرار التنسيق سوف يبقى عنواناً رئيسياً للعلاقات بين تركيا وإيران خلال المرحلة القادمة، لاسيما لمواجهة أية ضغوط محتملة قد تفرضها التغييرات الملحوظة في السياسة الأمريكية تجاههما.