أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ارتدادات عكسية:

كيف يؤثر التصعيد مع واشنطن على إصلاحيي إيران؟

26 أكتوبر، 2017


لم تعد إيران تفصل بين أزماتها الخارجية وتحولات توازناتها الداخلية، في مؤشر يكشف عن قوة الضغوط التي باتت تتعرض لها بسبب سياستها الخارجية، التي ساهمت في تأجيج خلافاتها مع دول المنطقة بسبب تدخلاتها المستمرة في شئونها ودورها في تعزيز الفوضى وعدم الاستقرار في دول الأزمات، ودعمت من احتمالات نشوب مواجهة عسكرية جديدة في المنطقة، في ظل فشلها في إثبات قدرتها على التحول إلى طرف يستطيع الانخراط في التزامات دولية صارمة، على غرار الاتفاق النووي، الذي تتعمد الالتفاف على بعض بنوده الرئيسية، خاصة فيما يتعلق بتطوير برنامجها للصواريخ الباليستية.

ويبدو أن ذلك بدأ يدفع النظام الإيراني إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات القمعية تجاه قوى المعارضة السياسية والقوميات العرقية والأقليات المذهبية التي تدعو إلى تفعيل بنود الدستور المعطلة الخاصة بمنحها حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

اهتمام دولي:

ومن دون شك، فإن إصرار النظام الإيراني على الربط بين الضغوط الخارجية التي يتعرض لها والتوازنات السياسية في الداخل، يعود، في قسم منه، إلى تزايد الاهتمام الدولي بالأزمات الداخلية في إيران، خاصة فيما يتعلق بتهميش القوميات العرقية والأقليات المذهبية وقمع المعارضة السياسية.

 هذا الاهتمام الدولي بدا جليًا في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 13 أكتوبر الجاري، ووجه فيه انتقادات غير مسبوقة لإيران. لكن أهم ما يمكن استخلاصه من هذه الانتقادات، أنه حرص على وصف النظام الإيراني بـ"نظام الملالي"، وهى إشارة سعى من خلالها الرئيس ترامب إلى تأكيد استبعاده للسياسة التي تبنتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وقامت على عدم التلويح بملف "شرعية النظام" في علاقاتها مع إيران، بشكل كان له دور في تمهيد المجال أمام إجراء مفاوضات سرية تحولت إلى علنية بعد ذلك وانتهت بالوصول إلى الاتفاق النووي.

كما أن ترامب كان حريصًا أيضًا على التركيز على السياسة القمعية التي تتبناها السلطات الإيرانية تجاه المعارضة السياسية، على غرار ما يسمى بـ"الحركة الخضراء" التي ظهرت في منتصف عام 2009 للاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في تلك الفترة وأسفرت عن فوز الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية.

وقد توازى ذلك مع تنديد بعض المسئولين الأمريكيين، على غرار المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي بالأوضاع المتردية للقوميات العرقية والأقليات المذهبية بسبب الإجراءات التي تتخذها السلطات الإيرانية.

إجراءات تصعيدية:

وعلى ضوء ذلك، اتجه النظام الإيراني إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية ضد بعض الشخصيات القيادية في المعارضة السياسية بالتوازي مع السياسات التي يتبعها في مناطق القوميات العرقية والأقليات المذهبية.

ففي هذا السياق، أشارت تقارير عديدة إلى فرض قيود شديدة على تحركات الرئيس الأسبق محمد خاتمي، الذي ما زال يواجه انتقادات قوية من جانب تيار المحافظين الأصوليين بسبب دعمه لمطالب "الحركة الخضراء" وقيادته لما يسمى في إيران بـ"تيار الفتنة"، لدرجة تقترب من مستوى الإقامة الجبرية، التي يخضع لها بشكل رسمي قادة تلك الحركة مير حسين موسوي آخر رئيس وزراء لإيران قبل إلغاء المنصب في عام 1989، ومهدي كروبي رئيس مجلس الشورى الأسبق.

ورغم أن المتحدث باسم السلطة القضائية محسني آجئي نفى أن تكون الأخيرة قد أصدرت قرارات جديدة ضد خاتمي، إلا أن ذلك لم يمنع بعض نواب مجلس الشورى الذي ينتمون لتيار المعتدلين من تقديم بيان احتجاجي أشاروا فيه إلى القيود الجديدة التي بات يتعرض لها الرئيس الأسبق.

وبالتوازي مع ذلك، أصدرت محكمة إيرانية حكمًا بالسجن لعام واحد والمنع من ممارسة أى نشاط سياسي أو إعلامي لمدة عامين بحق سبعة من الشخصيات القيادية في تيار الإصلاحيين بتهمة الدعايا ضد النظام، وكان في مقدمتهم محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس الأسبق خاتمي، وأحد أبرز كوادر حزب "جبهة المشاركة الإسلامية" المحسوب على الجناح الليبرالي من التيار الإصلاحي والذي تم حله بسبب دعمه لـ"الحركة الخضراء". وقبل ذلك اعتقلت السلطات الإيرانية، في 16 يوليو 2017، حسن فريدون شقيق الرئيس حسن روحاني ومستشاره، بتهمة ارتكابه جنح مالية.

أهداف متعددة:

يسعى النظام الإيراني من خلال إصراره على الربط بين الضغوط الخارجية والتوازنات السياسية الداخلية، إلى تحقيق هدفين رئيسيين: يتمثل أولهما، في تضييق حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمام الرئيس روحاني، وإحراجه أمام القاعدة الشعبية المؤيدة له، من خلال وضع عقبات أمام قدرته على تنفيذ وعوده الانتخابية.

وهنا، كان لافتًا أن هذه السياسة تسببت في تصاعد حدة الضغوط الداخلية التي يتعرض لها الرئيس روحاني حتى من جانب أنصاره، الذين وجهوا له انتقادات حادة واتهموه بالاستجابة لسياسات المحافظين المتشددين، مستندين في هذا السياق إلى عزوفه عن تعيين نساء في تشكيلته الحكومية الجديدة التي قدمها إلى مجلس الشورى الإسلامي في 8 أغسطس 2017، حيث استعاض عن ذلك باختيار ثلاثة نساء كنائبتين ومستشارة له.

وقد تزامن ذلك مع اتساع نطاق الانتقادات التي يواجهها الرئيس روحاني بسبب سياساته الداخلية والخارجية، وكان آخرها الانتقادات التي جاءت على لسان رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، في 9 أكتوبر الجاري، والتي رد فيها على تصريحات الرئيس روحاني التي قال فيها أن "بعض الجهات التي تقوم بمهمة التحقيق وإصدار أوامر الاعتقال عاطلة"، في إشارة إلى اعتقال شقيقه حسين فريدون.

 إذ وجه لاريجاني حديثه للرئيس بقوله: "إذا كان هناك عاطل فهو أنت، الذي ترك البلاد وشأنها أربعة أعوام وسعى وراء الاتفاق النووي كأنه لا توجد أعمال ومشكلات أخرى في البلاد"، في إشارة إلى أن المحافظين الأصوليين باتوا يعتبرون أن الاتفاق النووي تحول، بعد التصعيد بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، من فرصة لتعزيز نفوذ المعتدلين إلى تهديد للمكاسب السياسية التي حققوها في العامين الأخيرين.

وينصرف ثانيهما، إلى محاولة النظام توجيه رسالة قوية إلى الخارج، وتحديدًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تفيد أن التعويل على قوى المعارضة في إجراء تغيير سياسي داخل إيران يواجه عقبات عديدة، يأتي في مقدمتها القيود الشديدة التي تتعرض لها الأخيرة من جانب النظام، بشكل يخصم من قدرتها على التحول إلى مصدر تهديد حقيقي له، في حالة ما إذا كان لديها استعداد للتوافق مع الدعوات الخارجية لتغيير النظام، والتي عبر عنها مسئولون أمريكيون حاليون وسابقون، كان آخرهم رئيس مجلس النواب الأمريكي نيوت غينغريتش، الذي رجح، في 20 أكتوبر الجاري، احتمال تغيير النظام الإيراني في غضون عشرة أعوام من خلال تنفيذ الاستراتيجية الجديدة التي تبنتها إدارة الرئيس دونالد ترامب.

ومع ذلك، يمكن القول إن تعويل النظام على محدودية الخيارات والآليات المتاحة لدى المعارضة لممارسة ضغوط قوية عليه أو التحول إلى مصدر تهديد لشرعيته، تواجه عقبات عديدة، يأتي على رأسها عدم قدرة النظام على استيعاب مطالبها فضلاً عن إمعانه في اتباع سياسة قمعية للتعامل معها، بالتوازي مع تصاعد حدة التوتر في علاقاته مع القوميات العرقية والأقليات المذهبية المختلفة، بشكل سوف يفرض، في الغالب، تحديات حقيقية له خلال المرحلة القادمة.