أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الاصطياف الحلال:

لماذا تنتشر "شواطئ الحشمة" في دول الإقليم؟

23 يوليو، 2017


تنتشر مساحات شاطئية خاصة أو منعزلة في بعض دول الشرق الأوسط، تقتصر على ارتداء أزياء إسلامية خاصة للباس البحر (ذا الرقبة العالية والأكمام الطويلة، بألوان مختلفة وتصاميم مبتكرة، وهى فضفاضة ومصنوعة من مادة لا تلتصق بالأجساد بحيث تُؤمِّن حرية الحركة ولا تبرز مفاتن المرأة) من جانب أفراد العائلات ذات التوجهات المحافظة، التي لا تفضل ارتياد الشواطئ المختلطة، بغرض الاستجمام والاستمتاع بالبحر، وهو ما اتسع نطاقه في الأعوام القليلة الماضية، لعدة أسباب منها تزايد مطالبات التيارات السياسية والمجتمعية المحافظة بالخصوصية، وصعود التيارات الإسلامية إلى السلطة، وتبلور اقتصاديات السياحة الحلال، ونجاح قطاع الخدمات المالية الإسلامية وصناعة المواد الغذائية الحلال للمجتمعات الإسلامية، وتجنب حالات التحرش بالنساء.

لا توجد مصادر علمية موثقة تشير إلى إحصائيات محددة تعبر عن عدد الشواطئ الخاصة في هذه الدولة أو تلك في الإقليم، لكن ذلك لا ينفي أن ثمة تزايدًا في أنشطة الشركات السياحية العاملة في قطاع السياحة الحلال الذي يعتمد على الأحكام الرئيسية في الشريعة الإسلامية مثل تحريم تناول المشروبات الكحولية والحرص على تقديم اللحوم والدواجن المذبوحة وفق الشريعة الإسلامية وتوفير مساجد للمصلين. 

وقد تعددت التفسيرات بشأن انتشار مثل هذه الشواطئ في دول الإقليم، على مدار العام، وإن تبدو واضحة في فصل الصيف تحديدًا، على نحو ما تعكسه النقاط التالية:

أسلمة السياحة:

1- تزايد مطالبات التيارات المجتمعية والسياسية المحافظة بالخصوصية: ترغب قطاعات مجتمعية في هذه الدولة أو تلك في الاستحواذ على مساحات محددة من الفضاء العام لممارسة حرياتها في الاستمتاع بالبحر. إذ يشهد موسم الاصطياف في الجزائر توافد عائلات تتخذ شواطئ منعزلة موطنًا لإقامتها، وهو ما يطلق عليه الجزائريون مسميات مختلفة منها "شواطئ الملتزمين" و"شواطئ الإخوة" و"الشواطئ الإسلامية" و"الشواطئ السلفية" نظرًا لأن جمهورها الأساسي هم الأشخاص الملتحين والنساء المنقبات والفتيات المحجبات الذين يفضلون تفادي مشاهدة العرى في الشواطئ العامة، الأمر الذي يعكس انتشار الأفكار الرافضة لمظاهر الاختلاط في هذه الأماكن.

ففي صيف عام 2014، بادرت مجموعة من شباب الأحياء الشعبية الساحلية بالعاصمة الجزائر بتشكيل لجان فرض "الاحتشام" في الشواطئ بالتعاون مع لجان شكلها أئمة المساجد الذين بادروا إلى تنظيم حملة أطلقوا عليها شعار "شواطئ إسلامية بقيم جزائرية"، على نحو يؤدي إلى فصل أو تجزئة المجال أو الفضاء العام حسب أنساق دينية مختلفة. 

وقد طُبق هذا السلوك في المغرب لفترة من الوقت ثم حظرته الحكومة، ووفقًا لما أكده فتح الله أرسلان، الناطق باسم جماعة "العدل والإحسان" في المغرب في تصريحات لقناة العربية بتاريخ 21 يوليو 2009 "كانت لجماعته السبق في عامى 1998 و1999 في تنظيم شواطئ بديلة لما هى عليه حاليًا، حيث دأب حينها المصطافون في هذه الشواطئ على الصلاة جماعة".

وأشار إلى أن "المخيمات الصيفية الستة كانت آنذاك تتسم بتقسيمها إلى أماكن بعضها خاص بالأسر، وبعضها خاص بالعزاب، وفضاءات خاصة لسباحة النساء". مضيفًا: "إنها كانت تجربة ناجحة حيث شهدت إقبالا منقطع النظير تضمن حوالي 120 ألف مصطاف، مما يبرز رغبة المغاربة في الاصطياف والترفيه لكن بشروط شرعية تقتضي الحشمة وعدم الاختلاط". غير أن السلطات الرسمية المغربية، وفقًا له، منعت هذه المخيمات في عام 2000 بدعوى أنها ممارسة فئوية تثير بذور الانقسام في المجتمع المغربي. 

الحكومات الملتحية:

2- صعود التيارات الإسلامية إلى السلطة: تزايد ظهور مصطلح السياحة الحلال في دولة مثل مصر مع صعود تيار الإسلام السياسي إلى الحكم في منتصف عام 2012. وفي هذا السياق، أنشأ رجلا أعمال من جماعة "الإخوان" أول شركة سياحية تعمل وفقًا للشريعة الإسلامية، مخصصة للملتحين والمنقبات، وأطلق على هذه الشركة اسم "شوق للسياحة الإسلامية" وطرحت شعارات مثل "سنحيا ولا نغضب ربنا" و"نحن نقدم لك السياحة الشاطئية والثقافية والترفيهية والصحراوية بمفهوم جديد".

وقد جاء إنشاء تلك الشركة بعد أيام قليلة من الإعلان عن إطلاق بث قناة "ماريا" الخاصة بالمنقبات، فضلا عن سيل من القنوات الإسلامية. وكانت شركة "شوق" تعمل تحت شعار "رحلات ترفيهية بضوابط شرعية"، وتدلل لزبائنها على هذه الضوابط من خلال عدة بنود، إذ أنها تؤجر الفندق أو القرية السياحية بالكامل لصالح عملائها كى تضمن لهم حرية الحركة، وعدم التقيد بسبب وجود نزلاء أجانب أو مصريين غير ملتزمين، مثل ارتداء الملابس الخاصة بارتياد الشواطئ وحمامات السباحة والنوادي الصحية. كما تتحكم الشركة في توقيتات الدخول إلى هذه الأماكن، وتعمل على التفريق بين الرجال والنساء في أماكنها السياحية من خلال تخصيص وقت محدد لكل منهما على حدة.  

كما انتشرت في تونس - في مرحلة ما بعد ثورة الياسمين وتنامي تأثير حركة "النهضة" والتيارات السلفية- فنادق شرعية، تستقبل المحجبات والمنقبات والعائلات المتدينة، ولا توزع الخمور، وتمنع الاختلاط بين الجنسين، وتنظم سهرات دينية، وتخصص فضاءات لأداء الصلاة. وفي رؤية بعض المؤيدين لتلك الظاهرة، لا تكتمل أركان هذا النمط من السياحة إلا بوجود مايوه البحر الشرعي، الذي تزايد ارتداءه على شواطئ تونس وسط معارضة من منظمات مناصرة حقوق المرأة، حيث تشير بعض التغريدات والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن "السياحة الشرعية وباء ينتهك مدنية تونس وأمنها".

فضلا عن ذلك، دعا بعض المنتمين لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم في المغرب، في أكثر من مرة، إلى توفير شواطئ لا تمتلئ بالعرى والمظاهر المشينة بما يتيح إمكانية سباحة المرأة كما تريد ودون الشعور بالحرج. كما يرى حزب "الشعب الجمهوري"، أحد أبرز قوى المعارضة في تركيا، أن زيادة الاتجاه نحو الشواطئ المعزولة والفنادق الحلال ليس أمرًا يتعلق بالأعمال التجارية فحسب، بل جزءًا من المساعي الرامية إلى جعل البلاد أكثر إسلامية، وهو ما يتعارض مع العلمانية الحاكمة للدولة التركية.

صناعة واعدة:

3- تبلور اقتصاديات السياحة الحلال: تصاعد في السنوات الأخيرة هذا النوع من السياحة الذي يلبي احتياجات المسلمين، وخاصة من الشرق الأوسط وآسيا، مثل توافر الأطعمة والمشروبات الحلال، وأماكن الوضوء والصلاة، فضلا عن أحواض السباحة المنفصلة للرجال والنساء، مرورًا بمنع المظاهر التي تعتبر غير مقبولة في المجتمعات العربية والإسلامية. 

ووفقًا لتقرير "المؤشر العالمي للسياحة الإسلامية" لعام 2017 الصادر عن شركة "ماستر كارد" و"كريسنت ريتنغ"، فقد احتلت ثلاث دول شرق أوسطية مكانة متميزة كواجهات للسياحة الحلال، إذ حلت دولة الإمارات في المرتبة الثانية بعد ماليزيا، واحتلت تركيا المرتبة الرابعة بعد إندونيسيا، فيما حلت السعودية في المرتبة الخامسة من إجمالي 130 دولة حول العالم، استنادًا إلى أربعة معايير تشمل حجم السياحة الإسلامية التي تستقبلها، وجودة أنظمتها البيئية الحلال، وحملات التوعية، وحجم مساهمة القطاع في التوظيف.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدول الإسلامية ليست الوحيدة التي تتطلع لزيادة حصتها من سوق السياحة الحلال المتنامي، إذ تركز دول أوروبية وآسيوية على تفعيل قطاع السياحة الحلال فيها لجذب المزيد من السياح القادمين من دول إسلامية. وتتمثل تلك الدول في سنغافورة وتايلاند وتايوان وهونج كونج والولايات المتحدة وبريطانيا وبلجيكا وفرنسا وأسبانيا وجنوب إفريقيا، إذ أن هناك تقديرات تشير إلى أن سوق السياحة الحلال تشكل 13% من إجمالي سوق السياحة العالمي.

كما شهدت العاصمة الإماراتية أبوظبي، في منتصف أكتوبر 2015، انعقاد أول قمة عالمية للسياحة، وتركزت فعاليات القمة في النهوض بالسياحة بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي وكيفية تعزيز التعاون فيما يخص النهوض بقطاع السياحة الحلال وفرص نموه عالميًا، إضافة إلى الاستثمار في تطوير المنتجعات والفنادق الحلال، بخلاف كيفية تلبية احتياجات هذا السوق وجعله مستدامًا على المدى الطويل. ويقدم موقع "حلال بوكينج" Halalbooking.Com مراعاة لإدارة شركات السياحة الكبيرة الرحلات السياحية التي تلبي احتياجات المسلمين.

الفندقة الحلال:

4- نجاح قطاع الخدمات المالية الإسلامية وصناعة المواد الغذائية الحلال للمجتمعات الإسلامية: قررت بعض الفنادق في الدول العربية والإسلامية خصوصًا خوض تجربة "الفندقة الحلال" أو السياحة الحلال التي تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، لا سيما بعد نجاح المصارف الإسلامية والمواد الغذائية الحلال، وهو ما يمكن أن يمتد – وفقَا لنظرية النفاذية أو أثر الانتشار- إلى الفندقة الحلال (من فنادق ومطاعم ومراكز تجارية وأماكن ترفيهية) التي يمكن أن توفر أرباحًا متزايدة للدول التي تستثمر فيها. 

وقد يقدم عدد كبير من الفنادق ما يعرف بـ"العطلات الحلال" على الشواطئ بما يتفق مع مبادئ شهادة اتحاد الحلال العالمية في ماليزيا. كما تزايد استيراد وكالات السياحة وأصحاب الفنادق العالمية للمايوهات الشرعية القادمة من الصين وتركيا ولبنان والتي تنافس المايوهات التقليدية بسبب رخص أثمانها وتنوع موديلاتها وألوانها ومقاساتها، على نحو يعكس ازدياد الطلب على شرائها للمرأة المنقبة أو المحجبة لممارسة رياضة السباحة في الشواطئ النسائية المخصصة لهن.

التحرش الجنسي:

5- تجنب حالات التحرش الجنسي بالنساء: إذ ترى اتجاهات عديدة أن ارتداء أزياء البحر التقليدية يؤدي إلى ازدياد حالات التحرش الجنسي بالفتيات والنساء. وقد تتجه النساء وخاصة المحجبات إلى حجز شواطئ لمدة محددة وبأسعار باهظة في الفنادق والمنتجعات لممارسة رياضة السباحة في إطار من الخصوصية. 

وفي هذا السياق، قال الشيخ عبدالباري الزمزي، عضو اتحاد علماء المسلمين ورئيس الجمعية المغربية لفقه النوازل في تصريحات لقناة "العربية" بتاريخ 27 يونيو 2012 أنه "يجوز للفتيات والنساء شراء ملابس البحر التي تسمى إسلامية لأنها تغطي الجسد ولا تكشفه"، مضيفًا: "إنه لباس شرعي يَفضُل في كل حال بكثير اللباس العاري الذي تظهر به العديد من النساء على الشواطئ".

حيز خاص:

خلاصة القول، إن ثمة عوامل عدة سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية تفسر انتشار شواطئ الحشمة في دول الإقليم، وهى الظاهرة الآخذة في الاتساع خلال مواسم الاصطياف، التي تعبر عن تنامي التيارات المحافظة في المجتمعات، سواء كانت قوى سياسية أو مجتمعية، التي تحاول وضع حد للتطاول على المنظومة الأخلاقية، وصعود نمط "السياحة الحلال" الإسلامية المحققة لأرباح مالية كبيرة، وتزايد اقتصاديات الأزياء المتعلقة بالسباحة النسائية، وتفادى تعرض الفتيات النساء للمضايقات، وهى دوافع تتفاعل فيما بينها لتحويل مساحات من الحيز العام إلى حيز خاص، يتجنب ارتداء المايوهات التقليدية على الشواطئ العربية والإسلامية وليس على الشواطئ الغربية هذه المرة.