أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

سياسات قاصرة:

تقييم فاعلية الإجراءات الأوروبية لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم

22 أبريل، 2022


يتزايد القلق الأوروبي من استمرار تصاعد الضغوط التضخمية بمنطقة اليورو نتيجة التداعيات السلبية التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصادات العالمية والأوروبية، فضلاً عن التأثيرات السلبية السابقة لجائحة كورونا. 

وشهدت منطقة اليورو، على وجه خاص، ارتفاعاً قياسياً في معدل التضخم منذ بداية الأزمة مدفوعاً بارتفاع أسعار الطاقة، والمواد الغذائية، فضلاً عن الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية. ومن المرشح استمرار تصاعد التضخم ليصل إلى ما متوسطه 5% خلال العام الجاري، على أن تنخفض تدريجياً تلك الضغوط خلال العامين المقبلين، كما هو متوقع. 

وتحاول الحكومات الأوروبية امتصاص تأثير التضخم على الأفراد والشركات من خلال تقديم الإعانات والدعم المباشر للأسر، فضلاً عن إقرار بعض التخفيضات الضريبية على السلع الرئيسية، خاصة الوقود.

ارتفاع قياسي:

بشكل عام، كانت معدلات التضخم في الدول الأوروبية آخذة في الارتفاع منذ بداية عام 2021، بتأثير من اضطراب سلاسل التوريد العالمية وارتفاع تكاليف الشحن البحري بفعل جائحة كورونا.  وفاقم الأمر نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير، إذ تسببت في رفع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، فوفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الأوروبي "يورو ستات" سجل معدل التضخم في منطقة اليورو 7.5% في مارس 2022، مقارنة بحوالي 5.9% في فبراير 2022 وهو مستوى قياسي لم يُسجل منذ بدء تجميع البيانات الاقتصادية فى منطقة اليورو. 

وفي السياق ذاته، سجل معدل التضخم في أكبر الاقتصادات الأوروبية ارتفاعاً قياسياً خلال مارس 2022، حيث سجل نحو 7.6% في ألمانيا، وهي أعلى قراءة منذ عام 1981، و5.1% في فرنسا. وبالمقارنة مع دول منطقة اليورو، فقد سجلت ليتوانيا وإستونيا أعلى معدلات تضخم خلال شهر مارس 2022، بنسبة 15.6%، و14.8% على التوالي.

أسباب مختلفة:

يأتي ارتفاع التضخم بمنطقة اليورو مدفوعاً في المقام الأول بارتفاع أسعار الطاقة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، هذا إلى جانب الاضطرابات في سلاسل التوريد، وهو ما يُمكن إيضاحه على النحو التالي:

1- ارتفاع أسعار الطاقة: زادت أسعار الوقود بشكل قياسي في منطقة اليورو في مارس الماضي وبنسبة 44.7%، وفقاً لمكتب الإحصاء الأوروبي "يوروستات"، وذلك في ظل تداول النفط عند مستويات تخطت 100 دولار للبرميل خلال شهر مارس 2022، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، خاصة بعد قرار روسيا بشأن تسلم مدفوعات الغاز الطبيعي من الدول غير الصديقة، وتحديداً الدول الأوروبية، بالروبل الروسي. 

ومن المعلوم أن ارتفاع تكاليف الطاقة ينعكس على كافة أسعار السلع الأخرى، كالمواد الغذائية والسلع الصناعية؛ نظراً لأن الوقود مُدخل رئيسي في عمليات الإنتاج والتوزيع. 

2- زيادة أسعار المواد الغذائية: صعدت أسعار الغذاء والكحول والتبغ بمنطقة اليوور بنسبة 5% في مارس 2022، نتيجة ارتفاع تكاليف الطاقة، وزيادة تكاليف عمليات إنتاج بعض المواد الغذائية، فضلاً عن ضيق المعروض العالمي من الحبوب، بالإضافة إلى الزيادة في أسعار الأسمدة. 

وتشير تقديرات بعض المحللين إلى أن تضخم أسعار المواد الغذائية سيظل مرتفعاً طوال عام 2022، كما يتوقع البنك المركزي الأوروبي حدوث المزيد من الضغط على أسعار بعض المواد الغذائية والسلع نتيجة للحرب في أوكرانيا. 

3- اضطرابات سلاسل التوريد: تضيف الحرب في أوكرانيا وعمليات الإغلاق في الصين بسبب جائحة كورونا مزيداً من الضغوط على سلاسل التوريد العالمية، مما قد يبقي الضغط على أسعار السلع الاستهلاكية في الأشهر المقبلة، خاصة في ظل نقص حاويات الشحن، والذي أدى إلى جعل عملية نقل البضائع أكثر صعوبة وأكثر تكلفة. وتزيد تلك الاعتبارات من احتمالات قيام الشركات بنقل هذه التكاليف إلى عملائها من خلال رفع الأسعار.  

السيناريوهات المتوقعة:

من المرشح استمرار ارتفاع معدلات التضخم بمنطقة اليورو خلال العام الجاري، على أن تتراجع مرة أخرى خلال السنوات القادمة، وذلك في ضوء ما يلي:

1- رؤية تشاؤمية: يرى البنك المركزي الأوروبي أن التضخم سيبقى مرتفعاً في الفترة القادمة، ولن يعود إلى مستوياته المنخفضة التي كان يسجلها قبل تفشي الجائحة. 

وعلى هذا النحو، تشير كريستين لاجارد، مديرة البنك، إلى أن الحرب في أوكرانيا تهدد بتسارع معدل التضخم القياسي بشكل أكبر. 

ويعتبر المسؤولون الأوروبيون، ومن بينهم وزير المالية الفرنسي، برونو لو مير، أن الصدمة التي أحدثتها أسعار الطاقة الحالية، ستؤدي لاستمرار ارتفاع معدلات التضخم لعدة أشهر أخرى.

2- تجاوز التضخم الـ 5%: رفعت العديد من المؤسسات من توقعاتها لمعدلات التضخم في أوروبا خلال العام الجاري؛ نتيجة لتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، على أن تتراجع خلال عامي 2023 و2024. 

ويتوقع البنك المركزي الأوروبي أن يظل التضخم مرتفعاً في منطقة اليورو خلال الأشهر القليلة المقبلة، مسجلاً 5.1% في المتوسط عام 2022 على أن يتراجع ليصل إلى 2.1% في عام 2023 و1.9% في عام 2024.

وعلى المنوال نفسه، يتوقع المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية البريطاني أن يصل التضخم في منطقة اليورو إلى 5.5% في عام 2022 و2.1% في عام 2023، ارتفاعاً من التوقعات السابقة البالغة 3.1% و1.3% على التوالي.

آليات مواجهة التضخم:

تبنت حكومات منطقة اليورو عدة إجراءات للحد من تداعيات التضخم على اقتصاداتها. ومن المتوقع أن يقوم البنك المركزي الأوروبي باتخاذ قرار برفع سعر الفائدة خلال العام الجاري، فيما تسعى بعض الدول الأوروبية لخفض التأثيرات السلبية لارتفاع الأسعار على المستهلكين من خلال تقديم الإعانات المالية للأسر، وذلك كما يلي:

1- رفع مرتقب في أسعار الفائدة: لم يلجأ البنك المركزي الأوروبي، حتى الآن، إلى خيار رفع سعر الفائدة القياسي لاحتواء التضخم. وخلال اجتماعه الأخير أبقى البنك على أسعار الفائدة عند معدلاتها الصفرية، لكنه أجرى تحولاً طفيفاً مع قراره بإنهاء برنامج شراء الأصول بداية الربع الثالث من عام 2022. وألمحت أيضاً رئيسة البنك كريستين لاجارد مؤخراً أن البنك قد يكون بصدد رفع سعر الفائدة قبل نهاية العام الجاري.

وحول مدى فاعلية رفع أسعار الفائدة، تشير التقديرات إلى أن الأداة لن تكون فاعلة بشكل كافٍ لمواجهة التضخم  في أوروبا؛ لأنها لا يمكنه، على أية حال، معالجة صدمة العرض، أي ارتفاع أسعار الطاقة، والتي تعتبر السبب الرئيس في ارتفاع التضخم، بل أن رفع الفائدة قد يؤثر سلباً على تعافي الاقتصادات الأوروبية ومعدلات النمو والتوظيف، حيث يؤدي إلى جعل الاقتراض أكثر تكلفة، ومن ثم يؤثر سلباً على الاستثمار.

2- تقديم الدعم للأسر: أعلنت حكومات منطقة اليورو عن اتهاذ تدابير سريع بتقديم إعانات مالية للأسر والأفراد، وأقرت فرنسا حزمة من المساعدات الطارئة للأسر والشركات بقيمة 2.2 مليار يورو. 

كما وفرت الحكومة الهولندية 150 مليون يورو لدعم الأسر الضعيفة في مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة. وتستعد ألمانيا لتقديم حزمة مساعدات للشركات، هي الأكبر بالمنطقة وبقيمة 100 مليار يورو، لاحتواء تداعيات الحرب الأوكرانية على اقتصادها.

3- خفض الضرائب: اتخذت بعض الحكومات الأوروبية قراراً بخفض ضريبة القيمة المُضافة على الكهرباء قبل الحرب الأوكرانية وبعدها، ومنها بلجيكا (من 21% إلى 6%)، وهولندا (من 22% إلى 9%) وقبرص (من 19% إلى 5%)، كما خفضت فرنسا ضريبة الكهرباء من 22.50 يورو لكل ميجاوات/ ساعة إلى 1 يورو للأسر و50 سنتاً للشركات. فيما قدمت إيطاليا تخفيضات ضريبية للشركات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وأعلنت النسما عن بعض التخفيضات الضريبية، في محاولة لتخفيف عبء ارتفاع التكاليف على الشركات. 

وفي الختام، يمكن القول إن ارتفاع التضخم في منطقة اليورو نتيجة الحرب الأوكرانية يفرض تداعيات سلبية على اقتصاداتها، حيث ستضغط بلا شك على دخول الأفراد وهوامش أرباح الشركات، مما سيضعف معدل النمو الاقتصادي للمنطقة. وعلى الرغم من التخفيضات الضريبية والإعانات التي قدتمها الدول الأوروبية، إلا أن هذه الإجراءات لم توفر سوى دعم هامشي لتخفيف تداعيات ارتفاع الأسعار على الأسر والشركات على حد سواء.