أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

صعود "الكاميكازي":

هل تغير الدرونز الأمريكية قواعد الحرب في أوكرانيا؟

03 أبريل، 2022


تحاول الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون دعم أوكرانيا على النحو الذي يبرهنون به للقادة الروس أنهم قادرون على إبقاء الجيش الأوكراني صامداً في ميدان المعركة لفترة أطول بكثير مما تخيلته موسكو. وتتلخص هذه الاستراتيجية ببساطة في أنه كلما طالت مدة مقاومة أوكرانيا، زاد تأثير العقوبات على الاقتصاد الروسي، وكلما زادت هذه الاحتمالية، سيدفع ذلك الرئيس بوتين نحو السعي إلى التفاوض للوصول إلى تسوية حسبما يظنون. علاوة على ذلك، فإن المقاومة الأوكرانية القوية ستزيد من قدرة كييف على المساومة في أي مفاوضات مستقبلية، كما ستقلل من اضطرارهم لتقديم تنازلات كبيرة مقابل وقف إطلاق النار. ولتحقيق هذه الأهداف، يسعى القادة الغربيون خلف خيارات تهدف إلى تمكين القوات المسلحة الأوكرانية من خلال توسيع وسائل المقاومة. ويعد إرسال الأسلحة وغيرها من العتاد الحربي إلى أوكرانيا بمنزلة خط رئيسي في هذه الاستراتيجية.

وتتدفق الأسلحة إلى أوكرانيا، ومنها الصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطائرات والتي تشتد حاجة أوكرانيا إليها. أضف إلى ذلك القذائف المحمولة على الكتف، وهي أسلحة ذات أهمية كبرى، خاصةً لإحباط الهجمات الجوية الآلية، لا سيما عندما يفقد الجيش قدرات دفاعه الجوي التقليدية. وما يلفت النظر في الحزمة الأخيرة من المعدات العسكرية التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا بقيمة 800 مليون دولار، والتي أعلن عنها البيت الأبيض مؤخراً، هو تضمنها مئة من الطائرات المسيّرة (الدرونز) من طراز كاميكازي، أو الطائرات الانتحارية، حيث تحمل رأسا حربيا وتنفجر عند الاصطدام بالهدف. ويتم إطلاق هذه النوعية من الدرونز من أنابيب في الأرض، وتكون محملة بالمتفجرات لتحلّق فوق القوات الروسية وتُوجّه لتسقط على الأهداف مباشرةً. وتنقل هذه الدرونز هجمات القوات الأوكرانية إلى مستوى جديد، بعد أن استفادت بالفعل من استخدام الدرونز في المراحل الأولى من الحرب.

تراجع فاعلية درونز TB2 

في الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب، كانت الدرونز القتالية التركية  بيرقدار TB2هي واحدة من الأسلحة القليلة التي مكّنت أوكرانيا من مهاجمة القوات البرية الروسية من الجو. ولقد حققت الدرونز كذلك نجاحاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، فمقاطع الفيديو المصورة من الجو، والتي سجلت تدمير مقاتلات TB2 للمدرعات الروسية، صارت أداة مهمة من أدوات حرب المعلومات في أوكرانيا. ولقد تجلّى أثر هذه المقاطع على المعنويات الأوكرانية، لدرجة أن لحناً موسيقياً أوكرانياً، لا يُعرف أصله، أسموه "بيرقدار"، وعلق بالأسماع وانتشر انتشاراً واسعاً في البلاد.

تحمل درونز بيرقدار TB2 قنابل خفيفة الوزن وموجهة بالليزر، وتتفوق في الصراعات منخفضة التقنية، لا سيما في عمليات مكافحة التمرد ضد أطراف أضعف، ويكمن سر جاذبيتها إلى حد كبير في انخفاض تكلفتها نسبياً وسهولة استخدامها. ولقد باعت تركيا هذه الدرونز إلى أكثر من 12 دولة، منها أذربيجان وليبيا والمغرب وإثيوبيا، ولا تزال هناك عقود أكثر قيد التوقيع مع أطراف أخرى، منها دول حلف شمال الأطلسي.

ولقد فوجئ المحللون بفاعلية هذه الدرونز أمام القوات الروسية التي بدا أنها مُحدّثة، فلقد نفذ الأوكرانيون هجمات ناجحة نجاحاً غير متوقع باستخدام عدد صغير من هذه الدرونز في المراحل الأولى من الصراع في أوكرانيا. ولم يكن من المتوقع أن يكون لدرونز TB2 مثل هذا التأثير الهائل؛ فهي طائرات ذات ارتفاع متوسط، وسرعة تحليق بطيئة، وإشارات كهرومغناطيسية كبيرة، ومقطع عرضي راداري كبير؛ لذا فهي أهداف سهلة للجيوش المتطورة التي تمتلك أنظمة دفاع جوي قوية. وعلى الرغم من ذلك أصبح الروس الآن قادرين على ضبط دفاعاتهم الجوية على المستوى التكتيكي. وحيث تعزز القوات الروسية الآن مواقعها لتصبح أكثر تنظيماً، فإنها حتماً ستزيد من تعزيز دفاعاتها الجوية. وفي المقابل تتضاءل حرية استخدام درونز TB2 في أوكرانيا. باختصار، لن يكون استخدام هذه الدرونز ضد القوات الروسية في المستقبل ذا جدوى لأوكرانيا. ولكن ربما توجد طريقة أخرى يظن الأوكرانيون وداعموهم الغربيون أنهم سيواصلون بها ضرب القوات البرية الروسية من الجو عن طريق الدرونز. وتكمن هذه الطريقة في عنصر تتضمنه الحزمة الأمريكية الأخيرة من المساعدات العسكرية الفتاكة التي توجهت إلى أوكرانيا.

التحول إلى "سويتش بليد"

لقد أدرج الرئيس الأمريكي جو بايدن الدرونز كجزء من حزمة الأسلحة المتجهة لأوكرانيا، والتي تم الإعلان عنها مؤخراً من دون الخوض في تفاصيل حولها. ولقد صرّح الرئيس في حديثه عن حزمة المساعدة عموماً، أنها أظهرت "التزام الولايات المتحدة بإرسال أحدث أنظمتنا إلى أوكرانيا للدفاع عنها". وأكدت تقارير إعلامية نقلاً عن مسؤولي دفاع أمريكيين منذ ذلك الحين أن الدرونز المتضمنة في حزمة الأسلحة المزمع إرسالها ستشمل درونز سويتش بليد المسلحة.

وسويتش بليد هي درونز يتم إطلاقها من أنابيب، وهي أسلحة تستخدم مرة واحدة وقادرة على إلحاق أضرار جسيمة بقوات الخصم. ويأتي اسم هذه الدرونز (والذي يعني "الشفرات") من أجنحتها التي تشبه الشفرات التي تظهر عند تشغيل الجهاز، ثم تتحرك مروحته الصغيرة.

وتُعتبر درونز سويتش بليد من عدة أوجه هي السلاح المثالي لنمط الحرب غير المتكافئة التي يخوضها الأوكرانيون، فنموذج 300 من درونز سويتش بليد (وهو النظام الذي تم إرساله على الأرجح إلى أوكرانيا) يزن حوالي خمسة أرطال، ويطير لمدة تصل إلى 15 دقيقة في المرة الواحدة، وهو مصمم ليُحمل في حقيبة ظهر. لذا فإنه من نواح كثيرة يعد النظام التكتيكي المثالي لوحدات المشاة الصغيرة التي تهدف إلى ضرب خصوم أكبر حجماً وأفضل تسليحاً. 

أضف إلى ذلك سهولة تشغيل نظام سويتش بليد البالغة، فعملية إطلاقه تتم باستخدام نظام تحكم أرضي بسيط للأجهزة اللوحية. وبعد أن يخرج الدرون من الأنبوب وتنفتح أجنحته وتدور مروحته لأعلى، يبدأ في الطيران في أي اتجاه يبغاه مشغّله. ثم يُبث فيديو مباشر من الدرون إلى المشغّل، بحيث يمكن مشاهدته على وحدة التحكم اليدوي. وما إن يتم تحديد الهدف المحتمل، يستطيع المشغَل تعيين هذا الهدف على شاشة التحكم، ثم يسيّر درون سويتش بليد نفسه بنفسه في تحديد التوجيه النهائي وينفجر فوق هذا الهدف. 

وعلاوة على ذلك، فإن هذا النوع من الدرونز قادر على التحليق فوق الهدف المحتمل، في انتظار اللحظة المناسبة لتوجيه ضربة دقيقة، ليشبه في ذلك عمل ما يُسمى ب"الذخائر المتسكعة".

وتلعب التكلفة دوراً كبيراً في معادلة الاستعانة بمثل هذه الأجهزة. حيث تقل تكلفة درونز سويتش بليد بكثير عن أغلب الدرونز، بما في ذلك TB2. وهي من الأجهزة غير المعمرة ومن الوارد استبدالها. وعرض الولايات المتحدة إرسال 100 درونز من هذا النوع هو عرض شديد السخاء، خاصة أنها من أحدث التقنيات، بيد أنه لا يمكن الرهان عليها للفوز في أي حرب، ولكن هذه الشحنة قد تكون الأولى من سلسلة شحنات، كشحنات الصواريخ المضادة للدبابات والأسلحة المضادة للطائرات والمحمولة على الكتف التي أرسلها البنتاغون. علاوة على ذلك، يستعين الجيش البولندي بنظام مشابه يسمى Warmate وربما يكون قد عرض بالفعل بعضاً من هذه الأسلحة على جارته.

وإذا استغل المحاربون الأوكرانيون درونز كاميكازي ذات الاستخدام الواحد على نحو فعال، وإذا أتاحتها الولايات المتحدة والدول الأخرى المحتملة بأعداد كافية، فستكون هذه الدرونز عاملاً مهماً في قدرة القوات الأوكرانية على إلحاق الخسائر بالجيش الروسي، خاصة عند تحركها. علاوة على ذلك، سترفع هذه الدرونز الروح المعنوية في أوكرانيا، وستمنح المقاتلين الأوكرانيين شعوراً بأنه لا يزال بإمكانهم ضرب خصومهم من الجو.

في الختام، على الرغم من مقاومة حكومة أوكرانيا وجيشها الشديدة، فإن انتصار أوكرانيا هو أمر شبه مستحيل، فلا تزال القوات الروسية تحقق مكاسب مهمة في الجنوب. ولا يبدو أن ثمة ما سيجبر القوات الروسية على الانسحاب من أوكرانيا أو مواقعها حول العاصمة كييف سوى التدخل العسكري للناتو، وهو ما سيؤدي حتماً إلى إشعال الصراع بين جيوش مجهزة نووياً، مما سيؤدي بدوره إلى حرب عامة في أوروبا الشرقية. وعواقب هذا السيناريو، إن تحقق، مفزعة لدرجة لا يمكن تخيلها. لذلك، ستستمر الولايات المتحدة وشركاؤها في البحث عن وسائل تٌمكّن القوات الأوكرانية من الاستمرار في القتال وتجنب الهزيمة الكاملة على الأقل، وهي استراتيجية مبنية على مبدأ أنه إذا لم تنتصر روسيا في الحرب، فستخسر. ويتطلب تنفيذ هذه الاستراتيجية تزويد أوكرانيا بالأسلحة الأكثر ملاءمة لوضعها التكتيكي. والواقع يخبرنا أن الجنود والمواطنين الأوكرانيين ممن يقاتلون ويدافعون عن أراضيهم ومدنهم أضعف من المهاجمين الروس عدداً وعتاداً. وهم يعون ذلك جيداً، وهذا هو سبب أهمية نجاح الهجمات باستخدام درونز TB2 لرفع روحهم المعنوية، فضلاً عن الأضرار المادية التي ألحقتها بالخصم. وقد نشهد في الأسابيع والأشهر المقبلة كُتّاب الأغاني الأوكرانيين وهم يؤلفون أغاني عن سويتش بليد كما فعلوا مع بيرقدار.