طرق مركز “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة” لمخاطر توظيف روسيا والصين لدبلوماسية اللقاح، مضيفا أن الدولتين قامتا خلال الأشهر الأخيرة بإرسال ملايين الجرعات من اللقاحات المضادة لفيروس “كورونا” إلى الدول النامية، في تطبيق عملي لما أُطلق عليه “دبلوماسية اللقاح”.
وأوضح المركز في تحليل له أن بكين وموسكو تسعيان إلى ترسيخ مكانتهما كموردين للقاحات، فضلًا عن تعزيز حضورهما العالمي، وتوثيق علاقاتهما الثنائية مع العديد من البلدان الناشئة التي تشهد تراجُعًا للنفوذ الغربي، مشيرا إلى أن بكين تحاول استعادة سمعتها العالمية التي تعرضت لضربة موجعة خلال المراحل الأولى من انتشار الوباء.
وحسب الورقة التحليلية، فقد “قامت الدولتان بإنشاء مرافق لإنتاج اللقاحات في جميع أنحاء العالم، وتدريب العاملين المحليين في البلدان الناشئة، في رهان واضح على أن مثل هذه الاستراتيجية ستعمل على تعزيز وجودهما على الأرض لعقود قادمة، وفي ضوء ذلك تكتسب روسيا والصين نفوذًا متناميا، مع تحقيقهما أهدافا تجارية أيضا؛ إذ إنه في معظم الحالات لا تتبرع الدولتان باللقاحات، بل تقومان ببيعها”.
وأضاف المركز “غالبًا ما تكون المساعدات المقدَّمة في شكل لقاحات مصحوبة بشروط اقتصادية أو سياسية”، موردا مثال روسيا، التي بدأت مناقشات مع بوليفيا حول الاستثمار في مناجم معادن نادرة، ومشروعات نووية مشتركة، بعد فترة وجيزة من تسليمها شحنة من لقاح “سبوتنيك في” الروسي.
كما تطرق المركز إلى محاولة روسيا والصين توظيف دبلوماسية اللقاحات على النحو الأمثل؛ مشيرا إلى أن الدولتين لا تسعيان “لكسب الثناء لتلبية حاجات قصيرة الأجل فحسب، وإنما تهدف كل منهما إلى تعزيز تأثيرها ودعم نفوذها على الصعيد العالمي، على المدى الطويل”.
وأكدت الورقة التحليلية أن الصفقات المرتبطة بدبلوماسية اللقاح تختلف عن العقود التجارية العادية التي يتم إبرامها بين شركات الأدوية والحكومات؛ إذ إنها صفقات ذات أبعاد جيوسياسية، ليست موجّهة نحو قطاع الأعمال.
من ناحية أخرى، أوضح المركز أنه “قد يتم تقديم اللقاحات أيضا لبعض الدول كمكافأة لها على إثبات إخلاصها كشريك وحليف موثوق به. فعلى سبيل المثال، قد تسعى الصين إلى مكافأة كمبوديا ولاوس بتقديم اللقاحات لهما لدعمهما الموقف الصيني في النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، وربما تحصل باكستان على لقاحات مقابل موافقتها على المشروعات المرتبطة بمبادرة “الحزام والطريق” الصينية”.
وأضاف المركز “لا تخلو استراتيجية دبلوماسية اللقاحات التي تتبناها روسيا والصين من المخاطر؛ إذ سيكافح كلا البلدين لتلقيح شعبيهما، مع محاولة تحقيق أهدافهما الطموحة المتمثلة في تصدير اللقاحات”.
وأورد التقرير مثال موسكو، التي كانت أول دولة في العالم تصادق على لقاح “سبوتنيك في”، في غشت 2020، إلا أن حملة التطعيم في البلاد اتسمت، مع ذلك، بالبطء حتى الآن بسبب القيود المتعلقة بالإنتاج، وتردد المواطنين في الحصول على اللقاح.
وأشار المركز إلى أنه في أواخر أبريل كان معدل توزيع اللقاح في روسيا أقل حوالي ثلاث مرات مقارنة بفرنسا والمملكة المتحدة، وخمس مرات مقارنة بالولايات المتحدة، كما أن عدد الأشخاص الذين يرغبون في الحصول على اللقاح آخذ في التراجع، وترجِّح وحدة المعلومات الاقتصادية عدم تحقق التحصين الشامل من الفيروس في روسيا إلا خلال النصف الأول من عام 2022.
كما يواجه برنامج التطعيم في الصين تحديا هائلا، نظرا لضخامة حجم السكان، وانخفاض فعالية بعض اللقاحات المصنوعة في الصين.
وأشار المركز إلى كون غياب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة يعكس حتى الآن عن مشهد دبلوماسية اللقاحات حجم الضغوط السياسية في هذه البلدان لتطعيم سكانها أولا، إضافة إلى الجدل المثار مؤخرا حول لقاح “أسترازينيكا” البريطاني، حيث أدى التردد المتنامي بشأن هذا اللقاح إلى إفساح المجال أمام روسيا والصين لاستغلال هذا الوضع.
المصدر : هسبريس