أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

كارثة فنزويلا.. والدرس المستفاد

30 يناير، 2019


عندما قمت بزيارة فنزويلا منذ نحو عشرين عاماً، هالني جمال ذلك البلد وقوة مثقفيه وحرارة شعبه وجاذبية سكانه. ورغم هذا الارتباط بفنزويلا، فإني لا أعتبر نفسي متخصصاً في أحوالها، لكن هالني هذا السقوط السريع إلى الهاوية من دولة بترولية ثرية إلى دولة هشة، بل فاشلة، حيث هرب حتى الآن حوالي 2.3 مليون من سكانها (البالغ عددهم 32 مليوناً)، في صورة محزنة تذكرنا بهروب مواطني بعض الدول الأفريقية في قوارب متهالكة عبر البحر المتوسط، آملين الوصول إلى شواطئ النجاة الأوروبية. المهم ليس فقط سقوط دولة ثرية إلى الهاوية، بل العبرة التي يستقيها طلاب العلاقات الدولية من هذه الكارثة؟

لفت نظري خلال تلك الزيارة لفنزويلا أن سكانها يتمتعون آنذاك بأرخص أسعار للغاز في العالم، وبالتالي ينطبق هذا على كثير من وسائل المعيشة الأخرى، مما زادهم رفاهية. وكانت ثروات فنزويلا من الغاز الطبيعي تضعها في المرتبة الثامنة عالمياً.

وقد ذكَّرني زملائي الفنزويليون بأن بلدهم من الأعضاء المؤسسين لمنظمة «الأوبك»، وأنها كانت الدولة غير الأوسطية الوحيدة التي حضرت أوّل اجتماع لهذه المؤسسة في بغداد عام 1960، وأن وزيرها آنذاك «خوان ألفونزو» -مع الوزير العراقي عبدالله الطريقي- كانا أهم نجوم ذلك المؤتمر، وقد تركا بصماتهما على شخصية «أوبك».

أين فنزويلا الآن؟ على العكس من القوة البترولية، هي الآن مجتمع بائس ودولة فاشلة، طبقاً لـ 12 مؤشراً علمياً تحدد مواصفات الدولة الفاشلة، ومنها جموع المهاجرين التي تخبرنا بأن الحياة داخل هذا البلد أصبحت جحيماً بعد أن كانت نعيماً.

في المجال الاقتصادي، تقول مجلة «الإيكونمست» البريطانية الشهيرة، إنه في نوفمبر 2017 بلغ حجم الدين الخارجي لفنزويلا أكثر من عشرة أضعاف الاحتياطي، أي 105 مليارات دولار (الدين) مقارنة بـ 15 مليار (الاحتياطي)، أما معدل التضخم، فهو الأعلى في العالم: كان في عام 2014 نحو 69%، لكنه أصبح 115% عام 2015، ثم 800% عام 2016، ثم 4000% عام 2017.

هذا الوضع الاقتصادي المتدهور جداً له بالطبع تأثيره على المجتمع. تخبرنا إحصائيات مراكز بحوث علمية من الداخل بأن 90% من الفنزويليين يعيشون الآن على أقل من دولارين في اليوم، وأنه في عام 2017 فقد 75% من السكان 8 كيلوغرامات من أوزانهم، وأن كثيرين منهم أصبحوا الآن يبحثون عن الطعام في أكياس القمامة.

الإحصائيات رهيبة أيضاً فيما يتعلق بنقص الأدوية الأساسية، لاسيما في ظل انتشار الملاريا وأمراض أخرى، مما أخذ معدلات الانتحار نحو ارتفاعات غير مسبوقة. 

لكن ما سبب هذا الجحيم، لكي نتعلّم منه؟

قد يعطي البعض الأولوية لانخفاض أسعار البترول، والذي تراجع سعره من 100 دولار للبرميل في عام 2014 إلى 50 دولاراً فقط، لاسيما أن 90% من اقتصاد فنزويلا يعتمد على عائدات النفط. لكن حقيقة ليست كذلك، وإلا فلماذا لم تقم الحكومة بتنويع الاقتصاد؟ كما أن الدول البترولية الأخرى عانت بعض الشيء جراء ذلك التراجع، لكنها لم تصل إلى هاوية فنزويلا المرعبة!

العبرة من الدرس الفنزويلي، وباختصار شديد، تتعلق بأهمية الإدارة السياسية، والتي لم تكن محل تقدير كبير من العسكري السابق شافيز الذي أصبح رئيساً للجمهورية في سنة 1998، إذ كان اشتراكياً ديماغوجياً يُخاطب مشاعر الجماهير على حساب السياسات المطلوبة.

وفي مواجهة المشكلات تراجع الحل المطلوب، حتى تراكمت المشكلات وتحولت إلى أزمات طاحنة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

في عام 2018 أُعيد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، لكن هناك اعتراضات وشكوك حول نتائج الانتخابات التي أوصلته للحكم. اعترض البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة وأعلن رئيسه أنه رئيس الجمهورية الانتقالي حتى يتم إجراء انتخابات رئاسية جديدة.

يحظى الرئيس المنتخب بتأييد روسيا والصين وتركيا وجامعة الدول العربية، بينما يحظى رئيس البرلمان بتأييد الولايات المتحدة منظمة الدول الأميركية والاتحاد الأوروبي.

والخلاصة أنه بسبب سوء الإدارة السياسية، والتدخل الخارجي.. أصبحت البلاد الجميلة والقوة البترولية السابقة جحيماً لأهلها في الوقت الحالي.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد