أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحول نوعي:

لماذا باتت المغرب دولة محورية في الإنتاج الإقليمي للسيارات؟

12 ديسمبر، 2017


يتسارع أداء قطاع السيارات في المغرب بمعدلات مرتفعة بالتزامن مع نجاح الحكومة، مؤخرًا، في إبرام العديد من الشراكات الاستثمارية مع عدد من شركات السيارات العالمية، سواء لتعزيز تجميع السيارات أو تصنيع أجزائها محليًا، وهو ما ساهم في نمو إنتاج السيارات سواء الموجهة للتصدير أو للسوق المحلي بدرجة كبيرة، وبما عزز من صحة التوقعات التي تشير إلى احتمال تحول المغرب إلى مركز هام لصناعة السيارات في منطقة الشرق الأوسط، بشكل سيكون له، من دون شك، مردود اقتصادي كبير.

وفي واقع الأمر، فإن انتعاش صناعة السيارات في المغرب خلال الفترة الماضية يعود إلى عدد من العوامل التي يتمثل أبرزها في الاستقرار السياسي والاقتصادي، والحوافز الاستثمارية الواسعة، وتنوع الشراكات السياسية والاقتصادية للبلاد، بجانب اتساع سوق السيارات المحلي. بيد أن التحدي المقبل يكمن في زيادة حصة المغرب في سلسلة الإنتاج العالمي للسيارات وأجزائها.

طفرة جديدة: 

تتجه صناعة السيارات في المغرب، على ما يبدو، نحو مرحلة جديدة من التطور بعدما وقعت الحكومة المغربية، في 10 ديسمبر الجاري، مع شركة "بيوايدي" الصينية لصناعة السيارات اتفاقًا لإنشاء مصنع للسيارات الكهربائية قرب مدينة طنجة وذلك وسط تنامي التوقعات العالمية بنمو الطلب على هذا النوع من السيارات في إطار الجهود الدولية لمكافحة الانبعاث الحراري.

وقد عززت المغرب من مكانتها خلال الفترة الماضية كأحد مراكز إنتاج السيارات في منطقة الشرق الأوسط بالتعاون مع العديد من شركات السيارات العالمية، لا سيما الأوروبية. إذ تمتلك شركة "رينو" الفرنسية مصنعين لتجميع السيارات في طنجة والدار البيضاء بطاقة إنتاجة وصلت إلى 288 ألف مركبة في عام 2015 أى بزيادة 26% عن الفترة نفسها من العام السابق. وفي المجمل أنتجت المغرب، وفقًا للمنظمة الدولية لصناعة السيارات، ما مجموعه 345.1 ألف سيارة في عام 2016 بزيادة 19.7% مقارنة بعام 2015.

فيما تخطط شركة "بيجو ستروين" الفرنسية أيضًا لبناء مصنع بمنطقة القنيطرة الصناعية الحرة بطاقة إنتاجية تبلغ نحو 90 ألف وحدة في عام 2019، قد تزيد إلى 200 ألف وحدة مع ارتفاع الطلب بحلول عام 2023. ولا يقتصر الطموح المغربي على مجرد عملية تجميع السيارات، إذ تهدف الرباط، بالتعاون مع الشركات الأجنبية، إلى تعظيم القيمة المضافة للصناعة عبر زيادة مساهمة المكونات المحلية بها أكثر من 60% من مستوى الثلث حاليًا.

وفي هذا السياق، يتوقع أن يزيد الاعتماد على المدخلات المحلية من نحو 32% حاليًا إلى 65% بحلول عام 2023. وبالمثل أيضًا، سوف تعتمد شركة "بيجو ستروين"، على الأرجح، عند بدء الإنتاج في عام 2019 على مصادر محلية الصنع بنسبة 60% قد ترتفع إلى 80% مستقبلاً.

وكأحد الحلول المطروحة لزيادة قيمة المدخلات المحلية بالصناعة، اتجهت الحكومة لإبرام اتفاقات استثمارية مع عدد من الشركات الأجنبية لتصنيع أجزاء السيارات ومنها اتفاق مع شركة "كامشي إنجيرين" الصينية لبناء مصنع لإنتاج إطارات المركبات بالمنطقة الصناعية الحرة في القنيطرة باستثمارات تصل قيمتها إلى 250 مليون دولار. فيما ستقوم شركة "سوجيفي" بإنشاء أول موقع لها في منطقة طنجة للتجارة الحرة في عام 2018، وهى شركة متخصصة في أنظمة فلترة المحركات. ومن المتوقع أيضًا أن تشارك شركات أخرى مثل شركة "فيكوسا" المتخصصة في بناء مصنع لقطع غيار السيارات بقيمة 58.8 مليون دولار.

مناخ ملائم:

ثمة عوامل عديدة ساهمت في تكريس دور المغرب كأحد مراكز إنتاج السيارات في منطقة الشرق الأوسط، وتتمثل في:

1- بيئة استثمارية مستقرة: تحظى المغرب ببيئة اقتصادية مستقرة، على الرغم من الاحتقانات الاجتماعية والسياسية التي تظهر في بعض الأحيان، وهو ما ساهم في تسارع النمو الاقتصادي خلال السنوات الخمس الأخيرة ليصل في المتوسط إلى نسبة 4.9%. وفي الوقت نفسه، تتجه الحكومة إلى تنفيذ مشروعات دعم البنية التحتية بمبالغ قد تصل إلى 80 مليار دولار في السنوات المقبلة.

وتوفر السوق المغربية العديد من الحوافز الاستثمارية خاصة في المناطق التجارية والصناعية الحرة مثل مناطق طنجة والقنيطرة، وتتمثل في الإعفاءات الجمركية والضريبية وحرية تحويل رؤوس الأموال، بشكل جذب العديد من الشركات الأجنبية للاستثمار بها، وهو ما قلل من تكلفة إنشاء وحدات لتصنيع السيارات.

2- شراكات قوية: كانت صناعة السيارات المغربية أحد القطاعات التي تأثرت إيجابيًا بالتقارب في العلاقات بين المغرب وبعض القوى الاقتصادية العالمية في الفترة الماضية، وهو ما انعكس في اتجاه عدد من الشركات الصينية نحو زيادة استثماراتها في هذا القطاع، بعدما وقع الرئيس الصينى شى جين بينغ مع العاهل المغربى الملك محمد السادس على اتفاق خاص بتأسيس شراكة استراتيجية بين البلدين في مايو 2017.  في الوقت نفسه، ترتبط المغرب بشراكة تاريخية مع الدول الأوروبية، حيث وقعت اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي في عام 1996، كما حصلت على مكانة "الشريك المميز" في أكتوبر 2008 في ظل الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، وهو ما جعل فرنسا شريكًا استثماريًا وتجاريًا رئيسيًا في البلاد.

وبالإضافة إلى ذلك، طورت المغرب شراكات تجارية واستثمارية مع كثير من الدول العربية والإفريقية، بشكل زاد من اهتمام المستثمرين الأجانب بصناعة السيارات المغربية، كونها تعد بوابة رئيسية لتصدير السيارات وأجزائها للأسواق السابقة.

3- نمو الاستهلاك المحلي: حققت السوق المغربية في السنوات الماضية نموًا كبيرًا بفضل زيادة الطلب على السيارات، ووفق جمعية موردي السيارات بالمغرب (إيفام) وصلت مبيعات السيارات إلى نحو 163.1 ألف سيارة في عام 2016، توزعت بين 152.3 ألف سيارة للركاب و10.7 ألف سيارة تجارية خفيفة، وهو ما يمثل زيادة بنسبة أكثر من 25% مقارنة بعام 2015. كما من المتوقع أن تصل إلى 250 ألف وحدة بحلول عام 2021. ومع اتساع الطلب المحلي على السيارات، من المرجح أن يمثل ذلك فرصة هامة للشركات الأجنبية العاملة بالسوق لزيادة طاقتها الإنتاجية مع العلم بأن مبيعات بعضها مثل "رينو" تمثل حصة تبلغ نحو 38% من السوق.

مردود قوي:

تبدو آفاق قطاع السيارات بالمغرب واعدة مع دخول عدد من المشروعات حيز التنفيذ في المستقبل القريب، والتي من المتوقع أن تصل بطاقة الإنتاج إلى 600 ألف سيارة في السنوات المقبلة قبل أن تزيد إلى مليون سيارة بحسب وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي المغربي حفيظ العلمي. ويزيد ذلك، دون شك، من حظوظ المغرب في أن تكون مركزًا لإنتاج وتسويق السيارات بما فيها الكهربائية لإفريقيا خلال الفترة المقبلة، وبما سيكون له مردود اقتصادي قوي سواء على النمو الاقتصادي أو على الصادرات أو مستويات التشغيل.

ومن المتوقع أن تزيد مساهمة حصة السيارات في الناتج المحلي من 16% حاليًا إلى 20% فيما بعد عام 2020. كما من المرجح أن تزيد حصة صادرات السيارات فوق المستوى الحالي القائم عند 12% بعد أن كانت 1.5% في عام 2010. وبحلول عام 2020، سيكون بمقدور المغرب التصدير بما يصل قيمته إلى 10.2 مليارات دولار.

لكن رغم ذلك، سيظل أحد التحديات الرئيسية بالنسبة لتطوير صناعة السيارات بالمغرب مرتبطًا باستمرارها في جذب الشركاء الأجانب من أجل زيادة حصتها العالمية سواء في سلسة إنتاج السيارات أو أجزائها، وهو ما سيتطلب بدوره ليس فقط تكريس موقعها كأحد المنتجين منخفضي التكلفة وإنما أيضًا تقديم مزيد من الحوافز الاستثمارية اللازمة لنمو الصناعة. كما ينبغي أن تسعى نحو تعزيز دورها كمركز لتكنولوجيا السيارات في منطقة الشرق الأوسط من أجل مواكبة التطورات المتلاحقة في صناعة السيارات وفي مقدمتها السيارات الكهربائية.