أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

التهديد القادم:

ماذا سيحدث بعد هزيمة "داعش" في العراق؟

28 يوليو، 2017


نظّم "مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة" حلقة نقاش بعنوان "التداعيات الأمنية: ماذا سيحدث بعد هزيمة داعش في العراق؟"، يوم الخميس 27 يوليو 2017. وقد تناولت حلقة النقاش مستقبل تنظيم داعش بعد هزيمته عسكريًّا في الموصل، وركز المشاركون في الحلقة، من خبراء وباحثي المركز، على الإجابة على عدد من التساؤلات التي تتعلق بمستقبل التنظيم، والتي شملت: ما هي السيناريوهات المستقبلية والمسارات التي سوف يتخذها التنظيم؟ وما هي تداعيات هزيمة التنظيم عسكريًّا في الموصل على الهيكل التنظيمي له؟ وكيف سيعمل التنظيم على إعادة انتشاره في الإقليم؟

واستنادًا إلى ورقة العمل الرئيسية التي تمت مناقشتها في الحلقة؛ فإن كافة التطورات تشير إلى أن مستقبل تنظيم داعش في العراق يرتبط بمجموعتين من العوامل؛ الأولى تتعلق بالبيئة المحيطة بالتنظيم، والتي تشمل الأوضاع الداخلية في العراق، والأوضاع الإقليمية والدولية، والتي قد تُتيح له فرصًا، أو تفرض قيودًا على قدرته على العودة مجددًا، أما المجموعة الثانية من العوامل، فترتبط بهيكل التنظيم نفسه، والتطورات التي طرأت عليه. 

إشكالية البديل:

تمثل البيئةُ الحاضنة للتنظيم محدِّدًا رئيسيًّا لمستقبله، ففي ظل عدم ظهور أي بديل سياسي لداعش، ستكون الفرصة متاحة للتنظيم لإعادة إنتاج نفسه، حيث إن غياب القوى السياسية عن المحافظات التي تم تحريرها من قبضة التنظيم، وعدم بروز أحزاب سياسية عابرة للانقسام الطائفي؛ سيجعل الساحة العراقية مهيأة لعودة التنظيم بعد التكيّف مع مرحلة الانحسار والتفكك.

وبالإضافة إلى الأوضاع الداخلية، يمكن أن تشكِّل الظروف الاستراتيجية في البيئة الإقليمية عوامل مساعدة للتنظيم على إعادة هيكلة نفسه، خاصة تعقيدات الوضع في سوريا، وعدم امتلاك تصور واضح لكيفية التعامل الدولي مع الأوضاع في العراق في مرحلة ما بعد التنظيم، فضلاً عن الدور الذي تلعبه القوى الإقليمية -خاصة إيران- في تعزيز الانقسام والفرز الطائفي داخل المجتمع العراقي. 

السيناريوهات المستقبلية:

تكشف الدروس المستفادة من خبرة التنظيمات الإرهابية التي نشطت في مرحلة ما قبل ظهور داعش، سواء القاعدة أو التنظيمات المحلية في بعض الدول (مثل: تنظيمات الجماعات الإسلامية، والجماعات الجهادية في بعض الدول)، عن مجموعة من المحددات لمستقبل التنظيم، تشمل:

1- إعادة التموضع والتكيف: تكشف الخبرة التاريخية للتنظيمات الإرهابية عن أن هذه التنظيمات لا تموت ولا تندثر كليًّا؛ إذ إن لها دورة تاريخية محددة الملامح، تبدأ بتنظيم قوي يقوم بالحشد والتعبئة لجذب عناصر وأنصار ينضمون له، ثم يدخل في مواجهة مع الدول أو التحالفات الدولية التي تنشأ لمواجهته، والتي تنجح في هزيمة التنظيم عسكريًّا، ومن ثمّ تفرض عليه إعادة التكييف مع المسارات التي تعمل للقضاء عليه، بحيث يدخل التنظيم في مرحلة جديدة تتضمن إعادة الانتشار، أو التفكك إلى تنظيمات محلية صغيرة، أو تشكل مجموعات فردية محدودة، وغيرها من المسارات التي اتخذتها بعض التنظيمات مثل القاعدة.

2- التكلفة العالية لطبيعة النشأة: نشأة داعش كتنظيم إرهابي يختلف عن بقية التنظيمات الإرهابية الأخرى، من حيث الأهداف التي حددها التنظيم لنفسه في تأسيس الخلافة، والانتشار الذي سعى إليه، وتأسيس ولايات وفروع في العديد من المناطق، والوسائل التي تبناها في نشاطه الإرهابي؛ سوف يفرض على التنظيم تحمل تكلفة عالية جدًّا في التعامل مع الموقف في مرحلة ما بعد هزيمته في الموصل، فالتنظيم سيظل في مرحلة الاستهداف ومواجهة الضربات المستمرة والمكثفة. 

2- تعقيدات الانتشار الجغرافي: اتسمت معظم التنظيمات الإرهابية بالطابع المحلي للنشأة والتكوين والتوسع، لكن خبرة تنظيم داعش جعلت منه تنظيمًا محليًّا عراقيًّا، له امتدادات إقليمية ودولية، تجعل سياقات المواجهة والقضاء عليه في مرحلة ما بعد الموصل معقدة جدًّا.

وفي ضوء تلك المحدِّدات، وكون المواجهة مع التنظيم أفضت إلى تقويضه وهزيمته عسكريًّا، دون القضاء عليه بشكل نهائي؛ فإن السيناريوهات المستقبلية لبنية تنظيم داعش من الداخل، تتضمن مسارين:

أ- سيناريو التحلل التدريجي:

نظرًا للتكلفة المرتفعة لبقاء التنظيم كتنظيم مركزي له هياكل تنظيمية فرعية، وفي ظل استمرار الجهود الدولية لتقويضه وإضعاف قدراته إلى أكبر مدى ممكن؛ من المحتمل أن يتحلل التنظيم تدريجيًّا عبر الزمن، لكن هذه الزمنية لتحلل التنظيم واندثاره قد تطول لتصل إلى عقدين من الزمن، وفي ظل هذا السيناريو هناك مسار قد يكون محتملاً نسبيًّا، يتعلق بقدرة تنظيم القاعدة على جذب عناصر من داعش وتجنيدها.

والدلائل التي تدعم احتمالات تحلل التنظيم تتمثل في أنه في ظل غياب رأس التنظيم وهيكله المركزي في العراق وسوريا، وعدم وجود هياكل إدارية قوية في الولايات والفروع التي أنشأها التنظيم، فإن قدرة التنظيم على البقاء ستضعف حتمًا.

ب-  سيناريو العنقود المتفكك:

يفترض هذا السيناريو تفكك التنظيم الذي كان أشبه بعنقود متماسك، إلى حبات، فيما يُشبه "انفراط حبات العقد"؛ حيث سيتفكك إلى تجمعات صغيرة، وخلايا عنقودية، وخلايا عشوائية، وخلايا فردية. وكل من هذا التقسيمات له مساراته وتعقيداته المختلفة.

إشكاليات ما بعد تقويض التنظيم

تتضمن مرحلةُ ما بعد هزيمة داعش في الموصل، ونجاح التحالف الدولي والجيش العراقي في تقويض قدرات التنظيم؛ عددًا من الإشكاليات الرئيسية، تشمل:

1- تصاعد تهديدات داعش: هزيمة التنظيم عسكريًّا في عقر داره لا تعني القضاء كليًّا عليه، لكنه سيسعى إلى إعادة إنتاج نفسه بشكل مختلف ومستوى جديد من القوة. ففي هذا السياق، كان التنظيم في السابق مكشوفًا في المواجهة، ومعاقله محددة ومعروفة سلفًا، لكن في ظل الوضع الجديد سيعمل التنظيم على التخفي، ويتحرك بشكل مرن ويغير من تكتيكاته، الأمر الذي يعني أن خطورة التنظيم وتهديداته ستكون أكثر من المرحلة السابقة.

2- خطورة التنظيمات المحلية: ستشهد المرحلة المقبلة أنماطًا جديدة من التحالفات والاندماجات بين التحالفات المحلية التابعة لداعش، وستكون هناك امتدادات لها عبر الحدود، الأمر الذي سيجعل ساحة المواجهة مفتوحة ومسرح العمليات مختلفًا كليًّا.

3- مستقبل الفواعل المُسلحة: هزيمةُ تنظيم داعش في الموصل جاءت نتيجة تضافر جهود أربعة فواعل عسكرية، أو ما يمكن أن نطلق عليه جيوشًا متعددة، ضمت: قوات الحشد الشعبي، وقوات الميليشيات الشيعية، وقوات الأكراد، والحشد العشائري والجيش الوطني كأعلى تنظيم عسكري في البلاد. والإشكالية هنا تتعلق بمصير القوى العسكرية غير الجيش الوطني، هل ستنضم إلى الجيش الوطني أم ستصبح قوى طائفية يمكنها أن تُعيد إنتاج بيئة عدم الاستقرار داخل العراق.

4- صراعات النفوذ بين الجماعات: جانب من إشكاليات ما بعد هزيمة داعش في الموصل، أن من المحتمل أن ينشأ صراع على النفوذ بين التنظيمات الفرعية والخلايا التي ستنشأ عن التنظيم، وهذا الصراع سيجعل لكل منهما مساره في تصعيد النشاط الإرهابي.

خلاصة النقاش تُشير إلى أنه رغم هزيمة تنظيم داعش عسكريًّا في الموصل، وتقويض جانب كبير من قدرات التنظيم العسكرية، والدعائية، والتمويلية؛ إلا أن المرحلة المقبلة (مرحلة داعش ما بعد الموصل) ستكون أكثر خطورة، نظرًا لتشظي التنظيم إلى تنظيمات وخلايا فرعية، وتبني التنظيم تكتيكات واستراتيجيات لإعادة التكيف، فضلاً عن أن الفكر المتشدد الذي عمل التنظيم على نشره، سيجعل النسخة الجديدة من "داعش" أكثر تطرفًا وعنفًا.