أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

الاقتصاد الإبداعي:

مرتكزات الاستثمار الخليجي في "الصناعات الإبداعية"

03 يونيو، 2017


أصبح "الاقتصاد الإبداعي" جزءًا مهمًّا من الاقتصاد العالمي خلال السنوات الأخيرة؛ حيث أدركت دول العالم أهمية الصناعات القائمة على المعرفة، ومنها الصناعات الإبداعية التي باتت عنصرًا هامًّا في اقتصادات كثير من هذه الدول من خلال مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير فرص العمل.

وفي هذا الإطار، تبذل دول الخليج العربية جهودًا حثيثة لتعزيز الصناعات الإبداعية بها، باعتبارها محركًا للنمو الاقتصادي، وأحد العوامل الرئيسية لتعزيز مكانتها الثقافية على المستويين الإقليمي والعالمي. ولدى دول الخليج كافة الإمكانات لتكون رائدة في هذا النمط الإبداعي من الاقتصاد على مستوى العالم، خاصة في ظل تشجيعها للابتكار والإبداع، وزيادة الرغبة لديها في التنويع الاقتصادي بعد أزمة انخفاض أسعار النفط.

مفهوم واسع

بدأ الترويج لمفهوم "الاقتصاد الإبداعي" لأول مرة من قِبل الكاتب البريطاني "جون هوكنز" في عام 2001، وأطلقه على 15 نشاطًا تشمل مجالات متنوعة، تبدأ بالفنون، وتمتد لتشمل مجالات العلم والتكنولوجيا. وقدَّر حينها "هوكنز" حجم معاملات هذا الاقتصاد في مختلف أنحاء العالم بما يعادل 2.2 تريليون دولار.

وفي محاولة أكثر جدية لتأطير مفهوم "الاقتصاد الإبداعي"، أشار مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في تقريره الأول الصادر عام 2008 حول تقييم الاقتصاد الإبداعي على مستوى العالم، إلى أن الاقتصاد الإبداعي هو ذلك النمط من النشاط الاقتصادي الذي يقوم على استغلال الأصول الإبداعية التي يمكن أن تولّد النمو الاقتصادي، وتقود إلى التنمية الاقتصادية.

كما عرَّف (الأونكتاد) الصناعات الإبداعية بأنها تلك السلع والخدمات التي تستخدم الإبداع ورأس المال الفكري كمدخلات أولية، والتي تشمل 4 مجموعات، هي: التراث، والفنون، ووسائل الإعلام، والإبداعات الوظيفية، على النحو التالي:

1- التراث: صنفه (الأونكتاد) إلى مجموعتين فرعيتين: أولاهما أشكال التعبير الثقافي التقليدي، وتضم (الفنون، والحرف اليدوية، والمهرجانات، والاحتفالات). وثانيهما المواقع الثقافية، وتضم (المواقع الأثرية، والمتاحف، والمكتبات، والمعارض).

2- الفنون: وتشمل مجموعة الصناعات الإبداعية القائمة على الفن والثقافة، وهذه المجموعة تنقسم إلى الفنون البصرية، وتضم (الرسم، والنحت، والتصوير الفوتوغرافي، والتحف). والفنون المسرحية، وتشمل (الموسيقى، والمسرح، والأوبرا، والسيرك).

3- وسائل الإعلام: تغطي مجموعتين فرعيتين من وسائل الإعلام التي تنتج المحتوى الإبداعي بهدف التواصل مع جمهور كبير. والمجموعة الأولى هي النشر والوسائط المطبوعة، وتضم (الكتب، والصحافة، وغيرها من المطبوعات). أما الثانية وهي الوسائل السمعية والبصرية، فتشمل (الأفلام، والتلفزيون، والإذاعة).

4- الإبداعات الوظيفية: تضم الصناعات الموجهة نحو خلق السلع والخدمات، والتي تحددها أذواق المستهلكين وديناميكية الأسواق العالمية. وهذه المجموعة تنقسم إلى 3 مجموعات فرعية أخرى: الأولى هي التصميم، وتضم (الرسم، والأزياء، والمجوهرات، ولعب الأطفال). والثانية وسائل الإعلام الجديدة، وتشمل (البرمجيات، وألعاب الفيديو، والمحتوى الإبداعي الرقمي). والمجموعة الفرعية الثالثة هي الخدمات الإبداعية، وتضم (الخدمات المعمارية، والإعلان، والخدمات الثقافية والترفيهية، وفي بعض الأحيان الأبحاث الإبداعية).

المرتكزات الخليجية

اعتمدت التجربة الخليجية في تنمية الصناعات الإبداعية على عدة ركائز أساسية، أبرزها ما يلي:

1- مزيج متنوع: بدأ اهتمام دول الخليج العربية بتنمية الصناعات الإبداعية في إطار تطويرها رؤى مستقبلية لاقتصاداتها الوطنية، وتحديدًا قطاعي السياحة والثقافة بها. فعلى سبيل المثال، تبنت أبوظبي خطة لتطوير تراثها الثقافي والتاريخي في إطار رؤيتها لعام 2030. كما تتطلع قطر من خلال الاستراتيجية الوطنية للسياحة 2030 إلى أن تصبح مركزًا ثقافيًّا إقليميًّا.

ومن هنا، سعت دول الخليج نحو إطلاق العديد من المنتجات الثقافية والإبداعية في السنوات الماضية، والتي لم تقتصر على المنتجات أو الأنشطة ذات الطابع الثقافي المُجرد، وإنما امتدت لتشمل الصناعات الإبداعية الأخرى ذات الطابع التجاري أو السوقي.

وفي هذا السياق، حظيت العديد من الأنشطة الإبداعية باهتمام حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، ومن بينها صناعة المتاحف، والفعاليات الثقافية، ومعارض الفنون، والمهرجانات السينمائية (مثل مهرجان دبي السينمائي الدولي).

كما تمكنت دول الخليج من تطوير صناعات إعلامية ذات كفاءة عالية لتكتسب سمعة إقليمية وعالمية في هذا المجال. كما عملت أيضًا بعض الدول -مثل دولة الإمارات العربية المتحدة- على إطلاق أنشطة إبداعية جديدة وذات قيمة اقتصادية عالية، مثل صناعة التصميم محليًّا التي دأبت الإمارات على تطويرها منذ عام 2013.

2- مناطق متخصصة: أحد الحلول الرئيسية التي تبنتها دول الخليج لتنمية الصناعات الإبداعية هي تدشين المدن المتخصصة ذات المزايا التنظيمية والتشريعية والاستثمارية، ومن أمثلتها مدينة دبي للإعلام التي تأسست في عام 2001، وشركة twofour54 في عام 2008، وكلاهما يُدار وفق آليات المناطق الحرة التي توفر العديد من المزايا الضريبية والجمركية.

وفي السعودية، تم الإعلان في إبريل 2017 عن إطلاق مشروع مدينة القدية؛ باعتباره أكبر مدينة ثقافية ورياضية وترفيهية من نوعها على مستوى العالم، كما تضمنت "رؤية 2030" إنشاء أكبر متحف إسلامي في العالم.

3- التطوير المستمر: تحرص دول الخليج العربية باستمرار على تطوير الصناعات الإبداعية، لتشمل أنشطة أخرى ذات قيمة مضافة واقتصادية عالية. وفي هذا الإطار، أطلقت دولة الإمارات "مشروع حي دبي للتصميم" (D3) في عام 2013، والذي يُتوقع أن يُحدث طفرة في صناعة التصميم والأزياء بدبي ليصل حجمها إلى حوالي 35.9 مليار دولار بحلول 2019، وذلك بزيادة أكثر من نصف حجمها في عام 2010. كما أطلقت إمارة الشارقة الإماراتية، في فبراير 2017، أول مركز لإدارة حقوق النسخ، كحل فعَّال لضمان حقوق الملكية الفكرية، حيث يقوم برصد عمليات الانتفاع من الملكية الفكرية، والتفاوض مع المنتفعين، وتحصيل المستحقات بالنيابة عن مالكي الحقوق.

4– استثمارات واعدة: من المخطط أن تواصل دول الخليج استثماراتها في عدد من المشروعات الثقافية الواعدة. وفي هذا الصدد، يُتوقع أن تستثمر السعودية حوالي 2 مليار دولار لتطوير قطاع السياحة الثقافية في إطار "رؤية 2030". فيما تعهدت سلطنة عمان، في عام 2015، بتخصيص استثمارات بقيمة 2.5 مليار دولار لمشروع "أوماجين" على خليج عُمان؛ والذي يضم الكثير من العناصر الثقافية والتراثية والتعليمية والترفيهية والسكنية.

5- شراكة مع القطاع الخاص: في بدايات التجربة الخليجية لتنمية الصناعات الإبداعية، قاد القطاع العام أو الحكومي إدارة استثمارات الأنشطة الثقافية والإبداعية بها، حيث أدركت الحكومات أن الاستثمار في الأنشطة الإبداعية لا يخلق فقط قيمة اقتصادية، وإنما يُعزز من التنمية المجتمعية والثقافية أيضًا.

ومع نمو العوائد التجارية المحصلة من هذا القطاع، عززت دول الخليج من الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجالات عديدة، مثل الفنون والثقافة والإعلام، من أجل اكتساب الخبرات والاستثمارات العالمية في مثل هذه المجالات.

دور حيوي

تُعد الصناعات الإبداعية محركًا للنمو الاقتصادي العالمي، وكذلك لخلق فرص العمل. وبحسب منظمة اليونسكو، فقد وفّرت مختلف أنشطة الصناعات الإبداعية عوائد بنحو 2.250 تريليون دولار في عام 2013، أي ما يعادل 3% من الناتج الإجمالي العالمي، كما خلقت فرصًا وظيفية في العام نفسه بنحو 29.5 مليون وظيفة.

وعلى المستوى الخليجي، لعبت الصناعات الإبداعية دورًا مضطردًا في تنمية اقتصادات دول مجلس التعاون، وعززت من تنويع صادراتها غير النفطية مع العالم الخارجي. وبحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، ارتفعت مجموع صادرات دول الخليج من السلع الإبداعية من نحو 270 مليون دولار في عام 2002 إلى نحو 16.5 مليار دولار في عام 2014. واستحوذ على النصيب الأكبر من هذه الصناعات: التصميم، والحرف الفنية، والإعلام الجديد، والفنون البصرية.

وتجدر الإشارة إلى أن الفعاليات الثقافية والإبداعية العديدة التي تنظمها دول الخليج العربية، لها دور مهم في جذب عدد أكبر من الزوار من مختلف أنحاء العالم، ومن ثم تنشيط السياحة الخليجية. وفي هذا الصدد، تُقدر شركة "كوليرز إنترناشيونال" أن مدينة دبي شهدت زيادة قدرها 127% في عدد زوار المتاحف وصالات العرض الفنية لتصل إلى 1.7 مليون شخص بنهاية عام 2015 مقابل 700 ألف زائر في عام 2011. 

ختامًا، تُولِي دولُ الخليج العربية اهتمامًا كبيرًا بالصناعات الإبداعية القائمة على المعرفة والابتكار، وتوجيه طاقات الشباب نحو الأفكار الجديدة. ومن المنتظر مع انتهاء دول الخليج من تنفيذ كثير من مشاريعها ومبادراتها الإبداعية، أن يُساهم ذلك في دعم مكانتها الثقافية، وزيادة القيمة المضافة للصناعات الإبداعية في الاقتصادات الخليجية، وزيادة التنويع الاقتصادي لديها، بما يقود إلى أن تتحول دول الخليج إلى مركز إقليمي للصناعات الإبداعية.