أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

الاستجابة للخوف:

كيف تتعامل السياسات الدولية مع سيناريو "الزومبي"؟

06 يناير، 2023


عرض: سالي يوسف

لم يعد تناول "الزومبي" أو "الموتى الأحياء" قاصراً على الخيال السينمائي في أفلام الرعب الأمريكية، بل بات الخبراء يستخدمون هذا السيناريو المفترض لفهم حالة الخوف التي تنشأ لدى البشر من التحولات في السياسات الدولية ومدى قدرة نظريات العلاقات الدولية على تفسيرها، وكيفية التعامل معها، وفقاً لخبرة القوى الدولية في التعامل مع أزمات عالمية سابقة مثل، جائحة كورونا (كوفيد -19). 

لذا، يستعرض دانييل دريزنر في كتاب مثير له حمل عنوان "نظريات السياسة الدولية والزومبي.. طبعة نهاية العالم" الصادر عن جامعة برينستون وأكسفورد في العام 2022 المخاوف الطبيعية وغير المعلنة التي يشعر بها البشر تجاه السياسات الدولية المتحولة كل فترة، ومنها على سبيل التصور سيناريو التخوف من حدوث أزمة عالمية مثل "الزومبي".

يشير الكاتب إلى تعدد مصادر الخوف لدى البشر تجاه الأحداث في السياسة الدولية، كالهجمات الإرهابية، والأوبئة القاتلة، والكوارث الطبيعية، وتغير المناخ، والصراع المالي، والانتشار النووي، والصراع العرقي، والحروب الإلكترونية العالمية، بخلاف الاستقطاب السياسي وتنافس القوى العظمى وغيرها. واعتبر أن هجمات 11 سبتمبر 2001 كانت سبباً رئيسياً لتجدد الاهتمام باحتمالية ظهور "الموتى الأحياء"، كما أثارت هجمات الجمرة الخبيثة في خريف 2001 المخاوف بشأن الإرهاب البيولوجي، وقال الكاتب إن التسلح بتكتيكات شديدة العدوانية أمراً ضرورياً؛ لمواجهة ظاهرة الكائنات المتحولة، والتي حال حدوثها قد تتسبب في انهيار الحضارة.

سيناريو "الزومبي":

يحاول دريزنر في كتابه تناول فظاعة التأثير الذي قد يحدثه الظهور المفترض للزومبي في أفلام الخيال العلمي، مشيراً لأهمية تكريس المزيد من التخطيط الاستراتيجي لهذا السيناريو، الذي من المحتمل أن تتفكك أمامه أي خطط للطوارئ عند أول اتصال مع الكائنات المتحولة. مع ذلك، يمكن لعملية التخطيط هذه نفسها أن تحسن استجابات السياسة المستقبلية، وهي حقيقة أقرها علناً مسؤولو التخطيط في القيادة الاستراتيجية الأمريكية، وأفاد الكاتب بأنه إذا كان سجل التوغلات العسكرية في هذا القرن يعلمنا أي شيء، فهو مخاطر ممارسة السياسة الخارجية من دون دراسة واعية عن الأعداء المحتملين.

ويشير الكاتب إلى أن الأدوات السياسية التقليدية مثل، الردع النووي أو العقوبات الاقتصادية أو المساعي الدبلوماسية لن تكون ذات فائدة تذكر ضد ظهور كائنات متحولة، كالزومبي. كما أن الأساليب الأكثر إثارة للجدل مثل، التعذيب أو الاستجواب أو حرب الطائرات من دون طيار أو الهجمات الإلكترونية لن تُحدِث التغيير المنشود، معتبراً أن الموتى الأحياء لا يشعرون بالألم، ولا ينشطون بفعالية على وسائل التواصل الاجتماعي، لذا لابد من دراسة الوضع جيداً وتحديد السياسات العالمية المثلى للمواجهة لتجنب كلٍ من ردود الفعل مثلما حدث في تعذيب السجناء في سجن أبو غريب بعد أحداث 11 سبتمبر.

من هنا، ينتقل دريزنر إلى بناء تصوره حول توقع كيفية تعامل نظريات العلاقات الدولية الحالية، رداً على اندلاع السيناريو المفترض "الزومبي"، وما التوصيات التي ستنبع من هذه النظريات؟ ومتى ستكون سياسات الاختباء والاختفاء هي أفضل قرار؟

استجابة البشر للأزمات: 

يتناول الكاتب تباين ردود أفعال البشر خلال وقت الأزمة، ما بين خوف واشمئزاز ورهبة، فانتشار الزومبي يتشابه مع ظهور الأوبئة، إذ يؤكد الكاتب أن الخوف والريبة من الأكثر حِدة في التأثير عندما يكون مصدر الخطر جديداً، وهو ما حدث خلال ظهور وباء الإيدز، وإنفلونزا الخنازير (H1N1)، وكوفيد -19. وأكد أن ردود الأفعال غالباً ما تعتمد على سياسة التيقن من المعلومة قبل التعامل مع الأزمة.

ويشير إلى أن معظم الناس في الأزمات يعتمدون على خبراتهم عند التعامل مع المعلومات الواردة إليهم، كما يستخدمون الوقائع التاريخية السابقة للمقارنة مع الوضع الراهن لتحديد توجهاتهم، حتى لو كانت هذه المقارنات غير كاملة. وفي الوقت نفسه، سوف يتجاهلون أو يحجبون المعلومات التي تتعارض مع معتقداتهم، كما ستتم أيضاً مراجعة الأفكار الدولية السابقة في الأزمات حال كانت قد أدت إلى إخفاقات كارثية.

على مستوى صانعي القرار، ثمة سمات سلوكية شائعة في الأزمات وفقاً لـ دريزنر؛ حيث يميل الأفراد للتصرف وفقاً لمنطق المكسب والخسارة، فعلى سبيل المثال، فإن نظرية الاختيار العقلاني (Rational choice theory) تفترض أن البشر لديهم ردود أفعال ثابتة عند مواجهة المخاطر عبر الموازنة بين الكلفة والعائد، أما نظرية الاحتمالات (prospect theory)، فترى أن الناس يتصرفون بطريقة أكثر حذراً وتجنباً للمخاطر عند اعتقادهم بأنهم يكسبون أرضاً، لكن عندما يرون أنهم يفقدون أرضهم، فسوف يكونون أكثر استعداداً للقيام بمغامرات محفوفة بالمخاطر في محاولة لإنعاش ثرواتهم.

العشوائية والفوضى الدولية: 

ولأن سيناريو الزومبي سيهدد العالم ككل حال اندلاعه، لذا يفحص الكتاب طبيعة البيئة الدولية، فيشير الكاتب إلى أن ثمة اتفاقاً على افتراض واحد في ظل تباين واقع السياسة الدولية، وهو أن العشوائية هي العائق الأبرز في استجابة السياسات العالمية للأزمات، وهي لا تعني الفوضى أو غياب النظام، لكن المقصود بها غياب المركزية؛ لذلك، فإن الجمع بين العشوائية والمركزية/ الفردية في التعامل مع الأزمات يخلق أنماطاً متكررة في العلاقات الدولية في التعامل مع الأزمات.

في هذا السياق، يستشهد دريزنر بالفوضى التي حدثت منذ انتشار مرض الطاعون خلال الإمبراطورية الرومانية إلى الموت الأسود في القرن الرابع عشر، وصولاً لانتشار كوفيد -19 في عام 2020، إذ أظهرت تلك الأزمات المعدن الحقيقي للدول، وهو ما حدث من قِبَل الصين والولايات المتحدة الأمريكية، عندما اكتنزتا معدات الحماية الشخصية خلال وباء كوفيد 19 عن باقي دول العالم، وأيضاً انسحاب الولايات المتحدة مؤقتاً أثناء إدارة ترامب من منظمة الصحة العالمية لاعتقاد المسؤولين الأمريكيين أن الصين تتلاعب بسياساتها.

ويقول الكاتب إنه في عالم الفوضى فإن العملة الوحيدة المهمة هي القوة، بمعنى القدرة المادية لدرء الضغط الدولي أو إكراه الآخرين للسيطرة عليهم، وأنه إذا جمعت دولة ما المزيد من السلطة، فسيكون لدى الدول الأخرى حافز لتحقيق التوازن ضدها لمنعها من السيطرة على العالم، وعندما يكون الهيكل العالمي فوضوياً، فمن المستحيل على الحكومات أن تثق في بعضها البعض كلياً، وتلجأ للاهتمام بمصالحها الخاصة فقط وتشكيل تحالفات متوازنة ضد القوة الصاعدة لتحقيق أقصى قدر من الأمان.

النظرية الليبرالية والزومبي: 

يستند المنظور الليبرالي إلى أن التعاون الدولي لايزال ممكناً في عالم من الفوضى، حيث ينظر إلى السياسة العالمية على أنها "لعبة غير صفرية" على عكس نظرائهم من الواقعيين، وأنه يمكن للتعاون المتبادل بشأن قضايا التجارة الدولية ومنع الانتشار النووي والوقاية من الأوبئة أن يسفر عن منافع عامة عالمية على نطاق واسع. 

وعلى الرغم من أنه لا يتم توزيع مكاسب التعاون الدولي بالتساوي -وفقاً للكاتب- فإنها تجعل جميع الجهات الفاعلة في السياسة العالمية أفضل حالاً مما ستكون عليه في غياب تنسيق السياسات، لذلك فإن هذه الجهات سيكون لديها الحافز لتحقيق الفوائد التي تأتي من التعاون المتبادل طويل الأجل وتجنب التكاليف التي تأتي مع الانشقاق المتبادل.

ويشير دريزنر إلى أن الأبحاث الحديثة أظهرت أن المجتمعات الأكثر ثراءً وقوة لديها القدرة على مواجهة الكوارث الطبيعية بشكلٍ أفضل من الدول الأضعف والأكثر فقراً، فالقيادة الاستراتيجية الأمريكية، على سبيل المثال، ترى أن "البلدان التي لديها أنظمة رعاية صحية وزراعية أكثر تقدماً وإعداداً وقوة ستكون أكثر قدرة على التخفيف من العديد من آثار ظواهر الزومبي حال حدوثها".

خبرة كورونا ومواجهة الزومبي: 

ربط الكاتب بين السياستين الأمريكية والصينية باعتبارهما القوتين الرئيسيتين في النظام الدولي وكيفية مواجهة سيناريو الزومبي المفترض، عبر استدعاء خبرتيهما في مواجهة أزمة جائحة كورونا (كوفيد -19)، إذ يشير إلى أنه يٌنظر للولايات المتحدة على أنها تتأثر بشؤونها المجتمعية، مما يجعلها ضعيفة في صنع سياساتها الفيدرالية. على العكس، ينظر إلى الصين على أنها دولة استبدادية مؤسسية، بالتالي ستكون رغبتها في تحقيق مصالحها الداخلية ومكاسب السياسيين الشخصية في السلطة مختلفاً عن الولايات المتحدة.

تناول دريزنر ما أظهرته أبحاث الرأي العام أن الأمريكيين سيكونون على استعداد للمعاناة من الإصابات والتكاليف إذا كانوا يؤمنون بخطورة تهديد الأمن القومي وإمكانية تحقيق النصر، وهو أيضاً ما سيدفعهم لدعم قيادتهم سياسياً، إلا أنه بالمقابل، سنجد الصين لا تهتم كثيراً للرأي العام لديها لأن قادتها لا يواجهون انتخابات ديمقراطية، فشاغلهم الرئيسي يتعلق بفرض الهدوء الشعبي وليس تحقيق رغبات الشعب.

واستشهد الكاتب في عرضه بتفاوت ردود الفعل الأمريكية والصينية تجاه انتشار وباء كوفيد-19، ففي الصين، تم التهوين في البداية من الوباء من قبل مسؤولي الحزب الشيوعي المحلي في ووهان؛ مما أدى إلى تفشي الانتشار الأولي لفيروس كورونا، وبمجرد أن أخذت القيادة المركزية الأمر على محمل الجد، فرضت تدابير صارمة لاحتواء انتشار الفيروس خارج مقاطعة هوبي، ولبعض الوقت بدا أن هذه التدابير قد نجحت، لكن اللقاحات الصينية أثبتت أنها أقل نجاحاً، في المقابل، حاول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تقليل حجم التهديد من الوباء، إلا أن المحافظين قاموا ببذل الجهود للتخفيف من انتشار الفيروس.

حتى لا نصل لنهاية العالم:

بلور دريزنر في ختام كتابه مجموعة من التوصيات الختامية، استناداً إلى تصوره المتوقع لكيفية تعامل السياسات الدولية مع سيناريو الزومبي المفترض منها أن على الحكومات والمنظمات الدولية تقديم قواعد وأساليب جديدة للتعامل مع الأزمات بسرعة وفعالية أكبر، على أن تكون سياسات عامة يتبعها الجميع، إضافة إلى فرض الاستقرار خلال الأزمة ليتكيف الناس مع الوضع وبالتالي تقليل حجم الذعر الذي يصيب المجتمعات.

وأوصى أيضاً بدعم التعاون متعدد الأطراف وخلق عالم من الترابط الاقتصادي والحكومات الديمقراطية وإنشاء المؤسسات الدولية، وهو ما يصبو له فعلياً الفكر الليبرالي حيث يدعو إلى اقتصاد عالمي مفتوح من أجل تعزيز الترابط المتين وتأمين الحوافز للحكومات لكي تتعاون.

واختتم الكتاب بدعوة لمراجعة المواقف الدولية من الصراعات في العالم، مشيراً إلى أنه إذا كانت الصراعات تعوق السياسات الفعَّالة لمكافحة الإرهاب، فمن المهم تخيل تأثيرها في الاستجابة لمكافحة سيناريو الزومبي حال حدوثه، وأكد أن امتلاك القدرة على تحديد السياسات الأفضل تطبيقاً في الشأن الدولي -ومتى- هو فن أكثر منه علم.

المصدر:

DANIEL W. DREZNER, THEORIES OF INTERNATIONAL POLITICS AND ZOMBIES, APOCALYPSE EDITION, PRINCETON UNIVERSITY PRESS, 2022.