أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

الأتمتة العسكرية:

كيف تقيس آليات الذكاء الاصطناعي جاهزية الجيوش؟

13 أكتوبر، 2021


عرض: سارة عبدالعزيز

تزامنا مع اختراق الذكاء الاصطناعي مجالات الحياة كافة، فإن المجال العسكري أضحى في مقدمة تلك المجالات التي باتت تشهد نقلة نوعية كبيرة في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي والحلول المعرفية والأتمتة لتعزيز القدرات والاستراتيجيات العسكرية على المستويين التكتيكي والتشغيلي. 

في هذا السياق، نشرت مؤسسة "راند" للأبحاث في سبتمبر الماضي أحد التقارير التي تتناول نتائج دراسة قياسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنياته من التعلم الآلي وغيرها في دعم المهام الخاصة بوزارة الدفاع الأمريكية، وتقييم مستوى الجاهزية والاستعداد العسكري، وذلك بالاشتراك مع مكتب وزارة الدفاع الأمريكية، والتي تحمل اسم "أدوات الذكاء الاصطناعي للجاهزية العسكرية" AI Tools for Military Readiness، للباحثين بيتر شيرمر وياسمين ليفيلي. 

أهمية الجاهزية العسكرية:

تعد الجاهزية القتالية للقوات العسكرية من المحاور الأساسية التي يتم الاعتماد عليها في أي عمل عسكري، حيث يعتمد نجاح العمل العسكري على مدى جاهزية القوات واستعدادها في الوقت المناسب. وبناءً عليه، تقوم الجيوش بشكلٍ عام بجمع معلومات شهرية عن مدى جاهزية وحداتها القتالية والمقار التابعة لها، ودرجة تنفيذ التعليمات والأوامر العسكرية. كما تقوم الوحدات العسكرية التابعة بالإبلاغ كل شهر عن مستوى الجاهزية العام، فضلاً عن الجاهزية في أربع مجالات أساسية وهي الأفراد القتالية، والمعدات، والقدرة التشغيلية لتلك المعدات، وعمليات التدريب. 

وانطلاقاً من أهمية عنصر الوقت ومحوريته في العمل العسكري، يتم قياس مستوى الجاهزية والاستعداد على نطاق رقمي – زمني، هذا بالإضافة إلى التقارير التفصيلية التي تتناول شرح درجة استعداد الوحدات العسكرية، وفقاً لمعطيات الأوضاع الحالية والمستقبلية، والتنبؤ باحتمالات التأثير المستقبلي، سواء بشكل إيجابي أو سلبي.

وإذا كان الاستعداد العسكري مهماً للجيوش كافة، فإن أهميته لابد أن تتضاعف بالنسبة للقوى العظمى ذات الامتداد العسكري الخارجي، حيث تراه الولايات المتحدة الأمريكية بمنزلة أولوية دائمة لها وحجر زاوية للأمن القومي. ومن ثم، فإنه يتم تطوير آليات تقييم وقياس درجة الاستعداد العسكري باعتباره مفتاح إدارة وتحسين ذلك الاستعداد، وهو ما يمد القادة بدرجة أعلى من الوعي بحالة القوات العسكرية والوحدات التابعة لها، والأدوات اللازمة لاستكشاف البدائل المتاحة والمفاضلة بينها مع الأولويات الأخرى، مثل التحديث، وهيكل القوة، واستخدام الموارد الوطنية. وبناءً عليه، تم اللجوء إلى آليات الذكاء الاصطناعي؛ لتحسين قياس وإدارة الجاهزية العسكرية. 

وقد هدف تقرير راند لمناقشة كيفية استخدام آليات الذكاء الاصطناعي في تحويل التقارير النصية غير المنظمة لمعايير كمية لقياس وتقييم الجاهزية العسكرية، وتحديد العناصر والعوامل التي تعزز الاستعداد أو تعيقه، هذا بالإضافة إلى الحصول في نهاية المطاف على بعض التفاعل الآلي في الوقت الحقيقي مع قادة الوحدات أثناء كتابتهم تقاريرهم من أجل تحسين المعلومات التي يقدمونها، ومواءمة عملية السرد بشكل أفضل مع مستويات الاستعداد المُبلَّغ عنها، حيث تقدم وحدات الجيش الأمريكي تقارير شهرية عن الجاهزية الشاملة لها. الأمر الذي يُمكِّن كبار القادة من تقدير كيفية تأثر مستوى استعداد وحدة ما بالعوامل المتعددة من الأفراد أو المعدات أو مستويات التدريب.

نماذج قياسية للتقييم: 

قام الفريق البحثي المسؤول عن إعداد التقرير ببناء عدة نماذج، بناءً على بنية شبكية عميقة من العلاقات والعوامل المتداخلة، والتي تتنبأ بمستوى جاهزية الوحدات والمؤسسات العسكرية. وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف، تم طرح مجموعة من التساؤلات عن مدى دقة وفعالية تقييمات الاستعداد الشهرية التي يتم تقديمها في الجيش الأمريكي، وما هي جوانب الذكاء الاصطناعي المفيدة في تقييم الجاهزية العسكرية؟، وكيف يمكن تصميم آليات الذكاء الاصطناعي بحيث تصبح قادرة على تحسين تقييمات الجاهزية العسكرية؟، وأخيراً كيف يمكن أن يساعد استخدام آليات الذكاء الاصطناعي كبار القادة في تحسين المعلومات التي يقدمونها لمواءمة التقارير التفصيلية مع مستويات الجاهزية المبلغ عنها؟

وقد استعانت النماذج القياسية التي تم استخدامها في إعداد التقرير بالتقييمات السابقة التي يتم الاعتماد عليها من قبل وحدات الجيش الأمريكي، حيث يتم تقييم مستوى الجاهزية العام للوحدة من خلال مستوى التقييم الجماعي (يُختصر بالمستوى C)، ويتم تقييمه على مقياس من 1 الذي يشير إلى أعلى درجة من الجاهزية، وصولاً إلى 4، وهي أدنى درجة للجاهزية. هذا بالإضافة إلى إلحاقها بتقارير تفصيلية حول الظروف والأنشطة داخل الوحدات التي تشرح الأسباب التقييمية وراء المستوى (C) المبلغ عنه. 

وتتناول تلك التقارير موضوعات، مثل أفراد الوحدة، وتوافر المعدات، وحالة التشغيل، وأنشطة التدريب. وبشكلٍ عام، توفِّر تلك التقارير التفصيلية ثروة من المعلومات المتعلقة بالاستعداد العسكري، والتي تهدف آليات الذكاء الاصطناعي إلى تحويلها إلى عناصر يمكن الاعتماد عليها في عملية تقييم الاستعداد العسكري.

يأخذ مستوى التقييم الإجمالي (C) في الاعتبار أربعة عوامل، أو ما يُسمى "بالمجالات القابلة للقياس" measured areas، والتي تتضمن الأفراد (P)، والمعدات والإمدادات المتوفرة (S)، وجاهزية المعدات والقابلية للخدمة ((R) للقوات الجوية والجيش ومشاة البحرية، وE)) للقوات البحرية)، ثم أخيراً إتقان الوحدة للأنشطة التدريبية (T). ومن ثم، يتم اختصار (CPEST) للقوات البحرية و(CPSRT) للوحدات الأخرى بالمستوى العام (C). وقد تم تقييم النماذج بناءً على مجموعة من المعايير التي تشمل القدرة على الاسترجاع والدقة ودرجة (F1)، وهو مقياس معياري لقياس دقة التصنيف، حيث يقيس المتوسط التوافقي للمعيارين السابقين. 

أما عن مصادر البيانات التي تم الاعتماد عليها في بناء النماذج، فإن وزارة الدفاع الأمريكية تمتلك نظام الإبلاغ عن الجاهزية الدفاعية (DRRS) (The Defense Readiness Reporting System)، والذي يعد بمنزلة قاعدة بيانات لتقارير الجاهزية العسكرية الرسمية لوزارة الدفاع (DoD)، حيث يحتوي على تقارير استعداد شهرية لكل وحدة ومنظمة وتركيب في القوات الجوية والجيش وخفر السواحل والمشاة والقوات البحرية، والقوة الفضائية، وكذلك المنظمات المشتركة، ووكالات الدعم القتالي، ووحدات الحرس الوطني المشتركة. ووفقاً لذلك النظام يُطلب من القادة تقديم تقرير كل شهر مع وضع تقييم لقدرة وحدتهم على القيام بالمهام المطلوبة منها في أوقات المناورات التي يتم تنظيمها أو تصميمها من أجل تقييم الجاهزية.

وفي سياق بناء هذه النماذج التنبؤية، قام الفريق أيضاً ببناء نموذج لغوي خاص بلغة الدفاع والأمن القومي والتي تحمل مفردات متخصصة وذات سياق دلالي خاص، تم تدريبه على أكثر من (2500) منشور لمركز البحث والتطوير التابع لمؤسسة "راند" الممولة اتحادياً. وقد تم تطوير نموذج اللغة الخاصة بالدفاع باستخدام بنية (word2vec)، والذي يؤدي أداءً جيداً في تشبيه الكلمات الخاصة بالدفاع ومهام ارتباط الكلمات، متفوقاً في ذلك على عمليات دمج الكلمات المتاحة في المجال العام. وتعد عمليات تضمين كلمات المجال العام، والتي تم إعدادها بالاستناد إلى مجموعات الكلمات المستقاة من أخبار Google أو Wikipedia، جيدة ومفيدة في العديد من مهام معالجة اللغة العادية وليست المتخصصة. 

نتائج تقييم الجاهزية:

توصَّل الفريق البحثي إلى نجاح النماذج المختلفة التي تم تطويرها (النموذج الخطي ونموذج الشبكة) في تحويل اللغة العسكرية التي يتم كتابة التقارير من خلالها حول الأفراد والمعدات وأنشطة التدريب، بالإضافة إلى المعلومات العسكرية الأخرى، إلى عناصر تقييمية لدرجة الاستعداد العسكري، وذلك على الرغم مما تحمله تلك اللغة من مفردات متخصصة وسياق دلالي. 

ووفقًا لأفضل نموذج، فإن آليات الذكاء الاصطناعي أضحت قادرة على حساب أي من مستويات الاستعداد الأربعة، بما يجعل الوحدة قادرة على تحقيق الجاهزية بنسبة (75%)، ومن ثم توفر مثل هذه النماذج ملاحظات في الوقت الفعلي لقادة الوحدات أثناء قيامهم بتقديم تقارير الاستعداد الشهرية لتحسين دقة وتفاصيل تلك التقارير.

وقد رأى أعضاء الفريق البحثي أن أداء نماذج الشبكات المعقدة متعددة العوامل والعلاقات، هو الأفضل من نموذج الانحدار اللوجستي الذي يعتمد على عوامل أُحادية، لاستخدامه للتقييم؛ حيث إنه بمجرد إضافة عامل واحد إضافي لأي عوامل موجودة، يُحسِّن ذلك من أداء النموذج بشكل أكبر، خاصة في تفاعله مع آليات الذكاء الاصطناعي، فعلى سبيل المثال إذا تم الاعتماد على التقييم الأحادي لتعليقات القائد فقط سيكون التقييم غير دقيق إلى حدٍ بعيد، في حين أنه إذا تم استخدام مكونات النموذج (c) على نطاق أوسع، وما يتضمنه من تقييم لتأثيرات الاستعداد للأفراد والمعدات وعوامل التدريب سيكون أكثر دقة، ويمكن دمج هذه الأداة في التطبيقات ذات القدرات الشبيهة بالذكاء الاصطناعي لنتائج أفضل.

وتعد النتيجة الأساسية التي توصل إليها التقرير أنه في حالة الجاهزية التامة لخدمة استخدام آليات الذكاء الاصطناعي في عمليات تقييم مستوى الجاهزية والاستعداد العسكري، فإنه يمكن لمساعد الذكاء الاصطناعي اكتشاف عدم التطابق بين التعليقات المقدمة من قبل القائد في التقارير التفصيلية والمستوى (C) الذي تم منحه، ومقارنته مع المستوى (C) الذي تنبأ به النموذج. ويمكن بعد ذلك طلب مزيد من التفصيل لتبرير المستوى (C) المُبلغ عنه من قبل القائد. 

وعلى المدى الطويل، قد يوفر نظام الذكاء الاصطناعي القادر على فهم لغة الاستعداد العسكري القدرة على التقييم المباشر وتفسير اتجاهات ومدخلات الجاهزية أو يتيح تفسيرات معقدة لتعليقات القادة. مما قد يؤدي إلى إجراءات أكثر دقة للجاهزية العسكرية ومعلومات أفضل حول العوامل على مستوى الوحدة التي تعزز الاستعداد أو تعيقه. وبشكل عام، قد يفتح ذلك المجال أمام استخدام أدوات معالجة اللغة الطبيعية والمتخصصة باعتبارها فرعاً مهماً من فروع الذكاء الاصطناعي في تقييم الجاهزية لعدد كبير من التخصصات الأخرى. 

ختاماً، يمكن القول إنه إلى جانب المخاوف المتعلقة باستخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، خاصة في ظل وجود الضوابط الحاكمة، فإن التقرير الحالي لراند كشف أنه يمكن الاعتماد بشكل كبير على آليات الذكاء الاصطناعي في سياق مهم آخر لتقييم مستوى الجاهزية العسكرية والتي تمثل عصب أي عمل عسكري. 

المصدر:

Peter Schirmer and Jasmin Léveillé, "AI Tools for Military Readiness", RAND Corporation, September 20, 2021.