أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

استمرار التصعيد:

دلالات قرار البرهان بإقالة حميدتي من مجلس السيادة السوداني

22 مايو، 2023


أعلن قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، في 19 مايو 2023، إقالة قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، من منصبه كنائب لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، وكلف بدلاً منه عضو المجلس وقائد "الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال"، مالك عقار، بالقيام بمهام نائب رئيس المجلس.

قرارات البرهان التصعيدية: 

أصدر قائد الجيش السوداني جملة من القرارات التصعيدية الجديدة ضد حميدتي، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- الإطاحة بحميدتي من مجلس السيادة: أطاح البرهان بحميدتي، من منصبه كنائب له في مجلس السيادة، وعيّن بدلاً منه عضو المجلس، مالك عقار، قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، وهي إحدى الحركات الموقعة على "اتفاق جوبا للسلام"، في أكتوبر 2020.

وينحدر مالك عقار من شعب "الإنقسنا" بولاية النيل الأزرق، وشغل عام 2010 منصب حاكم الولاية، قبل أن يتم عزله في سبتمبر 2011، عندما تصاعدت حدة المواجهات بين الجيش السوداني و"الحركة الشعبية لتحرير السودان"، حيث يُعد عقار من مؤسسي الحركة، والتي قاتلت إلى جانب جنوب السودان حتى حصلت الأخيرة على استقلالها عام 2011، وهو ما أدى إلى انقسام الحركة بين جنوب وشمال السودان، وقاد عقار الجناح الجديد الذي تشكل في السودان عقب انفصال جوبا، وهو "الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال"، قبل أن تنقسم الأخيرة إلى فصيلين، عام 2017، حيث يقود أحدهما عبدالعزيز الحلو، فيما يقود الفصيل الآخر، مالك عقار، وبينما انضم الأخير إلى اتفاق جوبا للسلام عام 2020، الذي تم توقيعه مع الحكومة الانتقالية، وبموجبه أصبح مالك عقار عضواً بمجلس السيادة، رفض جناح عبدالعزيز الحلو الانضمام للاتفاق. 

2- تعيينات جديدة في قيادة الجيش: أصدر البرهان قرارات بتعيينات جديدة في قيادات المؤسسة العسكرية السودانية، حيث كلف الفريق أول شمس الدين كباشي بمنصب نائب القائد العام للجيش السوداني، كما عيّن عضوي مجلس السيادة، الفريق أول ركن ياسر العطا، والفريق بحري إبراهيم جابر، مساعدين للقائد العام للجيش. وتعكس هذه التعيينات مساعي البرهان لإحاطة نفسه بالعناصر الموالية له، وإحكام السيطرة على كافة أجنحة المؤسسة العسكرية.

3- اعتراض أمريكي محتمل: ألمحت تقديرات، غير مؤكدة، إلى أن ثمة انزعاج أمريكي من قرار البرهان الأخير باستبعاد حميدتي من منصبه، وهو ما انعكس في اتصال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مع البرهان في أعقاب هذا القرار، إذ أدان بلينكن خلال حديثه مع البرهان استمرار العنف في السودان، فضلاً عن انزعاج واشنطن من قراره بالإطاحة بحميدتي، باعتبار أن هذه الخطوة ستزيد تعقيد الصراع.

وربما يدعم هذا الطرح انتقادات مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، للمبعوث الأممي إلى السودان، فولكر بيرتس، إذ اتهم الأخير بتعقيد المشهد السوداني بسبب انحياز البعثة الأممية، في إشارة ضمنية إلى وجود انزعاج من الجيش السوداني من الموقف الأممي والغربي إزاء الصراع الجاري في الخرطوم.

دلالات مهمة:

عكست خطوة اختيار البرهان لمالك عقار، خلفاً لحميدتي، في منصب نائب رئيس مجلس السيادة، جملة من الدلالات المهمة، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- استباق الترتيبات المقبلة: قد تكون المعطيات الميدانية الحالية حفزت البرهان على إقالة حميدتي، في ظل تراجع حدة العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الدعم السريع، وهو ما رأته هذه التقارير بمثابة محاولة من قبل البرهان للاستعداد لمرحلة ما بعد العمليات، والترتيبات المستقبلية التي يمكن أن تطرأ خلال الفترة المقبلة.

2- استقطاب الحركات المسلحة: يكشف القرار عن سعي البرهان لتجنب انحياز الحركات المسلحة إلى جانب قوات الدعم السريع في حربها الجارية مع الجيش السوداني، لذا عمد البرهان إلى اختيار قائد إحدى هذه الحركات، وهو مالك عقار، نائباً له في مجلس السيادة، في محاولة لإظهار تمسكه باتفاق جوبا للسلام، وحرصه على مشاركة هذه الحركات في منظومة الحكم، وعدم انفراد مؤسسة الجيش بالمناصب القيادية في مجلس السيادة.

3- تجنب حرب المركز ضد الأطراف: تم تصوير الصراع بين البرهان وحميدتي على أنه حرب الأقاليم الطرفية السودانية، التي يمثلها حميدتي، في مواجهة هيمنة المركز، التي يمثلها البرهان، خاصةً في ظل التهميش التاريخي الذي عانت منه كثير من الأقاليم الطرفية واتهامها للخرطوم باحتكار السلطة والنفوذ السياسي والاقتصادي، وهي الورقة التي حاول حميدتي توظيفها لحشد دعم الأقاليم السودانية في مواجهة البرهان، لذا عمد الأخير إلى اختيار عقار، الذي يمثل كردفان والنيل الأزرق، أحد الأقاليم الطرفية، لمحاولة دحض فكرة انفراد الخرطوم بالسلطة والنفوذ، والترويج بدلاً من ذلك إلى اتجاهه لإفساح المجال أمام مشاركة ممثلي الأقاليم المختلفة في الحكم.

4- الاستفادة من علاقات عقار: يمتلك مالك عقار شبكة واسعة من العلاقات الداخلية والخارجية، خاصةً مع جنوب السودان، وهو ما انعكس في اللقاء الذي عقده مع رئيس جنوب السودان، سلفا كير، في أول تحرك لعقار بعد تعيينه نائباً لرئيس مجلس السيادة الانتقالي. لذا يعول البرهان عليه في التحركات الدبلوماسية التي يستهدف من خلالها حشد موقف إقليمي أوسع داعم للجيش السوداني.

5- الحيلولة دون تغلغل إثيوبيا: قد يكون البرهان استهدف من اختياره مالك عقار، الذي ينحدر من إقليم النيل الأزرق، المتاخم للحدود الإثيوبية، الحيلولة دون أي تغلغل من قبل أديس أبابا لدعم حميدتي في الصراع الجاري داخل السودان، خاصةً في ظل العلاقات التي تربط حميدتي بالجانب الإثيوبي، مع تزايد الحديث عن إمكانية أن تعمد أديس أبابا لاستغلال الصراع السوداني لتعزيز مصالحها، ولاسيما في منطقة الفشقة.

انعكاسات محتملة:

يلاحظ أن هناك انعكاسات محتملة ربما تطرأ على المشهد خلال الفترة المقبلة، ويمكن عرضها على النحو التالي:

1- تفاقم الاستقطاب الداخلي: حذر المبعوث الأممي إلى السودان، فولكر بيرتس، من أن الصراع الجاري بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع قد تترتب عليه اشتباكات قبلية في بعض المناطق، وهو أمر قابل للتفاقم بشكل أكثر حدة. وألمحت تقارير بريطانية إلى بذل الجيش السوداني جهوداً لاستقطاب مزيد من الحركات المسلحة للانخراط في الحرب الراهنة في مواجهة قوات الدعم السريع.

وفي المقابل، قامت قوات الدعم السريع بموجة اعتقالات واسعة في الخرطوم لمجموعة من القيادات الإسلامية المرتبطة بنظام البشير، كان من أبرزهم رئيس "ائتلاف التيار الإسلامي العريض"، محمد علي الجزولي، والرئيس السابق لحزب المؤتمر الوطني المنحل بولاية الخرطوم، أنس عمر، وكذا النائب السابق للبشير، الحاج آدم يوسف، وهو ما رأته هذه التقارير محاولة من قبل الدعم السريع لاستقطاب مزيد من الدعم الخارجي والداخلي.

2- تقويض فرص التسوية السياسية: يلاحظ أن قرار البرهان بإقالة حميدتي من منصبه قد يجعل فرص التوصل إلى تسوية سياسية للصراع محدودة للغاية، حيث يتوقع أن يزداد تمسك طرفي الصراع بفكرة الحسم العسكري للصراع. 

وعلى الرغم من إعلان السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، في 20 مايو 2023، توصل طرفي الصراع إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة سبعة أيام، بدايةً من مساء 22 من الشهر ذاته، فإن الاشتباكات بين الجانبين استمرت حتى يوم 23 مايو، إذ رصدت العديد من التقارير الغربية استمرار الغارات الجوية والاشتباكات في العاصمة السودانية بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وذلك على الرغم من إعلان الرياض وواشنطن أن هذه الهدنة مختلفة، لأن طرفي الصراع وقعا عليها وستكون مدعومة من قبل آلية مراقبة.

ويرجع ذلك في جانب منه إلى ضعف الضغوط الأمريكية، فقد وقع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في وقت سابق، على أمر تنفيذي يسمح لإدارته بفرض عقوبات على الأفراد والكيانات المتورطة في الصراع، من خلال حظر الأصول والمعاملات التجارية لهذه الأطراف، بيد أن هذه العقوبات ستبقى غير فعالة، خاصة وأن الإدارة الأمريكية لم تحدد هوية هذه الأطراف، كما أنه يستبعد أن يكون لطرفي الصراع السوداني أصول في الولايات المتحدة. 

3- تصعيد حدة القتال: قد تشهد الفترة المقبلة تصعيداً لافتاً في وتيرة الاشتباكات الميدانية بين طرفي الصراع، في أعقاب القرار الأخير للبرهان بإقالة حميدتي من مجلس السيادة، إذ أن هذا القرار قد يمثل انزلاقاً نحو طريق اللاعودة في علاقة الرجلين. ولعل ما يؤكد ذلك إدلاء حميدتي، بتصريحات حادة في رسالة مسجلة، قبيل ساعات قليلة من دخول اتفاق الهدنة الأخير حيز التنفيذ، حيث أكد أن قواته لن تتراجع لحين إنهاء انقلاب الجيش السوداني الحالي، داعياً قواته للانتصار في هذه الحرب.

وفي الختام، يعكس قرار البرهان بإقالة حميدتي محاولة من جانب الأول لإعادة هيكلة المؤسسات السياسية المختلفة، وتصعيد الموالين له على قمة هذه المؤسسات، ومؤشراً واضحاً إلى أن عودة المشهد السياسي لما قبل الحرب باتت غير ممكنة، وهو ما يعني أن المسار الوحيد المتاح حالياً يتمثل في تحقيق أي طرف انتصار عسكري يجعله قادراً على فرض شروطه، وذلك ما لم تتعاون القوى الإقليمية والدولية المعنية، خاصة الرياض وواشنطن، لمواصلة فرض ضغوط قوية على طرفي الصراع للجلوس على طاولة المفاوضات وإيجاد تسوية سلمية للأزمة.