أفادت وسائل إعلام محسوبة على الحرس الثوري الإيراني، في 12 يونيو، أن ضابطاً بالقوة الجوفضائية التابعة للحرس يُدعى علي كماني قد لقى مصرعه إثر حادث سير في مدينة خمين بطهران، في حين أعلنت وزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية، في 13 يونيو، مقتل أحد موظفيها، وهو محمد عبدوس، في محافظة سمنان شرق البلاد. وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن الأخير يعمل بمجال تصنيع الطائرات المُسيّرة والصواريخ الباليستية.
ووصفت وسائل الإعلام العنصريْن بـ "الشهيديْن"، وهو مصطلح يستخدم عادة لوصف من يتعرض للقتل أثناء أداء مهام عمله، فيما لم يتم تقديم معلومات بشأن ملابسات وفاتهما. ويأتي هذا بعد أيام من سلسلة من الاغتيالات والعمليات التخريبية التي جرت في الداخل الإيراني، والتي تم اتهام إسرائيل بالوقوف خلفها.
دلالات الحادثين:
يكشف الحادثان اللذان طالا عنصريْن من الحرس الثوري ووزارة الدفاع الإيرانية عن عدد من الدلالات والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:
1- تأكيد قدرة إسرائيل على اختراق إيران: يكشف تكرار حوادث الاغتيالات التي جرت في إيران مؤخراً عن مدى هشاشة الأوضاع الأمنية في الداخل الإيراني، وانكشافها أمام إسرائيل، والتي من الواضح أنها تتمتع بشبكة من الجواسيس، والتي تستطيع تنفيذ عمليات تخريب وتصفية داخل إيران، من دون أن تتمكن الأخيرة من كشف هذه الشبكات والقبض على عناصرها.
2- تسارع وتيرة الاغتيالات: تمكن الموساد الإسرائيلي من اغتيال العالم البارز في مجال تطوير الصواريخ والطائرات المُسيّرة، أيوب انتظاري، مطلع يونيو 2022، وهو ما أعقبه الكشف عن وفاة مهندس يعمل بمنشأة نطنز النووية يُدعى كمران أغملائي، نتيجة لتسممهما الغذائي، وهي الحوادث التي جاءت بعد أيام من مقتل قائد الوحدة 840 التابعة لفيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، العقيد حسن صياد خدائي، أمام منزله بطهران، والذي اتهمت إيران صراحة إسرائيل بالضلوع فيه، وقد أعقبته وفاة زميله بالوحدة نفسها العقيد إسماعيل زاده في ظروف غامضة.
ويكشف التقارب الزمني بين تلك الحوادث عن مدى قصور الإجراءات الأمنية التي تم اتخاذها لتأمين الشخصيات المؤثرة في الداخل الإيراني، لاسيما من العسكريين، بما يُنذر بأن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من عمليات الاغتيال.
3- إضعاف القدرات الإيرانية: يُشير الحادثان إلى رغبة تل أبيب في إضعاف القدرات العسكرية الإيرانية، سواء تلك التابعة للحرس الثوري، أو الجيش الإيراني. وتبدي إيران اهتماماً كبيراً بإضعاف القدرات العسكرية الإيرانية، وهو ما وضح في استهداف قاعدة تضم شبكة طائرات مُسيرة تابعة للحرس الثوري الإيراني بمحافظة كرمنشاه خلال فبراير 2022.
كما أعقبه استهداف مجمع "بارشين" العسكري، بواسطة طائرات مُسيّرة، في 25 مايو الماضي، وهو المجمع التابع لوزارة الدفاع الإيرانية، والذي يُستخدم في تطوير الصواريخ والطائرات المسيرة، وأسفر هذا الهجوم عن مقتل الخبير بمركز الأبحاث التابع لوزارة الدفاع إحسان قدبيجي، وهو ما يوضح أن إسرائيل تسعى جاهدة لتطبيق استراتيجيتها الجديدة المسماة بـ "رأس الأخطبوط"، والتي تسعى لاستهداف إيران من الداخل، وعدم الاكتفاء بأذرعها الإقليمية.
4- كبح التهديدات الإيرانية: تزامنت تلك الحوادث مع تزايد حدة التصعيد الإسرائيلي ضد إيران على الساحة السورية. فقد قامت تل أبيب، في 10 يونيو الجاري، بشن هجمات نوعية مستهدفة المنطقة الواقعة جنوب دمشق، والتي تتواجد فيها قوات إيرانية ومجموعات موالية لها، وأسفرت عن أضرار بالغة في مطار دمشق جعلته يخرج عن الخدمة لعدة أيام.
ومثّل الهجوم رسالة من جانب إسرائيل لكل من إيران والنظام السوري بأنها لن تسمح بتحويل مطار دمشق لأن يصبح محطة لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى وكلائها في سوريا ولبنان، في تشابه مع الضربة التي تم توجيهها من قبل إلى ميناء اللاذقية في ديسمبر 2021 للسبب نفسه، أي منع محاولات إيران نقل أسلحتها براً وبحراً.
5- إخفاق إيران في الردع: أشارت وسائل إعلام إسرائيلية تزامناً مع الكشف عن عمليات التصفية الأخيرة في إيران، عن إحباط إسرائيل هجمات إيرانية انتقامية ضد إسرائيليين، كان يُزمع تنفيذها خلال مايو الماضي داخل تركيا، وهو ما أعقبته رسالة بعث بها وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد قال فيها إن "من يؤذي الإسرائيليين لن يفلت من العقاب. ذراع إسرائيل الطويلة ستصل إليهم، بغض النظر عن مكان وجودهم"، في إشارة إلى إصرار إسرائيل على تصفية المسؤولين عن إصدار هذه الأوامر داخل طهران. ويكشف ما سبق عن إخفاق إيران في تنفيذ عمليات انتقامية ضد إسرائيل لردعها عن استهداف المسؤولين الإيرانيين.
وعلى الرغم من زعم وسائل إعلام إيرانية تصفية قائد فرقة الاغتيالات في الموساد الإسرائيلي "إيلاك رون" في مدينة أربيل العراقية، فإنه من الملحوظ أن الادعاءات الإيرانية نفاها إقليم كردستان العراق، ووسائل إعلام إسرائيلية. كما أن طهران نفسها لم تؤكد تنفيذها العملية، على الرغم من تأكيدها المتكرر أنها سوف تنتقم من إسرائيل، رداً على تصفية مسؤولين إيرانيين في السابق.
6- تكثيف الضغوط على إيران: تتزامن تلك الحوادث مع ما تتعرض له إيران من ضغوط على أثر موافقة مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار يدين إيران بشأن انتهاكاتها النووية، وهو القرار الذي يفتح الباب أمام عودة العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيع اتفاق 2015، حال تمادت إيران في تصعيدها النووي وعرقلة جهود الرقابة الدولية.
كما تُشير حوادث الاغتيال الأخيرة في إيران، إلى وجود تنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل في هذا الصدد، وذلك في محاولة من جانب واشنطن للضغط على طهران للتخلي عن أسلوب المماطلة والتعنت في المفاوضات، والذي أفضى إلى توقفها منذ 11 مارس الماضي.
تداعيات مُحتملة
قد يُسفر الحادثان عن عدد من التداعيات الُمحتملة، والتي يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:
1- زيادة التوتر الإيراني- الإسرائيلي: أعلنت طهران صراحة، في بعض الحالات، أنها على يقين بأن إسرائيل هي من تقف وراء عمليات التصفية الأخيرة، وذلك بالتزامن مع تأكيد تل أبيب أنها ستواصل تصعيدها لمواجهة التهديدات الإيرانية، غير أنه من الملحوظ أن إيران ظلت عاجزة، حتى الآن، عن تنفيذ أي هجمات.
2- انهيار محتمل للمفاوضات النووية: تدرك إيران أن تلك العمليات التخريبية ما كان لها أن تتم إلا بضوء أخضر من قبل واشنطن، والتي تسعى لممارسة الضغوط على إيران للتخلي عن مطالبها المبالغ فيها بالمفاوضات.
وصرّح وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، تعقيباً على وقف إيران كاميرات المراقبة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بأن ذلك يجعل من العودة للاتفاق النووي أمراً مستحيلاً، مضيفاً أن "سلوكيات إيران لا تبشر بالخير"، وهي نبرة متشائمة من جانب واشنطن، ربما لم تبديها منذ بدء المفاوضات مع إيران في أبريل 2021، وإذا ما اقترنت هذه التصريحات مع تعليقات الإيرانيين على قرار الوكالة والمطالبة بإنهاء التعاون معها والخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي، فسوف يقود ذلك إلى ترجيح الإعلان عن فشل مسار فيينا للمفاوضات في المدى المنظور.
3- إمكانية تبني إيران نهج المهادنة: قد تدفع عدة عوامل إيران إلى التخلي عن التصعيد والمهادنة، ويتمثل أبرزها في العجز الإيراني عن تنفيذ أي عمليات انتقامية ضد إسرائيل، فضلاً عن تدهور أوضاعها الاقتصادية وخروج احتجاجات تطالب بتحسين الظروف المعيشية الصعبة جراء العقوبات، غير أن المشكلة التي سوف تواجه إيران هي إضعاف موقفها التفاوضي في المفاوضات المتعلقة بالنووي، كما أن شرعية النظام الداخلية سوف تكون مهددة بدرجة كبيرة.
4- رفع مستويات تخصيب اليورانيوم: قد تتجه إيران إلى رفع مستويات تخصيب اليورانيوم حتى مستوى 90%، وذلك للتغطية على إخفاقها في مواجهة إسرائيل، وتحقيق انتصار في مواجهة الولايات المتحدة، ومن ثم محاولة انتزاع تنازلات أكبر منها لإحياء الاتفاق النووي، أو حتى الوصول إلى إنتاج القنبلة النووية بما يفرض واقع جديد.
وفي الختام، يمكن القول إن تلك الحوادث تكشف عن مدى تغلغل إسرائيل في الداخل الإيراني المنكشف أمنياً، وأن العمليات التخريبية لإسرائيل ضد إيران سوف تشهد تزايداً خلال الفترة القادمة، في محاولة من تل أبيب لإضعاف التهديدات الإيرانية، فضلاً عن إحباط فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني. وقد تتجه إيران للرد على التهديدات الإسرائيلية عبر رفع مستويات تخصيب اليورانيوم عند مستوى 90% بما يفرض واقع إقليمي جديد.