وافق مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 8 يونيو، على قرار يدين إيران لعدم تعاونها مع الوكالة في تقديم تفسيرات حول وجود آثار لجزئيات اليورانيوم تم العثور عليها في ثلاثة مواقع غير مُعلن عنها داخل إيران. وحظي القرار بموافقة 30 دولة من إجمالي 35 دولة عضو في المجلس، بينما عارضته دولتان هما روسيا والصين، وامتنعت عن التصويت ثلاث دول هي ليبيا وباكستان والهند.
ويفتح هذا القرار الباب أمام تفعيل آلية "العودة التلقائية للعقوبات" Snapback))، والتي نص عليها قرار مجلس الأمن 2231، والتي تمنح أي دولة طرف في الاتفاق النووي المبرم مع إيران في 2015 الحق في أن تلجأ إلى المجلس لإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، إذا ما رأت هذه الدولة أن إيران قد أخلت إخلالاً جسيماً ببنود الاتفاق النووي. ويُعد هذا القرار الأول من نوعه منذ يونيو 2020، حينما تم اتخاذ قرار ينتقد طهران على خلفية انتهاكاتها النووية.
مواقف الأطراف المعنية:
يمكن الوقوف على بعض الملاحظات بشأن هذا القرار على النحو التالي:
1- تهديد إيراني بالتصعيد: وجهت الخارجية الإيرانية انتقادها الشديد لقرار الوكالة الدولية الأخير، واصفة إياه بأنه "سياسي وغير بنّاء"، وأنه جاء استناداً على "معلومات كاذبة ومُفبركة من قبل الكيان الصهيوني"، مُشيرة إلى أن القرار لن يؤدي إلا إلى إضعاف التعاون مع الوكالة.
واستبقت إيران صدور القرار بإعلانها إيقاف كاميرتين تابعتين للوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة نشاطاتها النووية، كما قامت بتركيب ثلاثة أجهزة طرد مركزي متطورة من أطرزة "آي آر 4"، و"آي أر 6"، و"آي آر 2 إم" في منشآة نطنز النووية تحت الأرض، وضخ غاز اليورانيوم فيها، في مؤشر على رغبة إيران في التصعيد في مواجهة قرار الوكالة عبر رفع مستويات تخصيب اليورانيوم، وهو ما يعني عملياً السير في اتجاه امتلاك الخبرة الفنية اللازمة لرفع مستوى التخصيب إلى 90٪، وهي النسبة الملائمة لإنتاج القنبلة النووية.
2- ترحيب غربي – إسرائيلي: رحبت واشنطن وباريس وبرلين وبروكسيل بقرار وكالة الطاقة الذرية بشأن إيران، مهددة الأخيرة بعقوبات "لا سابق لها" في حال استمر عدم تعاون إيران مع الوكالة الدولية.
كما حذرت واشنطن من أن تؤدي تلك الاستفزازات من جانب إيران إلى "أزمة نووية خطيرة"، مُهددة بأن ذلك سوف يقود إلى فرض عقوبات جديدة على إيران، ومن ثم زيادة عزلتها الاقتصادية والسياسية. ودعت برلين ولندن وباريس طهران إلى إنهاء التصعيد النووي، و"القبول بشكل عاجل بالتسوية المطروحة على الطاولة"، في إشارة إلى الاتفاق النووي.
واعتبرت إسرائيل القرار خطوة أولى نحو كبح جماح إيران النووي والحد من انتهاكاتها النووية، بينما عبّر رئيس الدفاع الإسرائيلي، بيني جانتس، عن اعتقاده بأن القرار يؤكد أن طهران "تشكل خطراً على العالم بأسره في التطوير النووي والأعمال الإرهابية".
3- تنديد روسي – صيني: أبدت موسكو وبكين اعتراضهما على طرح مشروع قرار يدين سلوك إيران النووي في اجتماع مجلس محافظي الوكالة، إذ أعرب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني، في يوم اتخاذ القرار نفسه، عن معارضته "الإجراءات الغربية حيال طهران في الوكالة".
كما صرّح مبعوث الصين في فيينا بأن الضغط على إيران لن يساعد على حل المسألة النووية، وهو ما يكشف عن انعكاس الصراعات بين بكين وموسكو من جانب، وواشنطن من جانب آخر، على قضايا المنطقة.
تحوّل أمريكي لافت:
يحمل قرار الوكالة عدداً من الدلالات، والتي يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:
1- الرد على انتهاكات طهران النووية: أتى هذا القرار بعد يومين من إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً لها يفيد بتجاوز مخزون اليورانيوم المُخصب لدى إيران الحد المسموح به بموجب الاتفاق النووي المبرم في 2015، بأكثر من 18 مرة.
كما أشار التقرير إلى امتلاك إيران لما يقرب من 43.1 كجم من اليورانيوم المُخصب بنسبة 60%، وهو المستوى الذي يقترب من حد الـ90% اللازم لصنع السلاح النووي، بالمخالفة لما نص عليه الاتفاق المذكور بأن يكون حد تخصيب اليورانيوم 3.67%.
وأشار تقرير الوكالة إلى تعمّد امتناع إيران عن تقديم إجابات حول العثور على آثار يورانيوم مُخصب في ثلاثة مواقع هي تورقوزآباد وورامين ومريوان، وهو الأمر الذي يُثير الشكوك حول نوايا طهران النووية، ويُؤشر إلى وجود برنامج نووي سري لها، خاصة أن الوكالة كانت قد كشفت في مطلع 2021، أنها تشتبه في أن أحد تلك المواقع استخدم لتحويل اليورانيوم، وهي خطوة تسبق التخصيب، بينما استخدم آخر لإجراء تجارب تفجير.
وعليه، فقد صرّح المدير العام للوكالة رفائيل جروسي، في 6 يونيو، أن هناك "مجرد أسابيع قليلة فقط" تفصل بين إيران وحصولها على المواد الكافية لصنع سلاح نووي إذا استمرت في تطوير برنامجها بالوتيرة نفسها.
2- تبدل السياستين الأمريكية والأوروبية: سعت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا إلى الضغط من أجل أن يقوم مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتوبيخ إيران على تقاعسها بشأن التعاون مع الوكالة والإجابة عن آثار اليورانيوم في المواقع غير المعلنة داخل إيران.
وكانت تلك الأطراف تؤجل تبني تلك الخطوة لمنع إفساد المحادثات التي بدأت مع إيران منذ أبريل 2021، وهو ما يؤشر إلى تحوّل في النهج الغربي في التعامل مع إيران، وهو ما يرجع بشكل أساسي إلى الضغوط التي مارستها إسرائيل على الولايات المتحدة.
3- نجاح الضغوط الإسرائيلية: نجحت إسرائيل في الضغط على واشنطن للدفع باتجاه استصدار قرار بإدانة إيران في اجتماع الوكالة، فقد جرى عقد لقاء بين مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، ونظيره الإسرائيلي، إيال حولاتا، في البيت الأبيض، وذلك في اليوم السابق على قرار الوكالة، وكان مشروع القرار هذا موضوعاً للنقاش.
كما قام مدير عام الوكالة بزيارة إلى إسرائيل، في 2 يونيو، التقى خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي أكد له أن تل أبيب سوف تتحرك بشكل مستقل إذا فشل المجتمع الدولي في منع إيران من تطوير سلاح نووي، وهو ما يعكس حجم الضغوط الإسرائيلية على الوكالة لدفعها لإدانة إيران على أنشطتها النووية.
وتجدد إسرائيل تأكيدها على اقتراب إيران من الوصول إلى تطوير سلاح نووي، وتعمدها إخفاء معلومات حقيقية عن برنامجها النووي، وقد صرّح مسؤول إسرائيلي، قبل يوم من تبني الوكالة القرار، بأن إيران تمتلك كمية كافية من اليورانيوم المُخصب لإنتاج 3 قنابل نووية، وربما ساهم تمكن إسرائيل من سرقة "الأرشيف النووي الإيراني" في 2018 في إحاطة الوكالة الدولية بخطط إيران في هذا الصدد.
خيارات إيران المُحتملة:
تتمثل خيارات إيران في الرد على قرار الوكالة، بالرجوع إلى الخبرة التاريخية السابقة، في التالي:
1- خيار التصعيد: يستند هذا المسار إلى تعهد إيران بالتصعيد ضد قرار الوكالة، وذلك إما عبر رفع مستويات تخصيب اليورانيوم، أو من خلال تنفيذ اعتداءات ضد دول المنطقة. فقد أعلن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، عدم تراجع بلاده خطوة واحدة عن مواقفها بعد قرار الوكالة في إشارة إلى رفضها التعاون مع الوكالة.
كما قد قامت إيران بإبلاغ مدير عام الوكالة بعزمها إغلاق 27 كاميرا لمراقبة نشاطاتها النووية، وهو ما يجعل الوكالة غير قادرة على حساب معدلات تخصيب إيران اليورانيوم، ومن ثم الوقوف على حجم تقدمها على مسار إنتاج كميات اليورانيوم المخصب اللازم لإنتاج القنبلة النووية.
ومن جهة ثانية، يتوقع أن تتجه إيران لتصعيد تهديداتها الإقليمية، وذلك عبر الادعاء بأن دول المنطقة تتعاون مع إسرائيل لتقويض أمنها، ومن ثم اتخاذها ذريعة لاستهداف هذه الدول، على غرار ادعاءاتها المتكررة بأن إقليم كردستان العراق يتعاون مع الموساد الإسرائيلي، ومن ثم تنفيذ عدة اعتداءات ضد أربيل، سواء عبر مهاجمتها بشكل مباشر بالصواريخ الباليستية، كما حدث في 13 مارس 2022، أو بشكل غير مباشر عبر العمليات التي تنفذها ميليشيات عراقية موالية لطهران ضد المدينة.
2- خيار التهدئة: يستند هذا المسار إلى أساس أن قرار الوكالة قد يدفع طهران إلى المضي قدماً في التهدئة وتقديم تطمينات بشأن التعاون مع الوكالة الدولية لطاقة الذرية.
فقد أعرب جروسي أن إجراءات إيران بشأن تفكيك كاميرات المراقبة من منشآتها النووية سيشكل "الضربة القاضية" لجهود إحياء الاتفاق النووي. كما يلاحظ أن واشنطن أرادت من قرار الوكالة الضغط على إيران للقبول بالاتفاق النووي.
وفي المقابل، أعلن وزير الخارجية الإيراني، في اليوم نفسه الذي تبنت فيه الوكالة القرار، أن طهران تقدمت بمقترحات جديدة إلى الولايات المتحدة بشأن إعادة إحياء الاتفاق المبرم في 2015، في بادرة تُشير إلى رغبة إيران في تجنب تحويل ملفها إلى مجلس الأمن، لاسيما في ظل ما يعانيه الاقتصاد الإيراني من صعوبات بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة عليه حالياً، والتي تسببت في احتجاجات شملت قطاعات واسعة من الشعب الإيراني.
3- خيار التنازلات المحدودة: يستند هذا المسار إلى الخبرات الإيرانية السابقة في التعامل مع الوكالة الدولية، إذ إن آخر مرة تمت إدانة إيران من قبل الأخيرة كان في يونيو 2020، وقد دفعها هذا إلى تقديم بعض التنازلات للمفتشين الدوليين.
وعليه، فقد تتجه إيران إلى تقديم بعض التنازلات المحدودة للوكالة الدولية لضمان عدم تحويل ملفها إلى مجلس الأمن، فضلاً عن الحفاظ على الوضع الراهن القائم على تعثر مسار المفاوضات مع استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم، غير أنه من غير المرجح أن يستمر هذا الخيار، خاصة في ظل ضغط إسرائيل على واشنطن لحسم هذا الملف، وتأكيد تل أبيب المستمر أن إيران اقتربت من امتلاك القنبلة النووية.
وفي الختام، يمكن القول إن واشنطن سوف تستخدم قرار الإدانة الصادر من الوكالة ضد إيران للضغط عليها لقبول إحياء الاتفاق النووي، من دون وضع أي عقبات إضافية، وإلا فإن البديل سوف يكون تحويل ملف طهران إلى مجلس الأمن، وإعادة فرض العقوبات بصورة آلية، فضلاً عن إطلاق يد إسرائيل في تنفيذ عمليات تخريبية ضد البرنامج النووي الإيراني. وسوف تتراوح خيارات إيران بين التهدئة والتجاوب مع الضغوط الأمريكية، أو محاولة تقديم تنازلات جزئية لإطالة أمد المفاوضات، والحيلولة دون انهيارها، وبين التصعيد عبر رفع مستويات تخصيب اليورانيوم، وتنفيذ عمليات تخريبية، وذلك لممارسة ضغوط مقابلة على الإدارة الأمريكية.