أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

مصالح الطاقة:

لماذا سارعت ألمانيا إلى استئناف العلاقات الاقتصادية مع السودان؟

10 مارس، 2020


يمثل رفع العقوبات الاقتصادية على السودان خطوة حيوية في سبيل دعم قطاع الكهرباء في البلاد الذي يعاني منذ فترة طويلة من أزمة متكررة بسبب نقص الاستثمارات اللازمة لرفع القدرة الكهربائية، فضلاً عن نقص الوقود اللازم لتشغيل المحطات بسبب شح النقد الأجنبي في البلاد. ومن المنتظر أن يدعم رفع الحظر الاقتصادي الأمريكي على الخرطوم استئناف شراكاتها الاستثمارية في مجال الكهرباء مع دول العالم المختلفة، ولاسيما ألمانيا التي استبقت غيرها من الدول الغربية باستئناف العلاقات الاقتصادية والتنموية مع الخرطوم، في مسعى منها، على الأرجح، لتعزيز حضور شركاتها في السوق السودانية.

صعوبات قائمة:

تعاني السودان من نقص مستمر في القدرة الكهربائية، وبما يتسبب في انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة خلال اليوم، ولاسيما بالمناطق الريفية، وهو ما أضر، على نحو خاص، بنشاط المزارع والمصانع في الفترة الماضية. ووفقاً لبعض التقديرات، فإن شبكات الكهرباء في السودان لا تغطي سوى 40% من احتياجاتها الفعلية البالغة نحو 5 آلاف ميجاوات، بينما لا يزيد إنتاجها، في أحسن الأحوال، عن 2000 ميجاوات.

ومنذ سنوات طويلة، يواجه قطاع الكهرباء ضعفاً ملموساً في الاستثمارات اللازمة سواء لتجديد المحطات القائمة أو لإنشاء أخرى جديدة لزيادة القدرة الكهربائية. إلى جانب ذلك، عانت البلاد، ولاسيما في العامين الماضيين، من نقص في الاعتمادات الأجنبية اللازمة لاستيراد الوقود بما في ذلك الديزل اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية.

ولا تغطي مصفاة الخرطوم، التي تبلغ طاقتها الإنتاجية نحو 100 ألف برميل يومياً، سوى أقل من ثلثى احتياجاتها في المجمل من البنزين والديزل وغاز البروبان، وتقوم البلاد باستيراد الباقي من الخارج لسد احتياجات السوق المحلية، إلا أن الحكومة تواجه صعوبات في استيراد احتياجاتها في ظل شح النقد الأجنبي وارتفاع مديونياتها لصالح الشركات المستوردة.

ويتزامن الوضع السابق مع تناقص إنتاج البلاد من النفط الخام إلى مستوى قدره 60 ألف برميل يومياً مقابل 120 ألف برميل يومياً قبل انفصال جنوب السودان في عام 2011، فضلاً عن نقص الاستثمارات اللازمة لتطوير مصافي التكرير القائمة بجانب توقف بعضها عن العمل.

رفع العقوبات:

تشير اتجاهات عديدة إلى أن قرار الولايات المتحدة الأمريكية، في 4 مارس الجاري، برفع العقوبات الاقتصادية على السودان يعد نقطة تحول فارقة بالنسبة للاقتصاد السوداني الذي واجه صعوبات على مدار أكثر من عشرين عاماً في تسوية المعاملات التجارية والمالية مع دول العالم، وجذب الاستثمارات الأجنبية بسبب الحظر الاقتصادي الأمريكي، وبما تسبب في تكبده خسائر اقتصادية واسعة.

وبموجب قرار وزارة الخارجية الأمريكية في الشهر الجاري، تم رفع كافة العقوبات الاقتصادية على السودان بما في ذلك حظر كان مفروضاً على نحو 157 مؤسسة سودانية، ولم يتبق ضمن العقوبات سوى بعض المؤسسات والأفراد المتهمين بالتورط في أحداث عنف في دارفور.

وكان البنك المركزي السوداني قد تلقى خطاباً، في فبراير الماضي، من مكتب العقوبات بوزارة الخارجية الأمريكية عبر وزارة الخارجية السودانية، يفيد بتأكيد انتهاء كافة أشكال العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان بموجب الأمرين التنفيذيين الأمريكيين 13067 و13412 الصادرين منذ 12 أكتوبر2017.

ومن شأن القرار الأمريكي، الذي قد يستغرق تفعيله بعض الوقت، أن يدعم انخراط السودان مجدداً في النظام المصرفي والمالي العالمي، واستئناف البنوك السودانية علاقاتها بنظيراتها الأجنبية. علاوة على ذلك، فسوف يعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية في السوق السودانية بعد أن امتنعت كثير من الشركات الغربية عن ممارسة أعمال هناك بسبب العقوبات الأمريكية.  

دعم برلين:

قبل رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية بنحو أسبوعين، بدأت ألمانيا في استعادة علاقاتها السياسية والاقتصادية تدريجياً مع السودان، وتمثلت أهم ملامح ذلك في قرار البرلمان الألماني، في 13 فبراير الماضي، باستئناف برنامج التعاون مع السودان في مجال المساعدات التنموية والمتوقف منذ عام 1989 أى لنحو 30 عاماً، وبما يمثل إشارة لإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين.

وقد عبرت الحكومة الألمانية في عدة مناسبات عن دعمها لمتطلبات المرحلة الانتقالية التي تمر بها السودان سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، وتم تناول ذلك خلال زيارات متبادلة بين الجانبين في الأشهر الماضية، ومن أبرزها زيارة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير للخرطوم، في 27 فبراير الماضي. وسبق ذلك زيارة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى العاصمة السودانية على رأس وفد ضم 30 مسئولاً.

ولعل دعم قطاع الكهرباء السوداني كان واحداً من أبرز الملفات المطروحة على أجندة المباحثات التي أجريت بين البلدين في الفترة الماضية، وأسفرت عن تعهد ألمانيا، بحسب المسئولين السودانيين، بإعادة تأهيل مركز التحكم الرئيسي الخاص بشبكة كهرباء السودان.  

وبالتأكيد، فإن مجال الكهرباء يمثل أحد الشراكات المربحة لكلا الطرفين. فمن جهة، ترغب السودان، بلا شك، في إعادة تأهيل وتطوير محطات الكهرباء المتردية أو تأسيس أخرى جديدة، وبمقدورها الاستفادة من الإمكانيات الألمانية الواسعة في هذا المجال، والخبرات السابقة لشركات مثل "سيمنس" و"آيه إيه بي" في العمل بالسوق السودانية، وقد شاركت الأولى في عدة مشاريع لبناء محطات توليد حراري في السودان ومن أبرزها محطة بورتسودان.

وفي الوقت نفسه، يمكن أن تساند ألمانيا بشدة خطى السودان نحو استغلال إمكانيات الطاقة المتجددة المتوافرة لديها، علماً بأن الأولى أحرزت تقدماً تكنولوجياً ملموساً في هذا المجال، كما أن لدى السودان، بحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، قدرات لإنتاج الطاقة المتجددة بمصادرها المختلفة بنحو 1793 ميجاوات، وبما يمكن أن يساعد في تنويع مصادر الطاقة لديها.  

ومن جهة أخرى، تحتاج السودان لبناء محطات توليد كهربائية بطاقة لا تقل عن 3000 ميجاوات في المستقبل، على نحو قد يوفر للشركات الألمانية فرص إبرام صفقات تجارية واستثمارية مغرية بالسوق السودانية، وذلك على غرار اتفاق أبرمته شركة "سيمنس"، في مايو الماضي، مع الحكومة العراقية لتنفيذ خارطة تطوير قطاع الكهرباء في العراق من أجل إضافة 11 جيجاوات بحسب بعض الاتجاهات، بجانب اتفاقات مماثلة مع دول أخرى بالمنطقة.

وختاماً، يمكن القول إن رفع العقوبات الاقتصادية على السودان سيمثل فرصة قوية لتقوية شراكاتها الاستثمارية في مجال الكهرباء مع ألمانيا، وبما سيعود بفوائد مشتركة على الجانبين.