أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

ضغوط متبادلة:

هل تنهار مباحثات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل؟

25 سبتمبر، 2022


تتباين المؤشرات بشأن مستقبل مباحثات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة المبعوث الأمريكي، عاموس هوكشتاين، وذلك إثر التصريحات التصعيدية المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله بشأن حقل كاريش، وسط تلويح من الجانبين بأن الأمور قد تتجه إلى حرب شاملة، إذا لم تتم مراعاة المتطلبات والشروط التي يضعها كل جانب. وفي المقابل، يصرح المسؤولون اللبنانيون وفي طليعتهم الرئيس ميشال عون، بأن مفاوضات الترسيم باتت في مراحلها الأخيرة. 

مؤشرات تصعيد:

كانت الأيام الأخيرة مليئة بالعديد من مؤشرات التصعيد بين إسرائيل وحزب الله بشأن ترسيم الحدود البحرية. وعلى الرغم من أن بعض هذه المؤشرات ليس جديداً، ومنها تهديدات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بشأن الاقتراب من حقل كاريش، فإن تزامن هذه المؤشرات خلال الأيام الأخيرة يجعلها جديرة بالتناول، وهو ما يمكن ذكره فيما يلي:

1- ربط كاريش بمنظومة الأنابيب الإسرائيلية: أعلنت وزيرة الطاقة الإسرائيلية، كارين الحرار، في 16 سبتمبر 2022، بدء الاستعدادات لربط حقل كاريش بشبكة الأنابيب الإسرائيلية تمهيداً لتشغيل المنصة وإنتاج الغاز الطبيعي، لكون هذه المرحلة جزءاً من عملية استخراج الغاز من كاريش المخطط لها في الأيام القليلة المقبلة، موضحة أنه سيجري في هذه الأيام اختبار الحفارة وأنظمة ضخ الغاز من منصة الاستخراج في كاريش إلى شبكة الأنابيب.

ومثّلت هذه التصريحات خطوة إسرائيلية استباقية لفرض الأمر الواقع في حقل كاريش على الرغم من عدم توصل مباحثات ترسيم الحدود التي يقودها المبعوث الأمريكي، عاموش هوكشتاين، بين الطرفين إلى اتفاق حتى الآن، وهو ما يرتبط بشكل كبير بما حاولت إسرائيل إرساؤه من خلال وصول منصة التنقيب إنرجين باور التابعة لشركة إنيرجيان اليونانية إلى حقل كاريش المتنازع عليه في 5 يونيو 2022. ما أثار احتمالات تجدد التوترات في هذه المنطقة.

2- تهديدات متبادلة بين إسرائيل وحزب الله: قوبلت تصريحات وزيرة الطاقة الإسرائيلية بتهديدات مباشرة من جانب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 17 سبتمبر 2022 خلال خطابه بمناسبة "مراسم إحياء أربعينية الإمام الحسين"، قائلاً: "نحن نواكب المفاوضات التي تقوم بها الدولة اللبنانية وعيننا ومعلوماتنا كلها على كاريش، عيننا على كاريش وصواريخنا على كاريش".

ولا تنفصل هذه التصريحات عن الخطوات التي اتخذها حزب الله منذ تجدد النزاع حول كاريش في يونيو الماضي، سواء التهديدات المباشرة التي جاءت على ألسنة قادة الحزب، أو نهج الحزب في إرسال الطائرات المسيرة الاستكشافية للتحليق فوق حقل كاريش؛ لإرسال رسائل إلى الجانب الإسرائيلي بأن الحزب على الرغم من أنه لم يتدخل في المفاوضات، وترك الأمر إلى الدولة اللبنانية برئاساتها الثلاث التي اجتمعت على موقف موحد أبلغته للوسيط الأمريكي بعد فترة طويلة من تشتت وتنوع المواقف، فإنه يراقب الملف بدقة.

ويواجه هذا الأمر برغبة إسرائيلية لتسريع عملية استخراج الغاز، ولذلك كانت هناك تهديدات مماثلة من المسؤولين الإسرائيليين لتأكيد فرضية أن إسرائيل لن تتوانى عن الرد على أي تصعيد من جانب حزب الله، وهو ما يظهر في تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني جانتس، يوم 15 سبتمبر بأن لبنان سيعاني عواقب وخيمة في حال عطّل حزب الله محادثات ترسيم الحدود البحرية، قائلاً "إذا أراد حزب الله تعطيل المحادثات الجارية، فهو مرحب به للقيام بذلك، لكن الثمن سيكون لبنان".

وبناء على ذلك، تتحدث تقارير لبنانية وإسرائيلية عن استعدادات مكثفة لدى الجانبين على المستويات العسكرية والسياسية لاحتمالات نشوب الحرب في أي وقت.

تعقيدات ماثلة:

ترتبط مؤشرات التصعيد المتبادل بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي في الفترة الأخيرة بمستجدات طرأت على المفاوضات غير المباشرة التي يجريها المبعوث الأمريكي خلال جولته إلى المنطقة، والتي شملت تل أبيب وبيروت في الأسبوع الأول من سبتمبر، أو بسياقات داخلية في كل من لبنان وإسرائيل، ومثّلت تعقيدات ماثلة أمام التوصل إلى اتفاق، ومنها ما يلي:

1- المنطقة الآمنة: طرح المبعوث الأمريكي، هوكشتاين، خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت على المسؤولين اللبنانيين مقترحاً إسرائيلياً جديداً لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، بناء على المزج بين الخط 23 الذي اعتمدته لبنان رسمياً لترسيم الحدود، وبين الخط 1 الذي تطالب به إسرائيل. ويتضمن هذا الطرح أن يحصل لبنان على حقل قانا كاملاً مقابل إقامة منطقة آمنة بعمق 6 كيلومترات بين الخطين، على أن تعترف إسرائيل بتبعية هذه المنطقة للبنان ولكنها تبقى تحت إدارة قوات اليونيفيل؛ وذلك لأسباب أمنية.

وأدى هذا الطرح الجديد إلى إعادة الجانب التقني إلى واجهة المفاوضات من جديد بعد أن خفت عقب تنازل لبنان عن الخط 29؛ إذ يمزج هذا الطرح بين ترسيم الحدود البرية وترسيم الحدود البحرية؛ لكون إسرائيل تطالب بأن ينطلق هذا الخط من النقطة التي اصطُلح على تسميتها "بي 1" (B1) عند رأس الناقورة، وهي من النقاط التي أكد لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 للأمم المتحدة تبعيتها له، فيما تراوغ إسرائيل في ذلك، وتُبقي "نفق رأس الناقورة" في هذه النقطة مغلقاً منذ عام 2000. وقد يُرتب الترسيم البحري الجديد تغييرات جوهرية في ترسيم الحدود البرية بين البلدين عامي 1923 و1949. ومن شأن احتدام الخلاف بين الجانبين حول هذا الطرح الجديد أن يُعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر.

2- شروط لبنانية: عبّرت كلمة الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، يوم 17 سبتمبر عما يمكن وصفه بشروط لبنانية مسبقة بشأن حقل كاريش وترسيم الحدود البحرية بوجه عام، فقد قال نصر الله: "لا يمكن أن نسمح باستخراج النفط والغاز من حقل كاريش المتنازع عليه قبل أن يحصل لبنان على مطالبه المحقة"، وهو ما يعني أنه لن يسمح ببدء استخراج الغاز الطبيعي من الحقل إلا بعد التوصل إلى اتفاق. ويعني من ناحية أخرى اشتراط أن يتم حل العوائق كافة التي تحول دون استخراج لبنان للغاز الطبيعي من حقوله الخاصة، وفقاً للاتفاقات الموقعة مع شركة توتال الفرنسية قبل أن يبدأ ذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل.

3- سياقات داخلية: يمثل الوضع الداخلي في كل من لبنان وإسرائيل متغيراً مهماً مؤثراً على المفاوضات. فعلى الجانب الإسرائيلي، تشكل الانتخابات التشريعية المبكرة المزمع إجراؤها في نوفمبر المقبل عاملاً ضاغطاً على القرار الإسرائيلي بشأن التوقيع على الاتفاق؛ فالحكومة الحالية برئاسة يائير لابيد تبدو محاصرة بين أمرين صعبين، الأول هو أن الأوضاع الاقتصادية الحالية في إسرائيل بجانب الأزمة العالمية للطاقة تجعل استخراج الغاز من حقل كاريش ضرورة قصوى بالنسبة للحكومة، خاصة في ضوء الاتفاقات الموقعة بالفعل مع شركة إنرجيان اليونانية، والتي على أثرها وصلت منصة التنقيب إنرجين باور إلى الحقل في 5 يونيو الماضي، وكان من المقرر بدء الاستخراج في منتصف سبتمبر. ولا شك أن هذا الأمر سوف يعزز مكانة لابيد في الانتخابات المقبلة، خاصة في ظل المنافسة الشرسة التي يواجهها من زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو. 

أما الأمر الثاني فهو أن توقيع الاتفاق مع لبنان بما يتضمنه ذلك من التنازل عن حقل قانا سوف يخصم من الرصيد الانتخابي ليائير لابيد بوصفه قد يُسوق من جانب المعارضة بأنه تنازل عن حقوق إسرائيلية.

أما على الجانب اللبناني، فإن الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد في ضوء عدم تشكيل حكومة حتى الآن وتعقد المشاورات بين رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي، والرئيس ميشال عون، علاوة على عدم حسم ملف انتخابات الرئاسة حتى الآن، واحتمالات أن تدخل البلاد في فراغ رئاسي بنهاية أكتوبر، كلها عوامل تدفع في اتجاه تعقيد التوصل إلى اتفاق، وعلى وجه الخصوص، ما يتعلق بالتوقيع على هذا الاتفاق؛ إذ إن الحكومة الحالية برئاسة ميقاتي في وضع تصريف الأعمال، ولن يكون بمقدورها التوقيع على الاتفاق، فضلاً عن إمكانية حدوث فراغ رئاسي، وهو ما سينعكس سلباً على مستقبل المفاوضات.

وفي الختام، على الرغم من أن هناك مؤشرات عديدة تدل على تبلور خلافات حادة في مواقف الأطراف، وسعي كلا البلدين إلى استثمار قضية ترسيم الحدود البحرية في التطورات الداخلية، فإنه من الواضح أن كلا الطرفين حريص على التوصل إلى اتفاق ولا يسعى إلى تصعيد الخلافات بشكل أكبر والوصول إلى نزاع عسكري بالنظر إلى العوائد الاقتصادية المرجوة من وراء توقيع الاتفاق وبدء استخراج الغاز. 

وعلى الرغم من وجود صعوبات تعوق حسم المفاوضات، فإن الظروف المحيطة بالتفاوض في الوقت الحالي تدفع إلى التهدئة المرحلية وعدم التصعيد، وهو ما يشير إليه تراجع إسرائيل عن ربط كاريش بمنظومة الأنابيب بعد تهديدات حزب الله، وإرجاع الأمر إلى أسباب تقنية، وتأجيل الموعد المقرر للاستخراج إلى منتصف أكتوبر لتمرير الوقت وعدم إعطاء فرصة لحزب الله لإثارة صراع.