أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

مهندسو الجهاد:

في دراسة العلاقة بين التعليم والتطرف العنيف

04 يوليو، 2016


إعداد: أحمد عبدالعليم

تعد دراسة التطرف وبحث أسبابه والظواهر المرتبطة به من الموضوعات المطروحة بقوة خلال الفترة الأخيرة، ومن أبرز الكتب الصادرة في هذا الصدد هو كتاب بعنوان "مهندسو الجهاد: العلاقة بين التطرف العنيف والتعليم"، وهو من تأليف كل من "دييجو جامبيتا" Diego Gambetta، أستاذ علم الاجتماع في معهد الجامعة الأوروبية بفلورنسا، وحاصل على الدكتوراه في العلوم الاجتماعية والسياسية من جامعة كامبريدج البريطانية، وعمل أستاذاً زائراً بجامعة شيكاغو، و"ستيفين هيرتوج" Steffen Hertog، أستاذ مشارك في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.

ويتناول الكتاب علاقة تخصص الهندسة بالانضمام للجماعات المتطرفة سواء في البلدان الإسلامية أو الغرب، محاولاً تقديم تفسير لما يمكن تسميته ظاهرة "تطرف المهندسين" ووجود عدد كبير من المهندسين في الجماعات المتطرفة العنيفة، فضلاً عن تسليط الضوء على التطرف المرتبط بالأيدولوجيا.

وقد توصل الكتاب إلى عدة نتائج رئيسة، لعل أبرزها أن نسبة كبيرة من المتطرفين الإسلاميين هم جامعيون ذوو خلفية هندسية، وأن انتشار المهندسين المتطرفين في بعض الدول الإسلامية مرده الإحباط والحرمان النسبي، وبالتالي فإن وجود التنمية والفرص الوظيفية من العوامل المساعدة على الحصانة ضد التطرف. كذلك، فإن العوامل المشتركة التي تربط بين المهندسين والتيار اليميني أكبر من نظيرتها بين المهندسين وتيار اليسار الراديكالي.

التطرف والهندسة في العالم الإسلامي

يعتمد الكتاب بشكل أساسي، في بحث العلاقة بين التطرف والتعليم في بعض البدان الإسلامية، على دراسة عينة مكونة من (497) شخصاً من الجماعات المتطرفة، وذلك استناداً إلى مصادر متنوعة؛ منها كتابات أكاديمية، ووثائق حكومية، بالإضافة إلى مسح يومي شامل للصحف الدولية وفي الشرق الأوسط خلال الفترة من عام 2004 حتى عام 2010.

ويبرز معدو الكتاب أن هناك بيانات تعليمية متوفرة لعدد (335) من إجمالي العينة محل الدراسة، وأنه بالاطلاع على ملفاتهم، وجدوا أن الغالبية منهم قد أتموا التعليم العالي أو مازالوا فيه وعددهم يبلغ (231) فرداً أي بنسبة حوالي (%69) من العينة. وفيما يتعلق بطبيعة التخصص العلمي، هناك بيانات توفرت لعدد (207) أفراد، وُجد أن منهم (93) تخصصوا في الهندسة، بينما حوالي (38) شخص كانت تخصصاتهم في الدراسات الإسلامية، في حين أن الأعداد الأقل كانت في تخصصات أخرى، كالتالي: عدد (21) تخصصوا في الطب، و(12) في الاقتصاد، و(8) في الرياضيات والعلوم، و(5) في القانون، والبقيّة من تخصصات أخرى متنوعة.

وحسب النتائج التي تضمنها الكتاب، فإنه من بين (93) خريج هندسة متطرفاً، هناك (38) منهم قيادات في الجماعات المتطرفة؛ أي بنسبة حوالي (%41).

ويضيف الكتاب أن ثمة مؤشرات قوية على وجود علاقة بين التطرف ودراسة الهندسة، وهو أمر لا يقتصر على الوقت الراهن، ولكنه يمتد إلى عقود مضت، وضرب أمثلة عديدة على ذلك، منها أن مُنفذي هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة كان من بينهم ثمانية مهندسين. كذلك ظهرت في مصر، خلال سبعينيات القرن الماضي، مجموعة متطرفة تسمى "جماعة التكفير والهجرة" بقيادة "شكري مصطفى"، وكان مهندساً زراعياً.

وفيما يتعلق بعدد المتطرفين المنتمين لبعض الدول العربية، وفق العينة الكاملة للدراسة البالغ عددها (497)، فإن فلسطين جاءت في المرتبة الأولى بعدد (128) شخصاً، وبعدها مصر بعدد (88) شخصاً. كما يشير الكتاب إلى أنه ظهر في المملكة العربية السعودية عدد قليل من المهندسين بين صفوف المتطرفين، وهذا مرده أن المهندسين في المملكة تمتعوا بفرص ممتازة في سوق العمل بفضل قطاعات النفط والغاز والصناعات الثقيلة في البلاد.

التطرف ودراسة الهندسة في الغرب

من أجل التحقق من العلاقة بين التطرف ودراسة الهندسة في الغرب، تم اختبار عينة مكونة من (344) من المتطرفين الإسلاميين الذين ولدوا ونشأوا في الغرب، بينهم (338) من الذكور، وتشمل العينة أفراداً تورطوا بالفعل في أعمال متطرفة سواء بحكم من محكمة أو قُتلوا أثناء العمليات الإرهابية أو خططوا لعمليات إرهابية، سواء ناجحة أو تم إحباطها. وتأتي الولايات المتحدة، ثم المملكة المتحدة، وإسبانيا، وفرنسا، على الترتيب كأكثر الدول التي تُمثَّل فيها هذه العينة.

وتم توفير بيانات علمية عن حوالي (122) فقط منهم، وكان (9) منهم أقل من التعليم الثانوي، و(30) أتموا مرحلة التعليم الثانوي فقط، في حين دخل (83) منهم الجامعة أو حصل على الشهادة الجامعية. ووفقاً للنتائج، فإن نحو (%79) من الجامعيين المتطرفين في الغرب جاءوا من كليات مرموقة، والمفارقة أن أغلبهم من التخصصات الهندسية.

تفسير ظاهرة تطرف خريجي الهندسة

يحاول الكتاب تقديم تفسير لكون خريجي الهندسة أكثر ميلاً للتطرف مقارنةً بالتخصصات الأخرى، ويرجع ذلك إلى حالة الإحباط الفردي أو الجماعي التي يُمنى بها خريجو كليات الهندسة في كثير من الدول الإسلامية، حيث لا يجد هؤلاء الخريجون فرصة لتحقيق أحلامهم في الحصول على وظائف جيدة. أي أن اجتماع عاملي (الطموح ثم الصدمة) قد يؤدي إلى انتشار التطرف.

ويؤكد الكتاب أن الظروف الاجتماعية ليست كافية بأي حال من الأحوال لتفسير الربط بين التطرف وتخصص الهندسة، حيث أن الغرب يوجد به وضع اقتصادي وفرص أفضل مما عليه الوضع في عدد من البلدان الإسلامية، ومع ذلك يوجد متطرفون في الغرب. ولذا فإنه يمكن اعتبار السمات الشخصية والدوافع والميول النفسية المختلفة هي أيضاً وراء التوجُّه نحو التطرف.

الهندسة واليمين المتطرف

يشير الكتاب إلى أن التطرف لا يرتبط بالدين فقط، ولكنه يرتبط بالأيدولوجيات أيضاً. وفي هذا الصدد، يفترض الباحثان، من خلال ما تم تجميعه من بيانات ومعلومات، أن العوامل المشتركة التي تربط بين المهندسين والتيار اليميني المتطرف أكبر بكثير من العوامل المشتركة بين هذه الفئة والتيار اليساري الراديكالي.

ويطرح الكتاب عدة أمثلة على اليمين المتطرف في ألمانيا والنمسا وروسيا والولايات المتحدة، حيث يتضح انتشار تخصص الهندسة بشكل أوسع بين اليمينيين المتطرفين.

* عرض مُوجز لكتاب عنوانه: "مهندسو الجهاد: العلاقة بين التطرف العنيف والتعليم"، والصادر في مارس عام 2016.

المصدر:

Diego Gambetta and Steffen Hertog, Engineers of Jihad: the curious connection between violent extremism and education, (USA: Princeton University Press, March 2016) pp 208.