أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

دوائر صلبة:

ما هي أهم عشرة تحديّات أمام الرئيس الإيراني بزشكيان؟

12 يوليو، 2024


يأتي الإعلان عن فوز الرئيس الإيراني المُنتخب مسعود بزشكيان، والذي ينتمي إلى التيار الإصلاحي، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 5 يوليو 2024، في وقتٍ تشهد فيه الساحة الداخلية والخارجية في إيران تحديات جمّة ربما لم ترد في تاريخ الجمهورية الإسلامية منذ الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. 

وتصنع هذه البيئة السياسية الداخلية والخارجية التي يواجهها بزشكيان تحدياتٍ قويةً أمام حكمه المُرتقب وأمام تصدّر التيار الإصلاحي للمشهد السياسي في إيران في الوقت نفسه؛ إذ إن نجاح بزشكيان في عبور هذه التحديات من عدمه سيحدد مدى نجاح وفعالية رئاسته لإيران وإحداثه تغييراً في سياسات بلاده داخلياً وخارجياً. 

تحديات داخلية: 

تتمثل أبرز التحديات الداخلية في إيران، والتي سيضطر بزشكيان لتطويعها أو الصدام معها خلال الفترة المقبلة فيما يلي:

1-  تشكيل الحكومة: من المُرجح أن يواجه الرئيس الإيراني المُنتخب تحدياً يتعلق بتشكيل حكومته؛ إذ يقتضي تشكيل الحكومة في إيران، أن يوافق عليها مجلس الشورى (البرلمان)، وفي حين أن الأخير مُهيمن عليه من جانب الأصوليين؛ فإن الأمر يزداد تعقيداً في حال كانت الحكومة التي ينتوي بزشكيان تشكيلها من الإصلاحيين والمعتدلين، أو حتى من التكنوقراط غير المُسيّسين؛ إذ من المرجح ألا يصوّت البرلمان الحالي لصالح العديد من الشخصيات الإصلاحية لشغل مقاعد الوزارات، وهذه الخلافات الخطرة ستكون التحدي الأكبر للرئيس المنتخب في الأيام المقبلة.

2- سيطرة الأصوليين على مفاصل الدولة: تتزامن رئاسة بزشكيان المرتقبة لإيران مع سيطرة أعضاء التيار الأصولي المتشدد في البلاد على جميع أجهزة الدولة، ما يُعد بمثابة تحدٍّ قد يعوق عمله في الحكم واتخاذه القرارات سواء الداخلية أم الخارجية، مثل تلك المتعلقة بالاتفاق النووي مع القوى الكبرى؛ إذ يقود الأصوليون في الوقت الراهن المؤسسات السياسية المتمثلة في البرلمان ومجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام، والمناصب الدينية الرئيسية الأخرى ومؤسسة بيت المرشد نفسها؛ ما يعني أن بزشكيان محاصر في بيئة عمل لا تتوافق مع رؤى تياره الإصلاحي وقد تهدد سير عمل حكومته أو اتخاذه لقرارات مُهمّة أو مصيرية.

وفي ظل هذه البيئة سيكون أمام بزشكيان خياران: إما المهادنة أو الصدام مع الأصوليين. وقد يلجأ بزشكيان إلى الخيار الأول، على الأقل في البداية؛ ذلك لأن بزشكيان من ناحية قد صرّح في أكثر من مرة أنه لا يريد الخلاف أو الصدام وأعلن التزامه بمبادئ الثورة، ويبدو من تصريحاته عدم ميله إلى الصدام. 

ومن ناحية أخرى، يُرجَّح أن يميل الأصوليون والأجهزة التي يُسيطرون عليها إلى عدم الصدام الحاد مع بزشكيان؛ لتمتعه بشعبية بين كثير من المواطنين في إيران الذين عبروا عن دعمهم الواضح له خلال الأيام التي سبقت عقد جولتيْ الانتخابات، كما أن الصدام مع بزشكيان من جانب الدولة الإيرانية قد يستفز الأقليات في إيران، خاصة الأقلية الأذرية التي ينتمي إليها الرئيس المُنتخب. وعلاوة على ذلك، فإن الأجهزة الإيرانية النافذة قد لا تلجأ إلى المواجهة الشديدة؛ لتجنب عدم الاستقرار السياسي أو إثارة الشارع في ظل لحظة حرجة تبدو انتقالية في عمر النظام الإيراني تشمل الترتيب والإعداد لـ"مرحلة ما بعد خامنئي".

3- احتمالية عدم تعاون الأجهزة العسكرية والأمنية: تبرز أمام بزشكيان تحديات رئيسية مُهمّة أخرى تتمثل في احتمالية عدم تعاون الأجهزة الأمنية والعسكرية معه خلال فترة حكمه؛ وهي التي كانت تفضّل فوز المرشح سعيد جليلي في الانتخابات الأخيرة؛ إذ تختلف رؤى التيار الذي يتبعه بزشكيان مع رؤى قيادات هذه الأجهزة العسكرية والأمنية والاستخباراتية؛ ما قد يؤدي لوجود أكثر من مُتخذ قرار في آن واحد داخل الحكومة الإيرانية. 

وإذا كان عدم تعاون المؤسسات السياسية مع حكومة بزشكيان المُرتقبة قد يقود لتعطيل قراراته وعمل حكومته؛ فإن عدم تعاون المؤسسات الأمنية قد يقود لخروقات كبيرة في الدولة وعدم فعالية أداء وعمل الحكومة وعدم التنسيق بين مؤسسات السلطة التنفيذية التي تشمل الرئيس والوزراء والأجهزة الأمنية الأخرى.

4- إرث سياسات الرئيس السابق والوضع الاقتصادي القاتم: يواجه الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان إرثاً سياسياً واقتصادياً مليئاً بالتحديات، كانت توجهات الحكومة السابقة إحدى عوامله. فعلى المستوى السياسي، سيضغط الشعب على الحكومة المرتقبة من أجل تغيير بعض القوانين والقرارات التي اتخذتها الحكومة السابقة بشأن قضايا سياسية مُختلفة من أبرزها "الحجاب الإجباري" والمرأة وعودة شرطة الأخلاق بعد إلغائها في ديسمبر 2022، وتقييد الوصول إلى الإنترنت، وهي ملفات يضعها الشعب والمواطن نصب عينيه، وسيكون على الرئيس المنتخب بزشكيان التعامل معها، خاصة بعد الدعم الذي حظي به من جانب كثير من المواطنين.

وعلى الجانب الآخر، يواجه بزشكيان حالة اقتصادية مُتردية في الداخل من حيث ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتراجع العملة المحلية لتصل إلى 60 ألف تومان مقابل كل دولار أمريكي؛ ما يحمّله مسؤولية كبيرة أمام الناخبين ويضعه أمام تحدي إمكانية إحداث نمو اقتصادي من عدمه خلال السنوات الأربع المقبلة في ظل عدم تعاون محتمل من جانب المؤسسات الحكومية على النحو المُشار إليه.

5- اختبار قوي لمستقبل التيار الإصلاحي: لعل من أبرز التحديات غير المباشرة أمام حكم الرئيس المنتخب بزشكيان داخلياً هي مدى نجاح حكومة الإصلاحيين الجديدة في اختبار شعبية التيار الإصلاحي برمته في الشارع الإيراني؛ إذ إن قسماً كبيراً من المواطنين في إيران قد أبرزوا عدم توافق مع سياسات الأصوليين وفضّلوا دعم وتنصيب حكومة إصلاحية بُغية الخروج من الوضع الحالي؛ ما يعني أن فشل حكومة بزشكيان في تحسين الوضع الاقتصادي والحريات السياسية المختلفة سيمثل ضربة لمُستقبل التيار الإصلاحي سياسياً.

ومن جهة أخرى، فإن اختيار بزشكيان، يُعد في جزء منه، ليس اختياراً لشخصه؛ إذ إنه لم يكن معروفاً من قبل، وجاء من الصفوف الخلفية للإصلاحيين؛ بما يعني أن اختياره جاء على أساس أنه ينتمي للتيار الإصلاحي، ودعمّته أغلب الرموز الإصلاحية والمعتدلة في إيران؛ لذا فإن سمعة الإصلاحيين والمعتدلين قد تكون مرهونة بشكل كبير بمدى نجاح حكومة بزشكيان. 

عقبات خارجية:

على الرغم من ترحيب الدول الغربية بفوز رئيس إصلاحي عقب فترة من التوتر الشديد إبان حكم الرئيس الأصولي السابق، إبراهيم رئيسي، فإن حكم الرئيس المنتخب لإيران حديثاً مسعود بزشكيان سوف يواجه عدداً من التحديات الخارجية نتطرق إليها فيما يلي:

1- إحياء المفاوضات النووية: تمثل العودة للاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع القوى الكبرى في 2015، التحدي الرئيسي أمام حكومة الإصلاحيين المُقبلة برئاسة مسعود بزشكيان، وذلك في ضوء استمرار الانتهاكات الإيرانية لبنود الاتفاق، والوصول ببرنامجها النووي إلى مستويات شبه عسكرية، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في مايو 2018. 

وستكون تسوية هذا الملف بمثابة مفتاح لحل الكثير من الملفات الأخرى المنوطة بحكومة بزشكيان، سواء على المستوى الداخلي أم الخارجي، كما صرّح بذلك بزشكيان نفسه في حملته الانتخابية؛ إذ سينعكس التوصل إلى اتفاق نووي على حالة الاقتصاد والمعيشة في إيران وعلى علاقات طهران مع الأوروبيين والولايات المتحدة.

وسيجد بزشكيان نفسه مضطراً لتنفيذ قانون أصدره البرلمان الإيراني في 2020، يقضي بأن تستمر طهران في تصعيدها النووي، طالما استمر فرض العقوبات عليها، إلا أن هذا لا يعني أن النظام الإيراني غير راغب في العودة للاتفاق، بغية رفع نير العقوبات التي أثرت في الأوضاع الاقتصادية؛ ومن ثم شرعيته في الداخل، وربما جاء الكشف عن المباحثات غير المباشرة التي أجراها مسؤولون إيرانيون مع مسؤولين أمريكيين في سلطنة عُمان، خلال شهري يناير ومايو الماضيين؛ ليعكس تلك الرغبة.

2- احتمالية فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية: يُمكن أن يهدد نجاح الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب، مرة أخرى، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر 2024 العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة؛ ومن ثم عدداً من الملفات المشتركة من بينها البرنامج النووي والاتفاق المتوقع ذي الصلة. وقد يقود ذلك أيضاً إلى إحجام بزشكيان وحكومته المتوقعة عن التقارب مع الولايات المتحدة وربما فشلها في تحقيق بعض الطموحات والأهداف الخارجية، والتي من بينها الانفتاح على الغرب والتوصل لاتفاق نووي.

3- مساعٍ أوروبية لتصنيف الحرس الثوري مُنظمة إرهابية: يواجه بزشكيان تحدياتٍ في علاقات بلاده مع دول الاتحاد الأوروبي لعدد من الأسباب أبرزها مؤخراً مساعي بعض هذه الدول إدراج الحرس الثوري على قوائم المنظمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد إقرار البرلمان الأوروبي هذا التصنيف في يناير 2023؛ الأمر الذي يؤثر في علاقات طهران بدول الاتحاد الأوروبي، والتي بدأت تأخذ منحى تصعيدياً منذ اتهام تلك الدول لإيران بإمداد روسيا بالطائرات المسيرة والصواريخ التي تستخدمها الأخيرة في حربها ضد أوكرانيا، هذا إلى جانب قضية تهديد بعض الوكلاء الإيرانيين في منطقة الشرق الأوسط للتجارة الأوروبية عبر الإقليم والأنشطة الأمنية الإيرانية على الأراضي الأوروبية.

يُضاف إلى ذلك صعود عدّة أحزاب قومية مُتطرفة للحكم في عدد كبير من دول القارة الأوروبية مثل: فرنسا وإيطاليا والمجر، وهو ما بات يُنذر بحدوث تحوّل كبير في سياسة هذه الدول الخارجية؛ ومن ثم الاتحاد الأوروبي، إزاء العديد من الملفات التي من بينها قضايا الشرق الأوسط وإيران. 

وقد يتمكن بزشكيان، في ظل استعداد أوروبي، من تحسين علاقات إيران مع دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وقد تميل هذه الدول لعدم تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية في هذه الحالة، كما أن إدراك الاتحاد عدم مقدرة بزشكيان عملياً على منع تعاون بلاده عسكرياً مع روسيا ضد أوكرانيا؛ نظراً لأن تلك القرارات ليست في الغالب في سلطة الرئيس، قد يدفعه لتخطي مثل هذا الملف والدفع باتجاه انفتاح إيراني على دول الاتحاد الأوروبي.

4- التوترات في المنطقة: من المرجح أن تستمر السياسات الإقليمية في المنطقة كما هي، في ضوء أن الدور الإقليمي لإيران هو إحدى الركائز التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية. وتأتي رئاسة بزشكيان المُرتقبة في ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما تبعها من تصعيد في جبهات أخرى في لبنان والبحر الأحمر على خلفية تلك الحرب؛ وهو ما يرجح استمرار انخراط إيران في أزمات المنطقة؛ الأمر الذي قد يُفضي إلى تدخلها في شؤون المنطقة ودولها؛ ومن ثمّ مزيد من التوتر في علاقتها ببعض تلك الدول. 

5- الفتور في العلاقة مع أفغانستان: ليس من الواضح ما إذا كان بزشكيان سوف يتخذ موقفاً أكثر تصالحاً مع حكومة طالبان في أفغانستان، أم لا، وذلك في ضوء الملفات الخلافية العديدة بين طهران وحكومة طالبان، ومنها على سبيل المثال، عدم الاعتراف بحكومة طالبان وتجدد الاشتباكات الحدودية وقضية المياه والمهاجرين الأفغان في إيران وغيرها. 

وفي التقدير، يمكن القول إن التحديات الداخلية في إيران لا تنفصل عن تلك الخارجية؛ إذ تترابط وتتشابك معاً. فإذا تمكن الرئيس المنتخب بزشكيان من عبور التحديات الداخلية، فإن التحديات الخارجية ستكون أقل تهديداً وسيمنحه ذلك مجالاً وحرية واسعة للعمل واتخاذ القرارات الخاصة بالشؤون الخارجية. وعلى سبيل المثال، إذا استطاع بزشكيان التصالح مع الأصوليين في البرلمان الإيراني وعدم الصدام معهم؛ ستكون عملية التفاوض النووية مع القوى الكبرى والتوصل لاتفاق نووي أكثر سهولة وأسرع على النقيض من حالة المواجهة بين الطرفين في مثل هذا الملف.