أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

مجالات واسعة:

جدوى الاستثمار في سوق الفضاء الخارجي

01 سبتمبر، 2022


عرض: سالي يوسف

يمثل الاستثمار في اقتصادات الفضاء الخارجي، أحد المجالات التي تشهد تنافساً دولياً متنامياً، إذ سعت العديد من الدول، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في هيئة الفضاء الأمريكية (USSF) ووزارة الدفاع الأمريكية (DoD) إلى تعزيز قدراتهم في مجال اقتصاد الفضاء، كجزء من أهدافهم السياسية لدعم صناعة الفضاء، وحماية الأمن القومي، وخلق بنية تحتية قوية بالفضاء.

في هذا الإطار، تأتي أهمية تقرير مؤسسة راند الصادر في العام 2022 حول "قدرات الفضاء التجارية، ونظرة عامة على السوق: العلاقة بين التطورات الفضائية التجارية ووزارة الدفاع الأمريكية"، إذ تناول التقرير، الذي كتبه كل من إيمي يونكورا، وبريان دولان، ومون كيم، وكريستا روميتا جروشولسكي، ورازا خان، ويول كيم، نظرة عامة حول اتساع مجالات اقتصاد الفضاء والعائد التجاري منها.

وسلَّط التقرير الضوء على التغييرات الأخيرة في القطاعات الأكثر أهمية لوزارة الدفاع الأمريكي، كما قدَّم تقييمًا للشركات والعناصر الفاعلة والجديدة والناشئة التي ستنمو خلال السنوات المقبلة في مجال اقتصاد الفضاء، وتكمن أهمية التقرير في وضعه إطاراً تحليلياً لإجراء تقييم منهجي وشامل للفوائد والمخاطر والتكاليف المرتبطة بخيارات اقتصاد الفضاء.

مجالات وإمكانات:

تناول تقرير "راند" مجالات اقتصاد الفضاء المختلفة والإمكانات التي يتمتع بها لفتح مجالات أخرى متعددة، سواء لصالح القطاع الحكومي أو لصالح الشركات الناشئة، ومن أبرزها ما يلي:

1) صناعة الأقمار الصناعية: ويعود تاريخ هذه الصناعة لعام ١٩٦٠، حيث حقق هذا القطاع حوالي ٢٤,٤ مليار دولار خلال عام ٢٠١٨ بتقديم خدمات مثل التليفزيون والراديو عبر الأقمار الصناعية، على النطاق العريض، أما على النطاق الضيق، فقد قدَّم خدمات لبعض المستهلكين والشركات الخاصة والحكومات في جميع أنحاء العالم.

وذكر التقرير أن الحكومة الأمريكية تعد هي العميل الأبرز والأقدم في مجال صناعة الأقمار الصناعية، إذ دخلت المجال لتحقيق أهداف وعوائد تجارية، إلا أنه منذ عام 2014 وحتى عام 2018 أصبحت تلك الصناعة لا تعتمد فقط على القطاع الحكومي، حيث شكَّلت الإيرادات من القطاع الحكومي العالمي 21% فقط من إجمالي إيرادات مجموع الشركات الكبرى في هذا المجال، وأكد التقرير أن هذا المجال شهد عدداً من التطورات والتغيرات التكنولوجية وفي محركات السوق المختلفة خلال السنوات الأخيرة بهدف زيادة السعة الإجمالية وسرعة نقل البيانات وإمكانية الوصول إليها، ومع زيادة الطلب على البيانات المستمدة من تلك الأقمار الصناعية بشكلٍ عام، أصبحت القدرة الاستيعابية لأهداف تجارية في هذا المجال تتزايد بوتيرة كبيرة.

ووفقاً لراند، فإن إجمالي القدرة الاستيعابية التي تقدمها الأقمار الصناعية المتحركة التابعة للشركات الكبرى المتعاقدة حالياً مع وزارة الدفاع الأمريكي تقدر بنحو 254 جيجابت في الثانية، ووصلت إلى 5600 جيجابت في الثانية خلال عام 2022، ومن هذه الشركات: Bonds وCamm وWillcox، علاوة على ذلك، ستضيف التطورات في مشروع مجموعات NGSO التجاري (مشروع الأقمار الصناعية المتحركة بشكل مستمر في المدارات حول الأرض) حوالي 22000 جيجابت في الثانية من سعة التغطية التي تقدمها الأقمار المتحركة على مستوى العالم، وذلك على النطاق الأكبر في المستقبل القريب.

2) نقل الأقمار الصناعية للفضاء: يعتمد هذا المجال على توفير وسائل النقل اللازمة لتنفيذ إطلاق ونقل الأقمار الصناعية للفضاء، وذلك للقطاعات التجارية المعنية كافة، وهو ما يجعله ذا أهمية كبيرة للعمليات الفضائية العسكرية والمدنية والتجارية الأمريكية، إذ تُشير راند إلى أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي تسلط الضوء على أهمية الوصول المضمون إلى الفضاء.

وأشار التقرير إلى أن معدل فشل إطلاق الأقمار الصناعية هو مؤشر مهم على جدوى وقوة شركات النقل للفضاء، فالكثير من الإخفاقات تضر بموثوقية الخدمة ويمكن أن تُجبر الشركة على الخروج من السوق، وفي ظل المنافسة المتزايد في سوق الفضاء خاصة مع دخول المزيد من الشركات للمجال، فإن العملاء أصبح لديهم الآن المزيد من الخيارات، ومع تحسن التقنيات في ضمان الجودة وسلامة البعثات باستمرار، تتناقص معدلات فشل الاطلاق.

3) الاستشعار عن بُعد: وهو مجال يتعلق بالقدرة على الحصول على المعلومات من مسافة بعيدة، حيث يمكن لأقمار الاستشعار عن بُعد أن تستضيف أجهزة الاستشعار، كالرادار ومقاييس اتجاه الرياح وسرعتها، فضلاً عن أجهزة الاستشعار الأخرى بالأشعة المنعكسة، مثل أجهزة قياس الإشعاع ومقاييس الطيف وموجات الضوء. 

وفي أوائل عام 2020، كان هناك حوالي 225 من الأقمار الصناعية التي تعمل بالاستشعار عن بُعد في المدار، وهي زيادة كبيرة مقارنة بعدد الأقمار الصناعية الــ ٢٥ التي كانت تعمل في عام 2010. وبدأت تلك الزيادة الملحوظة في عدد الأقمار الصناعية المعنية بالاستشعار عن بعد في عام 2013، ويعود هذا النمو الهائل إلى استخدام أعداد أكبر من الأقمار الصناعية الصغيرة من قبل الشركات الناشئة مقارنة بمقدمي الخدمات والأقمار الكبيرة، مثل DigitalGlobe الذين استخدموا أعداداً أقل من الأقمار الصناعية ولكن ذات قدرات عالية.

4) المراقبة البيئية: يختص هذا المجال بمتابعة حالة الطقس الجوية والبحرية وإمداد الجهات المعنية بهذه البيانات، ويعتمد في الأغلب على شركات ناشئة تقوم بالرصد البيئي، وتعتمد بشكلٍ كبير على التمويل الحكومي وبالتالي تركز في مهماتها على الرصد البيئي الحكومي.  ويشير تقرير "راند" إلى أنه من أبرز الشركات الناشئة في هذا المجال تلك التي عملت على جمع البيانات البيئية للنظام العالمي للملاحة عبر الأقمار الصناعية (GNSS-RO)، والتي يمكن الاسترشاد بها في التنبؤات الجوية الأرضية ومراقبة المناخ وطقس الفضاء، لكن التقرير أشار أيضاً إلى أن جدوى هذه البيانات لا تزال قيد المناقشة من قبل وزارة الدفاع والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.

وأكد التقرير أن التكلفة الباهظة لإرسال قمر صناعي متكامل للرصد البيئي تعد أحد العوائق التي تحول دون التوسع في هذا المجال، إضافة إلى تذبذب الطلب من قبل الجهات الحكومية وغير الحكومية على هذه البيانات.

5) التوعية بمجال الفضاء: في ظل تنامي عدد الشركات والدول المهتمة بزيادة الوعي المجتمعي بمجال الفضاء، أصبحت هناك فرص أكبر لتقديم تلك الخدمة، وينقسم مجال التوعية بالفضاء إلى ثلاثة محاور وهي جمع البيانات، ومعالجة البيانات، ومشاركة البيانات.

وأكد التقرير أن هذا المجال يوفِّر البيانات الأساسية لاقتصاد الفضاء كالوضع الراهن، والتصورات المستقبلية أو التنبؤات بأي تهديدات في الفضاء مع توصيف الأجسام الفضائية، وبيئة العمل التي تتم فيها العمليات الفضائية، مشيراً إلى أنه يمكن أن تشكل كل من الأقمار الصناعية النشطة والحطام المداري من الاصطدامات السابقة في الفضاء تهديدات لممارسة الأقمار الصناعية دورها.

6) نقل واستقبال البيانات: يعتمد هذا المجال على شبكة محطات الهوائي الأرضي التي تؤدي وظائف الإرسال والاستقبال مع المركبات الفضائية، وهي تسمى بالمحطات الأرضية (GSaaS)، ويمكن استخدام هذه الشبكة المعلوماتية لنقل بيانات البعثات الفضائية، ودعم عمليات إطلاق الأقمار الصناعية، والاستشعار عن بُعد عبر الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى تتبعها والسيطرة عليها. 

وتناول التقرير أبرز المعايير التي يتم من خلالها تقييم شركات (GSaaS)، مثل حالة شبكة المحطة الأرضية، ونطاقات التردد المتاحة، وأنواع العملاء الذين يستهدفون العمل من خلالها، ومن ضمن معايير قياس حالة شبكة المحطات الأرضية أيضاً، عدد المحطات الأرضية التشغيلية، والمحطات الهوائية التشغيلية، والخطط قريبة الأجل لعمل محطات أرضية أو هوائية إضافية، والمواقع الجغرافية الموجودة بها المحطات الأرضية، ووفقًا لراند، سيكون من الضروري في المستقبل متابعة مدى تمكن الشركات العاملة في الفضاء من عقد الاتفاقات مع الحكومة وتوسيع قاعدة العملاء للنظر في مدى استمراريتها في هذا المجال.


7) لوجستيات الفضاء: وهو مجال يشمل مجموعة من الخدمات اللوجستية التي تدعم المجالات الأخرى المعنية بالعمل في الفضاء، ومن أمثلته البارزة مستودعات الوقود الدافع، وإزالة الحطام الفضائي، وخدمة الأقمار الصناعية، والفحص، والإصلاح، والتغيير المداري، وتؤكد "راند" أن ناسا NASA)) وداربا (DARPA) في الولايات المتحدة الأمريكية تطوران مركبات خدمية، تسمى (OSAM-1) وروبوت يسمى (RSGS) لخدمة الأقمار الصناعية في المدار الفضائي، مشيرة إلى تنوع تلك الشركات التي تعمل على تطوير السوق من حيث الحجم والنوع، بدءاً من المقاولين الحكوميين الكبار إلى الشركات الناشئة التي تعمل بالأكثر على تطوير تقنيات محددة مطلوبة لتطوير المجال، مثل أجهزة الاستشعار RPO)) والروبوتات.

وأفاد تقرير "راند" بأن مسؤولي الأقمار الصناعية التجارية يعتمدون في قياسهم لاستراتيجياتهم الاستثمارية على الفوائد والتكاليف والمخاطر المرتبطة بمركبات الخدمة الموجودة في المدار، هذا إلى جانب ظروف السوق الحالية من تغيرات سريعة في التكنولوجيا وطلب المستهلكين.

مقترحات أساسية:

في ظل هذه المجالات الواسعة لاقتصاد الفضاء وجدوى الاستثمار فيها، اختتم تقرير "راند" بمقترحات أساسية لتعزيز قدرة الولايات المتحدة في هذا المجال، إذ أشار إلى أنه في ضوء تغييرات مجال سوق الفضاء خلال آخر خمس سنوات، يلزم على الأطراف المعنية وأصحاب المصلحة، كوزارة الدفاع الأمريكية تحديث بياناتها ومعلوماتها المتعلقة باقتصاد الفضاء باستمرار وبشكلٍ دوري، هذا بجانب ضرورة تحديث المعلومات سنوياً عند مشاركة الشركات الناشئة في المجال، أيضاً، يجب على الأطراف المعنية وأصحاب المصلحة، كوزارة الدفاع الأمريكية الأخذ في الاعتبار العوامل التكنولوجية المتطورة في هذا المجال ومتابعتها باستمرار للمُضي قدماً، خاصة أنها ذات تأثير كبير على سوق الفضاء.

واختتم التقرير عرضه بأهمية متابعة التغييرات والقضايا والعقود الآجلة التي تمت في كل قطاعات الاستثمار في الفضاء، كما يجب على وزارة الدفاع الأمريكية وأصحاب المصلحة المعنيين احتساب العائد التجاري من الاستثمار في الفضاء مع ضرورة توفير موارد مالية كبيرة لتغطية تكاليف ذلك الاستثمار بالاستفادة من الاستثمارات التجارية ووفورات الحجم، لما لذلك من آثار كبيرة على سوق الفضاء في المستقبل.

المصدر:

EMMI YONEKURA, BRIAN DOLAN, MOON KIM, KRISTA ROMITA GROCHOLSKI, RAZA KHAN, YOOL KIM, Commercial Space Capabilities and Market Overview: The Relationship Between Commercial Space Developments and the U.S. Department of Defense, Research Report, RAND, 2022