أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

رسائل مضادة:

أبعاد توظيف "حركة النهضة" شركات العلاقات العامة في واشنطن

12 أغسطس، 2021


يمثل موقف الولايات المتحدة الأمريكية، بمؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، عاملاً مهماً في التأثير على مسار التفاعلات الإقليمية في الشرق الأوسط؛ ولهذا تهتم بعض الحركات والأحزاب السياسية في المنطقة بالتحرك على الساحة الأمريكية للتأثير في موقف واشنطن. وتعد حركة النهضة في تونس مثالاً واضحاً على ذلك، خاصة أنها تدرك أهمية التأثير في موقف الإدارة الأمريكية ودفعه لأن يكون في صالحها خلال أزمتها الحالية مع الرئيس قيس سعيد. 

ومن هذا المنطلق، وعلى الرغم من أن حركة النهضة الإخوانية نفت تعاقدها مؤخراً مع شركة علاقات عامة في واشنطن، فإن وزارة العدل الأمريكية أكدت تعاقد النهضة مع شركة "بيرسون كوهن وولف" Burson Cohn & Wolfe، يوم 28 يوليو 2021، أي بعد 3 أيام فقط من القرارات الاستثنائية للرئيس سعيد؛ وذلك في محاولة من الحركة للترويج لروايتها المزعومة عن "الانقلاب"، وشرح موقفها لإدارة الرئيس جو بايدن والكونجرس ووسائل الإعلام ومراكز الفكر الأمريكية، الأمر الذي يثير عدة تساؤلات عن أبعاد تحركات النهضة داخل الولايات المتحدة، وما الرسائل التي تحاول توصليها للدوائر الأمريكية، وهل تنجح في الحصول على تأييد واشنطن في الأزمة الراهنة؟


حملات علاقات عامة: 

لا يمثل تعاقد حركة النهضة التونسية مع شركة "بيرسون كوهن وولف" الأمريكية للعلاقات العامة، أمراً جديداً بالنسبة لتحركات النهضة في واشنطن، فالحركة تستهدف منذ سنوات الدوائر الأمريكية خاصة النخبة وصانعي الرأي. وفي هذا الصدد قامت النهضة في سبتمبر عام 2014 بتوظيف شركة "بيرسون مارستيلر" Burson Marsteller، وهي من أكبر شركات العلاقات العامة الأمريكية آنذاك، للقيام بأنشطة علاقات عامة لصالح الحركة. 

وكان ملفتاً في ذلك الوقت عدم الكشف عن تفاصيل كثيرة عن طبيعة التعاقد بين الطرفين في وثيقة العقد الرسمية التي نشرتها وزارة العدل الأمريكية آنذاك، لكنها أشارت إلى أن الشركة سوف تقدم خدمتين لحركة النهضة، هما مساعدتها في الاتصال الإعلامي، والتواصل مع أصحاب المصلحة الرئيسيين stakeholder outreach قبل الانتخابات التشريعية، والمقصود هنا المؤثرين في المؤسسات الأمريكية المختلفة. 

واستناداً إلى وثائق وزارة العدل الأمريكية عن أنشطة اللوبي والعلاقات العامة خلال الفترة من سبتمبر 2014 وحتى يونيو 2019، استمرت حركة النهضة التونسية في التعاقد مع شركة "بيرسون مارستيلر"، وبمبالغ كبيرة مقابل الخدمات الاستشارية. وبلغ إنفاق الحركة على أنشطة العلاقات العامة داخل الولايات المتحدة على مدار نحو 5 أعوام، أكثر من مليون دولار.


وتثير البيانات السابقة الكثير من التساؤلات عن نشاط حركة النهضة في التحرك لتحسين صورتها والترويج لمواقفها داخل الدوائر الأمريكية، ومن أبرز هذه التساؤلات، كيف تم تمويل أنشطة العلاقات العامة التي قامت بها الحركة، ومن قام بالتمويل، هل النهضة أم وسيط ثالث؟

وبصرف النظر عن إجابات تلك التساؤلات، يمكن القول إن هذه الأنشطة المكثفة والمستمرة للعلاقات العامة التي قامت بها حركة النهضة داخل واشنطن هي التي ساهمت بشكل واضح في الترويج لاعتبار تونس تجربة ديمقراطية فريدة في إطار ما يُسمى بـ "الربيع العربي"، وجعلت هناك قنوات اتصال مفتوحة بشكل مستمر بين زعيم النهضة، راشد الغنوشي، وبين وسائل الإعلام ومراكز الفكر الأمريكية، وهي التي جعلت الأصوات الليبرالية في واشنطن تُبدي تعاطفاً مع النهضة وتوجهاتها على الرغم من الانتقادات التي تتعرض لها الحركة في الداخل التونسي وتحميلها مسؤولية الأزمات التي تعانيها البلاد حالياً. 

تعاقد جديد:

يعد تعاقد حركة النهضة الإخوانية مع شركة "بيرسون كوهن وولف" الأمريكية للعلاقات العامة يوم 28 يوليو الماضي، وفقاً لوثائق وزارة العدل الأمريكية، استمراراً لجهود الحركة في القيام بأنشطة علاقات عامة في الولايات المتحدة. لكن هذا التعاقد يتسم بشفافية أكثر، حيث نشرت وزارة العدل الأمريكية صورة التعاقد بين الطرفين والذي تم تسجيله في الوزارة بتاريخ 3 أغسطس 2021، ويكشف التعاقد الجديد عن بعض الجوانب المهمة على النحو التالي:

1- دور "مجموعة مهاجري النهضة": بدا ملفتاً أن الذي وقّع العقد نيابة عن حركة النهضة، شخصية تُدعى "عفت سميث" Ifhat Smith، ووقُّعت باعتبارها مدير "مجموعة مهاجري حزب النهضة في الخارج" Ennahdha Party Diaspora Group. لكن الملفت أن هذه المجموعة لا توجد أية تفاصيل بشأنها وتكوينها وارتباطاتها مع حركة النهضة، علاوة على أن السيدة التي وقّعت العقد كتبت عنوانها على لندن، أي أنها تقيم في لندن وتقوم بدور حلقة الوصل أو تنسيق أنشطة العلاقات العامة لحركة النهضة مع الشركة الأمريكية.

2- قيمة التعاقد وتكلفته: تبلغ قيمة التعاقد الجديد بين حركة النهضة وشركة "بيرسون كوهن وولف" الأمريكية للعلاقات العامة 30 ألف دولار شهرياً، للاستشارات فقط، من دون أية مصاريف إضافية، ومدة العقد تبلغ شهرين من 29 يوليو إلى 28 سبتمبر 2021. وهذا الأمر أيضاً يثير التساؤل حول من الذي يقوم بدفع تكاليف أنشطة العلاقات العامة التي تقوم بها النهضة في واشنطن، خاصة أن الحركة حاولت التنصل من هذا التعاقد، وأعلنت في بيان صحفي لها على صفحتها بموقع "فيس بوك" يوم 7 أغسطس الجاري أن "الحركة لم تُوقع، لا عن طريق ممثلها القانوني ولا عن طريق أي من مؤسساتها أو قياداتها، أي عقد مع أي مؤسسة في الخارج، وأن الحركة لم تقم بأي تحويلات مالية إلى الخارج ولم تتلق أي تحويلات أو تمويلات مالية من الخارج". لكن بيان الحركة لا يتطابق مع الوثيقة الرسمية التي نشرتها وزارة العدل الأمريكية للعقد بين الطرفين، وبالتالي فإنه يثير مزيداً من الشكوك حول مصداقية الروايات التي تروج إليها النهضة. 

3- خدمات الشركة الأمريكية: بموجب التعاقد بين حركة النهضة وشركة "بيرسون كوهن وولف" للعلاقات العامة، ستقدم الأخيرة 3 خدمات رئيسية للحركة؛ تشمل التواصل مع أصحاب المصلحة الرئيسيين في الولايات المتحدة، والتواصل مع وسائل الإعلام الأمريكية، وتقديم استشارات في الاتصالات الاستراتيجية. وهذه هي الأنشطة التقليدية لخدمات العلاقات العامة التي تقوم بها شركات العلاقات العامة الأمريكية. 

4- رسائل النهضة وآليات تنفيذها: لعل الجانب الأهم في تحرك حركة النهضة للتعاقد مع شركة علاقات عامة أمريكية، يتمثل في الرسائل التي تستهدف الحركة توصيلها للدوائر الأمريكية بعد قرارات الرئيس قيس سعيد الأخيرة، وأبرزها ترديد رواية "الانقلاب" المزعوم، وإبراز أهمية التجربة الديمقراطية التونسية ودور النهضة فيها، وفقاً لرؤيتها. وتتمثل آليات توصيل هذه الرسائل في المقالات التي تقوم شركة "بيرسون كوهن وولف" بنشرها في وسائل الإعلام الأمريكية، مثل المقال الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" للغنوشي يوم 30 يوليو الماضي، وحاول فيه ترديد المقولات نفسها التي تروج لها النهضة. ويُضاف إلى ذلك، الآليات الأخرى التي يمكن أن تقوم بها الشركة الأمريكية، مثل ترتيب لقاءات مع إعلاميين وصحفيين في واشنطن، ونشر مواد صحفية تدافع عن النهضة. 


تأثير محدود محتمل:

يبقى السؤال المطروح، هل تنجح جهود العلاقات العامة التي تقوم بها شركة "بيرسون كوهن وولف" لصالح حركة النهضة في التأثير على الموقف الأمريكي؟ وترتبط الإجابة على هذا بدوائر التحرك التي تستهدفها شركة العلاقات العامة لتوصيل رسائل النهضة. وهنا في الغالب لن تكون تحركات شركة العلاقات العامة الأمريكية قادرة على التأثير على موقف إدارة بايدن بشكل خاص؛ لأن الأخيرة تُقيّم موقفها استناداً إلى محددات وعوامل تتجاوز تلقي رسائل اتصالية من شركة علاقات عامة، لكن ربما تجد تحركات الشركة صدى لدى بعض دوائر الكونجرس ووسائل الإعلام من أصحاب التوجهات الليبرالية، الذين لديهم موقف واضح من الأزمة التونسية حتى من قبل التعاقد مع هذه الشركة، حيث يتبنون المقولات والروايات التي رددتها النهضة طوال السنوات السابقة حول دور الحركة في التجربة الديمقراطية التونسية. لكن حتى وإن تجاوبت بعض الأصوات في واشنطن مع تحركات شركة العلاقات العامة التي تمثل النهضة، يظل موقف إدارة بايدن هو الفيصل والأهم في الموقف الأمريكي. 

الخلاصة، أنه على الرغم من نفي حركة النهضة التونسية إبرامها أي تعاقد مع شركة علاقات عامة أمريكية، فإن وثائق وزارة العدل الأمريكية تدحض هذا النفي، وهو ما يطرح مزيداً من الشكوك على مصداقية النهضة، لكن من المهم التأكيد على أن هذا التعاقد ليس هو الأول من نوعه لحركة النهضة، حيث إن الأخيرة منخرطة منذ عام 2014 في حملات علاقات عامة على الساحة الأمريكية بهدف تحسين صورتها، والتأكيد على رسائل محددة تتعلق بدورها في العملية السياسية بتونس. 

* ملحوظة: البيانات المعروضة من تجميع الباحث استناداً إلى تقارير وزارة العدل الأمريكية. ويُتوقع أن تعاقد حركة النهضة مع شركة "بيرسون كوهن وولف" استمر في الفترة من يوليو 2019 إلى يوليو 2021، لكن لا توجد بيانات متاحة في هذا الصدد، يمكن تدقيقها، خاصة أن آخر تقرير لوزارة العدل الأمريكية عن أنشطة اللوبي يغطي النصف الأول من عام 2019. 

مرفق صورة من تعاقدات النهضة مع شركات العلاقات العامة في واشنطن: