أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

هجوم كابول:

لماذا يستهدف تنظيم داعش خراسان الصين؟

20 ديسمبر، 2022


أعلن فرع تنظيم داعش في أفغانستان، والمعروف باسم داعش خراسان، مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي الذي استهدف فندقاً يقطنه رعايا صينيون بالعاصمة الأفغانية كابول، في 12 ديسمبر 2022، وهو الهجوم الذي صدم بكين بشدة لاستهدافه مواطنيها، على الرغم من كونها إحدى الدول القليلة التي تربطها علاقات وطيدة مع حركة طالبان الحاكمة.

أسباب استهداف الصين:

تتعدد الدوافع وراء التفجير الانتحاري ضد الرعايا الصينيين بكابول، والتي يمكن توضيحها في الآتي:

1- سعي الصين للهيمنة العالمية: ينتقد تنظيم داعش خراسان، عبر وسائطه الإعلامية، التوسع الاقتصادي العالمي لبكين، واصفاً ذلك بـ "الإمبريالية الصينية"، وهو أمر يمثل تطوراً لافتاً في خطاب التنظيم المتشدد ضد النفوذ الاقتصادي المتزايد للصين في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

ورفع التنظيم سقف انتقاداته للصين من تركيزه على اضطهادها للإيغور إلى اتهامها بأنها تسعى، مثل القوى العظمى الأخرى الحالية والسابقة، وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا، إلى الهيمنة على العالم. بالإضافة إلى ترديده السرديات العالمية ذاتها عن التهديد الصيني، وطرحه منظوراً جهادياً للتوسع الاقتصادي العالمي للصين، ينظر إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية، بأنها ترقى إلى التوسع الإمبراطوري المعاصر، ولا تختلف عن الدور التاريخي الذي لعبته شركة الهند الشرقية البريطانية في الاستعمار الغربي، وهو ما يعني إمكانية اتجاه التنظيم لاستهداف مشروعات المبادرة الصينية، سواء في أفغانستان، أو حتى باكستان المجاورة. 

2- إساءة معاملة الصين لمسلمي الإيغور: تُعد من الاعتبارات المهمة وراء عداء داعش لبكين، وبالتالي استهدافه لها، في اعتقادهم بأنها تُمارس سياسات تمييزية تجاه الإيغور، كما تقوم بحملة تطهير عرقي ضدهم في منطقة شينجيانج الإيغورية ذاتية الحكم، وذات الأغلبية المسلمة في شمال غرب الصين، والتي يُطلق عليها الانفصاليون المسلمون تسمية تركستان الشرقية. 

ولذلك تعتبر تنظيمات جهادية إقليمية ودولية عدة الصين عدواً لها، ومنها الحزب الإسلامي التركستاني الإيغوري، وحركة أوزبكستان الإسلامية، وحركة طالبان باكستان، بالإضافة إلى تنظيمي داعش والقاعدة.

ومن الملفت هنا، أن الهجوم الإرهابي ضد الرعايا الصينيين في كابول جاء بعد ما يربو على ثلاثة أشهر من  صدور تقرير مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والذي خلص إلى قيام الصين بارتكاب "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان" ضد الإيغور في شينجيانج.

3- تشدد بكين ضد تنظيم داعش: تبنت السلطات الصينية خلال الفترة الأخيرة سلسلة مواقف تعكس توجهاً حازماً ومتشدداً تجاه تنظيم داعش، حيث حذرت من موجة إرهابية جديدة وعودة تنظيم داعش منطلقاً من ثلاث دول عربية، وكذلك انتشاره بوتيرة أسرع في أجزاء كثيرة من أفريقيا، كما دعت المجتمع الدولي إلى إيلاء اهتمام شديد للتهديدات الإرهابية التي تشكّلها حركة تركستان الشرقية الإسلامية، في ظل وجود ما يتراوح بين ألف إلى ثلاثة آلاف من مقاتليها في سوريا.

4- الإضرار بعلاقات أفغانستان الخارجية: تتسبب العمليات الإرهابية التي تستهدف المواطنين الصينيين في الخارج في إثارة ردود فعل قوية وحازمة من جانب الصين، الأمر الذي قد تنظر إليه الدول المعنية على أنه تدخل في شؤونها الداخلية، كما يبدو من الواضح أن التنظيم يعمل على تفريغ كابول من أي وجود دبلوماسي أجنبي، وعدم تشجيع أي دولة على إقامة علاقات مع الحكومة الأفغانية المؤقتة الحالية.

وكذلك، يحاول التنظيم إثارة السخط الشعبي ضد الصين، من خلال ما يتم الترويج له من تسبب مشروعات مبادرة الحزام والطريق الصينية في فساد المسؤولين وتدني ظروف العمل واستغلال الموارد وتزايد الديون للدول المشاركة في مشاريعها، وهي ظروف تشكل أرضية خصبة ومواتية لنشر الفكر المتطرف المناهض للصين.

دلالات الهجوم الإرهابي:

ينطوي الهجوم الإرهابي الأخير الذي استهدف الرعايا الصينيين في كابول على مجموعة من الدلالات المتنوعة الأمنية والسياسية والاقتصادية، والتي يمكن توضيحها في الآتي:

1- الإضرار بمبادرة الحزام والطريق: يتجه تنظيم داعش وفروعه المحلية إلى استهداف المصالح الصينية، وتحديداً المشاريع التي تندرج في مبادرة الحزام والطريق، والمقدرة بمليارات الدولارات. ويلاحظ أن المشاريع المرتبطة بها، خاصة تلك الموجودة في باكستان هي الأكثر عرضة للتهديدات، حيث تعهدت الصين بتقديم 57 مليار دولار لمشاريع مرتبطة بالمبادرة هناك. 

وبالتالي، فإن التنظيم يسعى لإعاقة عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق، مما يؤثر على المردود المتوقع من المبادرة ذاتها. وكذلك يهدد الاقتصادين الصيني والعالمي.

2- تنامي التهديدات الخارجية للصين: يلاحظ أن التهديدات المرتبطة بعدم الاستقرار السياسي والأمني، وتصاعد الإرهاب في الدول المجاورة تهدد مصالح بكين، الأمنية والاقتصادية، في الخارج. وسبق وحذرت التحليلات الاستراتيجية والأمنية الصينية من إمكانية تصاعد التهديدات الإرهابية، التي تشهد درجة من عدم الاستقرار السياسي في الدول الواقعة على طول مشاريع الحزام والطريق، وهو ما يؤثر على المصالح الاقتصادية لبكين.

3- تعزيز مكانة تنظيم داعش: يلاحظ أن أي حدث يرتبط ببكين، حتى ولو كان مجرد استهداف بضعة أفراد من مواطنيه في الخارج، يحظى بأهمية كبيرة من جانب القوى الدولية والإقليمية الأخرى، ناهيك عن المتابعة الإعلامية الدولية، في ظل تشعب علاقات الصين وامتدادها إلى أعضاء المجتمع الدولي كافة. 

ولذلك، فإن استهداف بلد بحجم ومكانة وتأثير الصين من قبل تنظيم إرهابي، مثل داعش، لا يتجاوز عدد أعضائه المئات أو الآلاف، يعزز من مكانة التنظيم بين مختلف التنظيمات الإرهابية على أساس أنه هدد مصالح إحدى القوى العظمى في النظام الدولي.

4- تزايد انكشاف الصينيين في الخارج: يعكس تكرار الأعمال الإرهابية التي تستهدف العمالة الصينية في الخارج وجود درجة من درجات الانكشاف الأمني الخطير بالنسبة لهؤلاء، وهو ما يشير إلى إخفاق الجانب الصيني في التوصل إلى إجراءات محددة مع السلطات الأمنية في الدول التي توجد فيها عمالة صينية بهدف حمايتها ومنع استهدافها من قبل التنظيمات الإرهابية. ولعل ذلك ما يفسر لجوء بكين إلى الاستعانة بشركات أمنية خاصة من أجل حماية مصالحها ومواطنيها في الخارج من الاستهداف من قبل التنظيمات الإرهابية.

وعلى الجانب الآخر، فإنه من الواضح أن التنظيمات الإرهابية، على اختلافها عاجزة عن استهداف الداخل الصيني بعمليات إرهابية، وذلك بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي تتبعها السلطات الصينية، والتي أكدت فاعليتها في إجهاض أي تهديد إرهابي ناشئ.

5- هشاشة الوضع الأمني في أفغانستان: تعاني أفغانستان، منذ استيلاء حركة طالبان على السلطة في هذا البلد في أغسطس 2021، اضطرابات أمنية حادة، نظراً لعجز الحركة عن فرض الأمن والاستقرار، بجانب فشلها، حتى الآن، في مواجهة التهديدات الإرهابية لتنظيم داعش. 

وما يؤكد تعاظم تهديدات التنظيم هو تحوله من مجرد تنظيم صغير يقتصر وجوده على شرق أفغانستان إلى تنظيم بات يوجد في معظم المناطق الأفغانية، خصوصاً العاصمة كابول التي شن فيها سلسلة هجمات، استهدفت المقار الدبلوماسية لكل من روسيا وباكستان. ويتزامن ذلك مع تحذيرات باحتمالات قيام العديد من جنود المشاة التابعين لحركة طالبان بالانضمام إلى الجماعات المعارضة والمتطرفة، لعدم استفادتهم بشكل مباشر من استيلاء الحركة على السلطة.

تهديدات خارج الصين:

يطرح الهجوم الإرهابي الأخير الذي تعرضت له المصالح الصينية في أفغانستان، مجموعة من التداعيات المحتملة، والتي يمكن توضيحها في الآتي:

1- تهديدات محدودة للداخل الصيني: تجاور أفغانستان الصين، وتحديداً منطقة شينجيانج الإيغورية، ولذلك تتخوف بكين من أن تتخذ الجماعات الانفصالية الإيغورية من أفغانستان قاعدة للتدريب ونقطة انطلاق لشن هجمات داخل الصين، خاصة حركة تركستان الشرقية الإسلامية الإيغورية، والتي تتهمها الصين بإثارة النزعات الانفصالية والهجمات الإرهابية داخل الصين. 

ولدرء هذا التهديد، عرضت الصين تقديم الدعم الاقتصادي والاستثماري لإعادة إعمار أفغانستان في مقابل وعد حركة طالبان بعدم استخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة للمسلحين ضد بكين، فضلاً عن تأمين الاستثمارات والعمالة الصينية، غير أنه في ظل تراجع قبضة حركة طالبان الأمنية على أفغانستان في مواجهة داعش، فإنه من غير الواضح مدى قدرة الحركة على الوفاء بتعهداتها لبكين، وإن كان من الواضح أن الصين لاتزال قادرة على منع اختراق حدودها من جانب أفغانستان. 

2- استهداف مصالح الصين الخارجية: على الرغم من صعوبة قيام التنظيمات الإرهابية بتنفيذ هجمات إرهابية داخل الصين، لاسيما في ظل افتقار سكان شينجيانج للتنظيم الجيد، فإن هناك إمكانية لحدوث زيادة في الهجمات على المواطنين الصينيين والبنية التحتية للصين ومصالحها في الخارج، حيث تكون الجماعات الإرهابية أكثر قدرة على تحدي توسع الصين واتصالاتها في أوراسيا.

وفي الختام، يمكن القول إن قيام تنظيم داعش خراسان باستهداف الصين مؤخراً، يمثل تحولاً كبيراً في استراتيجية التنظيم تجاه دولة تُعد من القوى الكبرى في النظام الدولي الحالي، والتي تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقرار السياسي والأمني الداخلي الذي يجعل من إمكانية قيام التنظيم بشن هجمات إرهابية داخلها مسألة صعبة، إن لم تكن مستحيلة الحدوث. وعلى الرغم من لجوء الصين إلى الرد على الهجوم الذي استهدف رعاياها مؤخراً عبر القنوات الدبلوماسية المعتادة، فإن تكرار هذه الهجمات في دول قريبة جغرافياً من الصين سيدفعها في المستقبل إلى الرد عليها عسكرياً، عبر توظيف الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة.