أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

مكاسب محتملة:

لماذا تحاول تركيا تعزيز حضورها الاقتصادي بالبحر الأحمر؟

03 يناير، 2018


 سعت تركيا مؤخرًا إلى تعزيز وجودها بالمنافذ البحرية المطلة على سواحل البحر الأحمر أو المحيط الهندي، وهو ما انعكس في توقيعها اتفاقًا لتطوير وإدارة جزيرة سواكن السودانية خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السودان في 24 ديسمبر 2017، وتشغيل قاعدة عسكرية بحرية على سواحل المحيط الهندي في الصومال منذ سبتمبر الماضي، فضلاً عن الاتفاق على تأسيس منطقة تجارة حرة في جيبوتي والتي تم تخصيص مساحة 5 ملايين متر مربع لها في ديسمبر 2016. ويبدو أن تركيا تحاول من خلال ذلك تحقيق أهداف استراتيجية واقتصادية تتمثل في تعزيز التجارة مع هذه الدول وتأسيس نقطة انطلاق مهمة نحو التمدد الاستثماري في القارة الإفريقية بشكل عام.

تحركات مكثفة:

تتجه تركيا، فيما يبدو، عبر خطوات متتالية، نحو تعزيز حضورها بالمنافذ البحرية للبحر الأحمر أو المحيط الهندي. وتعتبر الصومال إحدى تلك الدول التي سعت تركيا إلى دعم وجودها فيها مؤخرًا، حيث أعلنت رسميًا، في سبتمبر 2017، عن إنشاء قاعدة عسكرية وثلاث مدارس عسكرية بجانب منشآت أخرى بجنوب العاصمة الصومالية على ساحل المحيط الهندي.

وتتوازى هذه الخطوة مع نمو العلاقات التجارية والاستثمارية بين تركيا والصومال، وقد حاولت الأولى استغلال ذلك في تحقيق أهداف استراتيجية أخرى، حيث بلغ مجموع ما قدمته وكالة التعاون والتنسيق التركية من إعانات للصومال نحو 400 مليون دولار، وهو ما ساعدها في استقطاب دعم الحكومة الصومالية لإنشاء القاعدة.

كما وقعت الحكومة التركية، في 24 ديسمبر الماضي على هامش زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسودان، اتفاقًا مع الحكومة السودانية لإعادة ترميم جزيرة سواكن الواقعة على البحر الأحمر شرق السودان، وبما قد يمهد لبناء شراكة تجارية واقتصادية واسعة بين الدولتين خاصة مع رفع العقوبات الاقتصادية على السودان في أكتوبر الماضي. فيما يتطلع الطرفان لتوسيع نطاق التعاون ليشمل مجالات استثمار مختلفة، حيث ترغب أنقرة في ضخ رؤوس أموال بقطاع الزراعة والصناعة والخدمات السوداني، وهو ما انعكس في توقيع الدولتين على 21 اتفاقية تجارية واستثمارية على هامش الزيارة.

 فضلاً عن ذلك، تمثل جيبوتي إحدى الدول المطلة على ساحل البحر الأحمر التي سعت أنقرة لتعزيز حضورها فيها خلال الفترة الماضية، حيث اتفقت مع الحكومة الجيبوتية، في ديسمبر 2016، على تخصيص مساحة 5 ملايين متر مربع لإنشاء منطقة اقتصادية حرة قرب ساحل البحر الأحمر، بشكل يتوافق، على ما يبدو، مع انفتاح جيبوتي سياسيًا واقتصاديًا على مختلف القوى الدولية والإقليمية في الفترة الأخيرة من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية لدعم التنمية الاقتصادية في البلاد.

أهداف متعددة:

تحاول تركيا من خلال تعزيز وجودها بالقرب من المنافذ البحرية بمنطقة الشرق الأوسط تحقيق أهداف مختلفة، تتمثل في:

1- فرص استثمارية: تبذل تركيا جهودًا حثيثة من أجل تعزيز قدرتها على منافسة بعض القوى الإقليمية التي تبدي اهتمامًا خاصًا بتطوير وبناء الموانئ المطلة على المحيط الهندي أو البحر الأحمر أو الاستثمار فيها، بما قد يحقق لها مكاسب تجارية واستثمارية عديدة.

كما قد يتيح لها ذلك فرصة تحقيق بعض أنواع التكامل التجاري والاقتصادي أو تعزيز الشراكة مع بعض القوى الاقتصادية الدولية الطامحة أيضًا لتعزيز حضورها في المناطق المطلة على البحر الأحمر، مثل الصين التي أنشأت، في مارس 2016، منطقة تجارة حرة في جيبوتي على مساحة 48 كيلومتر مربع، في إطار مسعى صيني لتوسيع مسارات التجارة عبر سلسلة من مبادرات تطوير مشاريع البنية التحتية التي تشمل 60 دولة أطلقت عليها بكين اسم "حزام واحد.. طريق واحد".

2- أسواق تجارية: ربما تساهم هذه الخطوة في زيادة حجم المبادلات التجارية بين تركيا ودول تلك المنطقة. وتدرك تركيا حاليًا أن مستوى تبادلها التجاري مع بعض هذه الدول ما زال محدودًا، مثل السودان، حيث لا يتجاوز حوالي نصف مليار دولار سنويًا. ومن هنا، فإن هذه المنافذ البحرية الجديدة قد توفر فرصة لزيادة صادرات تركيا للأسواق السودانية، وهو ما يتوافق مع اتجاهها أيضًا نحو دعم صادراتها في بعض الأسواق الجديدة مثل الصومال، حيث ارتفعت تلك الصادرات من 5.1 مليون دولار فقط في عام 2010 إلى 123 مليون دولار في عام 2016. ويبدو أن تركيا باتت تعتبر هذه المنطقة بمثابة نقطة تواصل تجارية هامة مع القارة الإفريقية، والتي بلغ حجم التجارة معها نحو 17.5 مليار دولار في عام 2015.

3- شراكة متعددة الأطراف: ترى تركيا أن قطاع الموانئ في دولة مثل السودان يمثل فرصة جيدة للاستثمار، حيث يمكن أن يحقق لها عوائد استثمارية قوية خاصة مع رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على السودان في أكتوبر الماضي، بشكل قد يساعد في دعم حركة الصادرات والواردات السودانية مع العالم الخارجي في الفترة المقبلة، وهو ما سينعكس على حجم أعمال الميناء المنتظر تدشينه في جزيرة سواكن. وبإمكان تركيا أيضًا أن تتسفيد من المنطقة الحرة في جيبوتي كمنصة تجارية مهمة لتصدير المواد الخام وبعض الصناعات المنتظر أن تقيمها إلى دول شرق إفريقيا القريبة من تلك المنطقة الحرة.

وفيما يبدو، فإن منح السودان حق إدارة وتأهيل جزيرة سواكن إلى تركيا يمثل نقطة تحول استراتيجية في الشراكة الاقتصادية بين الدولتين على اعتبار أنها ستمهد لضخ مزيد من الاستثمارات التركية في القطاعات الاقتصادية المختلفة بالسوق السودانية، والتي تصل في الوقت الحالي إلى 2 مليار دولار فقط، تخطط الدولتان لزيادتها إلى 10 مليار دولار.

حدود متوقعة:

لا تعتبر تركيا الدولة الوحيدة التي تتطلع إلى بناء شراكات بحرية مع بعض دول المنطقة، إذ أن هناك قوى دولية وإقليمية سبقت تركيا في هذا المنحى. لكن ربما يمكن القول إن تعزيز أى طرف من حضوره في هذه المنافذ البحرية لا يعني بالضرورة الخصم بشكل حدي من مكاسب الطرف الآخر (على غرار نموذج جيبوتي القائم على تمركز قواعد عسكرية من جنسيات مختلفة). ويبدو أن امتلاك دولة مثل السودان إمكانات كبيرة في موانئها قد يسمح بوجود عدد كبير من الأطراف المهتمة بالاستثمار في قطاع الشحن البحري. ويعني ذلك أنه من المستبعد أن تصل المزاحمة بين القوى الدولية والإقليمية الأخرى إلى مرحلة يتكبد فيها الجميع خسارة في مقابل حصول أحد الأطراف على مجمل المكاسب.

 أما بالنسبة للدول المُستقبِلة، فقد تسعى إلى استثمار السباق بين تلك القوى على الوصول لمنافذها البحرية من أجل تنويع شراكاتها الاقتصادية مع أطراف مختلفة، وبما يصب في النهاية في إطار تنمية اقتصاداتها والحصول على عوائد مالية متزايدة. 

 وختامًا، يمكن القول إن تركيا تتحرك تدريجيًا نحو تعزيز نفوذها في منطقة البحر الأحمر، وهو ما تطمح في الحصول من خلاله على مكاسب استراتيجية واقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، إلا أن ذلك لا ينفي أنها لن تكون الطرف الوحيد في هذه المنطقة، على نحو سوف يضع حدودًا لمكاسبها المحتملة.