أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تحولات القوة:

تأثير التكتلات الاقتصادية في التجارة العالمية

07 أبريل، 2015


إعداد: أحمد عبد العليم

يعاني العالم في الآونة الأخيرة من تزايد المشكلات الاقتصادية، مما دفع نحو التوجه لإقامة التكتلات الاقتصادية، سواء كانت هذه التكتلات ثنائية أو إقليمية أو حتى شبه إقليمية، أو بين دول يجمع بينها أفكار وتوجهات مشتركة، إذ باتت مثل هذه التكتلات هي الخيار الأفضل الذي تلجأ إليه الدول من أجل تخفيف الآثار المتوقعة للعولمة الاقتصادية، وبهدف تعزيز تجارتها العالمية؛ وهو ما يمكن أن يُشكِّل تأثيراً كبيراً ومباشراً أو غير مباشر على تحوُّلات القوة عالمياً.

في هذا الإطار، يأتي كتاب "تحولات القوة والتكتلات الجديدة في نظام التجارة العالمي"، الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن في مارس 2015، وهو كتاب شارك فيه عدد من كبار المسؤولين والخبراء الاقتصاديين العالميين، وحرَّره كل من "سانجايا بارو Sanjaya Baru" و"سوفي دوجرا Suvi Dogra" الباحثان ببرنامج الجيو اقتصاد والاستراتيجيات بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.

يهدف الكتاب إلى توضيح مدى تأثير التوجُّه الخاص بالتكتلات الاقتصادية على حركة التجارة العالمية، ودور تلك التكتلات كأداة نافذة ومؤثرة في تعزيز حركة التجارة العالمية، وصولاً إلى تبيان المحددات الرئيسية التي شكَّلت توجُّه الدول نحو التكتلات الاقتصادية كنمط تفكير ومخرج من الأزمات الاقتصادية العالمية المختلفة.

الاتجاه نحو التكتلات الاقتصادية في التجارة العالمية

في الفصول الأولى من الكتاب، يسلط الباحثون الضوء على السياقات التاريخية المختلفة التي أدَّت إلى تدشين التكتلات الاقتصادية، بدايةً من الأزمات الاقتصادية العالمية، مروراً بتبلور العولمة وإنشاء منظمات دولية، ووصولاً إلى التوجُّه نحو إنشاء تكتلات اقتصادية.

ويشير كل من "جيجدش بهاجواتي Jagdish Bhagwati" أستاذ القانون والاقتصاد في جامعة كولومبيا، و"برافن كريشنا Pravin Krishna" أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة جونز هوبكنز، والخبير الاقتصادي "أرفيند باناجاريا Arvind Panagariya"، إلى أن العلاقات الاقتصادية الدولية تجلّت بظهور منظمات مثل صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية عام 1994، حيث دخل النظام الاقتصادي العالمي مرحلة جديدة في تطوره، وقامت 70 دولة بالتوقيع غلى اتفاقية الجات عام 1997 من أجل إزالة جميع القيود التي قد تعيق تدفق السلع والخدمات المالية.

ويؤكد هؤلاء الخبراء أن العولمة الاقتصادية في تصاعد مستمر، وأن العالم يعيش حالياً عصر التكتلات والتجمعات الاقتصادية الإقليمية الكبرى، بالإضافة إلى انتشار مناطق التجارة الحرة وتكثيف العمل باتفاقيات التبادل الحر. كما تسعى منظمة التجارة العالمية (WTO) إلى تنظيم الشراكات التجارية، وتكريس فكرة التكامل بين الدول والتكتلات الاقتصادية المختلفة.

ويرى "أرفيند سوبرامانيا Arvind Subramania" المستشار الاقتصادي لحكومة رئيس الوزاء الهندي "ناريندرا مودي"، أن مستقبل التجارة العالمية من المرجح أن يشهد تطورين هامين للغاية، أولهما يتعلق بتحدي العولمة في عقر دارها في الغرب، وخاصةً الولايات المتحدة. أما الثاني فيتصل بوجود تكتلات إقليمية تنطوي على اقتصاديات كبرى، حيث إن ثمة تحديات متغيرة بصعود بعض الدول مثل الصين، وهو له تأثير بالغ على شكل الاقتصاد العالمي وحركة التجارة العالمية في ظل السعي نحو تدشين تكتلات اقتصادية وتجارية إقليمية كبرى.

أما الخبير الاقتصادي "براز باسراشي Braz Basrachy"، فيؤكد أن هناك إعادة ترسيم لخريطة التجارة العالمية وفق حقائق جيوسياسية قائمة، موضحاً أن العولمة الاقتصادية يُنظر إليها باعتبارها عملية للتكامل الاقتصادي بين الدول، وللاعتماد المتبادل بين الاقتصادات الوطنية من خلال تدفقات التجارة ورأس المال؛ مشيراً إلى أن العولمة تتطلب وجود نظام واستقرار وحوافز بين الدول من أجل خطوات أكثر إيجابية تجاه التجارة العالمية تكون أكثر إفادة للمجتمع الدولي، وبالتالي فإن ثمة توجُّهاً عالمياً تحو التكامل والتعاون الاقتصادي.

التكتلات الاقتصادية كأداة لتعزيز التجارة العالمية

يشير  "باسكال لامي Pascal Lamy" المدير السابق بمنظمة التجارة العالمية والمفوض الأوروبي السابق للتجارة، إلى أنه منذ إبرام اتفاقية الجات عام 1997، تم تصنيفها كواحدة من النجاحات المشرقة للتعاون الدولي في ظل النظام التجاري متعدد الأطراف، وذلك حتى حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008؛ حيث جاءت جولات مفاوضات الدوحة التي تعتبر المفاوضات التجارية الأكثر نشاطاً، والتي بدأت في أواخر عام 2011، وكان الهدف الأساسي منها هو دعم الاقتصاد العالمي، ومساعدة الدول الأقل نمواً من أجل تلافي ومواجهة مشكلاتها الاقتصادية.

أما "Supachai Panitchpakdi" الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في الفترة من عام 2005 إلى عام 2013، فيشير إلى أن التعددية تشهد تحولات جذرية في جميع مجالات الاقتصاد العالمي التي تشمل التجارة والاستثمار والبيئة، وكذلك مؤسسات الحكم العالمي.

وفي هذا الإطار تعتبر "اتفاقيات ميجا الإقليمية" من أبرز تلك الشراكات التي تحاول خلق تكامل تجاري دولي وإقليمي، وكذلك استبعاد الخلافات بين الدول، وتنقية مناخ الاستثمار من أي شوائب يمكن أن تهدد العلاقات الاقتصادية بينها.

ويضيف "Supachai" أن إطلاق مثل هذه الاتفاقيات وراءه دوافع جيوسياسية بالأساس، لكن النجاح النهائي للمفاوضات يقوم على تحقيق نتائج اقتصادية وتجارية كبيرة، فالحكومات تحاول من خلال تلك الاتفاقيات الإقليمية تحسين الوصول إلى أسواق جديدة، وكذلك الحصول على تحفيزات اقتصادية، وتحسين القدرة التنافسية.

الاتجاه التعاوني كمخرج للأزمات الاقتصادية العالمية

في الفصل الأخير من الكتاب، يشير المحرران "سانجايا بارو Sanjaya Baru" و"سوفي دوجرا Suvi Dogra"، إلى أن الأزمات الاقتصادية الكبرى التي شهدها العالم في القرن العشرين، خاصةً بين الحربين العالميتين، قد أفادت المجتمع الدولي في فهم كثير من الدروس الهامة، وكذلك بدأت في تأسيس نمط تفكير جديد سواء للنظام الدولي الاقتصادي أو المالي. يمكن إيجاز تلك الدروس في الآتي:ـ

1 ـ التحوُّل في التفكير إلى دفع عجلة النمو للاقتصادات الوطنية بدلاً من التسارع نحو إفقار الجار أو الخصم من أجل جعله ضعيفاً، فهذا الخيار الثاني يتطلب من الدولة موارد من الممكن توجيهها لصالح الاقتصاد الوطني، وهو ما بات الحل الأفضل.

2 ـ تسارع الدول إلى إنشاء مؤسسات اقتصادية متعددة الأطراف من أجل وضع قواعد للنظام الاقتصادي والمالي العالمي، وبالتالي برز الاتجاه التعاوني بين الدول، والذي يمكن اعتبار التكتلات الاقتصادية شكلاً من أشكاله.

ختاماً، يمكن القول إن الأزمات الاقتصادية قد أفادت الدول من أجل السعي الحثيث نحو عمل التكتلات الاقتصادية من أجل تلافي أي نتائج سلبية قد تترتب على تلك الأزمات أو قد تنتج عن العولمة، حيث تسعى الدول إلى حماية اقتصادياتها من المنافسة الأجنبية وتحقيق أكبر مكسب اقتصادي، وهو ما يعني أن ثمة توجُّهاً أكبر من الدول نحو إنشاء تكتلات اقتصادية من أجل تعظيم المكاسب الاقتصادية وتقليل أي خسائر قائمة أو متوقعة.

ومما لاشك فيه أن تلك التكتلات الاقتصادية الجديدة سوف يكون لها بالغ الأثر في تحولات القوة في النظام الدولي أو في نظام التجارة العالمي، وذلك في ظل سعي بعض الدول إلى المنافسة أو إلى تعظيم قوتها الاقتصادية، أو لمواجهة تكتلات اقتصادية جديدة من الممكن أن تؤثر على غير أعضائها سلباً.

* عرض مُوجز لكتاب (تحولات القوة والتكتلات الجديدة في نظام التجارة العالمي)، الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، مارس 2015.

المصدر:

Sanjaya Baru and Suvi Dogra (editors), Power Shifts and New Blocs in the Global Trading System (London, The International Institute for Strategic Studies, March 2015)