أخبار المركز
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)
  • د. أحمد قنديل يكتب: (أزمات "يون سوك يول": منعطف جديد أمام التحالف الاستراتيجي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة)
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)

الإجراءات اللاحقة:

كيف سَتُنفِّذ المؤسسات الأمريكية قرار الانسحاب من الاتفاق النوويّ؟

09 مايو، 2018


يُمثّل إعلانُ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران، في 8 مايو 2018، بدايةً لسلسلةٍ من الإجراءات والخطوات التي يجب أن تقوم مؤسسات الإدارة الأمريكية بتنفيذها وفقًا للقرار الرئاسي، خاصة مجلس الأمن القومي، ووزارات الخارجية والخزانة والدفاع. فالقرار التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب ينص على تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران، وفرض عقوبات على أي دولة تقوم بمساعدة إيران في مساعيها للحصول على أسلحة نووية، وهو ما يتطلب قيام المؤسسات التنفيذية بوضع إجراءات لتطبيق القرار، وسيضطلع الكونجرس بدور في الدفع لتبني استراتيجية واضحة وشاملة تجاه إيران. 

دوافع القرار:

استنادًا إلى موقف إدارة الرئيس ترامب من الاتفاق بشكل عام، والتحركات التي تمت خلال الفترة الماضية لتحسين الاتفاق النووي، فإن الأسباب التي تم بناء عليها اتخاذ قرار الانسحاب من الاتفاق النووي، من وجهة النظر الأمريكية، تشمل الجوانب التالية:

1- تبني الرئيس ترامب موقفًا مناهضًا للاتفاق، سواء خلال حملته الانتخابية، أو بعد توليه المنصب الرئاسي، معتبرًا أنه اتفاق "كارثي"، ولم يحافظ على أمن الولايات المتحدة الأمريكية، ويرى أن الاتفاق لم يمنع إيران من مواصلة أنشطتها النووية.

2- يعتبر الرئيس ترامب أن الاتفاق النووي اتفاق معيب، لأنه لم يعالج قضايا أخرى ترتبط بإيران، سواء دورها وأنشطتها التخريبية في الشرق الأوسط أو في اليمن أو سوريا، ودعمها للتنظيمات الإرهابية، وبرنامجها للصواريخ الباليستيه، كما أنه لم يتضمن -من وجهة نظره- آلية واضحة لرقابة ومتابعة أنشطة إيران والتحقق منها ومعاقبتها في حال الإخلال ببنود الاتفاق. 

3- حاولت إدارة الرئيس ترامب العمل على إصلاح الاتفاق النووي مع إيران، وخاضت خلال الأسابيع الماضية مفاوضات مع الحلفاء الأوروبيين والجانب الإيراني، من أجل الوصول إلى اتفاق تكميلي، يضمن تصحيح أوجه القصور التي تراها الإدارة في الاتفاق، لكن هذه المفاوضات باءت بالفشل، بسبب تعنت الموقف الإيراني. وأدى هذا الفشل إلى إعلان الانسحاب الأمريكي من الاتفاق. 

4- رغم إعلان الرئيس ترامب انسحابه من الاتفاق، لكنه ترك الباب مفتوحًا أمام التفاوض على اتفاق جديد، فقد أكد في خطابه "أن القادة الإيرانيين سيرفضون التفاوض على اتفاق جديد، وهم رفضوا، وهذا أمر طبيعي، وإذا كنت في وضعهم سأقول نفس الكلام، لكن الحقيقة أنه سيحتاجون إلى العمل على اتفاق جديد ودائم، اتفاق تستفيد منه إيران والشعب الإيراني، وعندما يكونون مستعدين، فأنا جاهز، ومستعد، وقادر". وهذا يعني أنه في حال قبل النظام الإيراني بالتفاوض مجددًا، فإن إدارة ترامب ستعمل على الوصول إلى اتفاق جديد. 

5- أحد الأسباب وراء قرار الرئيس ترامب، يرتبط بمحاولته التأكيد على أنه يفي بوعوده التي قطعها في الانتخابات، هذا بالإضافة إلى محاولته الانتقاص من شرعية الرئيس أوباما، فالاتفاق النووي مع إيران يُعد أحد الإنجازات التي حققها أوباما خلال ولايته الثانية.

أبعاد الانسحاب:

تُمثل الولايات المتحدة الأمريكية طرفًا واحدًا في الاتفاق النووي الإيراني، وهذا الاتفاق يرتب تداعيات تتعلق بالتزامات الطرف الأمريكي، وكذلك الالتزامات والتفاعلات بين إيران وبقية الدول المُوقِّعة على الاتفاق. وفي هذا الإطار فإن تطبيق وتنفيذ القرار ستكون له تأثيرات تتعلق بهذه الالتزامات. 

وهناك مجموعة من الاعتبارات تتعلق بالانسحاب الأمريكي، تشمل:

1- لا يعني إعلان خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي انتهاء الاتفاق أو إلغاءه، فهذا الاتفاق وُقِّع بين إيران ومجموعة القوى الدولية الست، وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وروسيا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، ونظرًا لأن إيران وبقية الدول الخمس أعلنت التزامها بالاتفاق، فإن خروج الولايات المتحدة منه لا يلغيه كليا، لكنه يقوض فاعلية الاتفاق، ويفرض على الأطراف الأخرى البحث عن بدائل للتعامل مع الموقف. 

2- سمح الاتفاق بآلية معينة تتيح لوكالة الطاقة الذرية بالإشراف على برنامج إيران النووي ومراقبته، ومنذ توقيع الاتفاق قام مسئولو الوكالة بالعديد من الزيارات لمواقع هذا البرنامج التي تم الاتفاق عليها، للتحقق من التزام إيران بتطبيق الاتفاق، وأقرت الوكالة بهذا الالتزام، وفي ظل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، فقد تلجأ إيران لزيادة تخصيب اليورانيوم، وإذا تبنت إيران هذا، فإن الهدف الرئيسي للاتفاق والمتعلق بتحجيم قدرة إيران في الحصول على أسلحة نووية لن يكون ممكنًا بعد الآن.

3- تضمن إعلان الرئيس ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، النص أيضًا على إعادة فرض العقوبات التي تم رفعها على إيران بموجب الاتفاق النووي، ومن المعروف أن آلية فرض العقوبات والتحقق من تطبيقها تستغرق وقتًا طويلًا، وعلى هذا الأساس أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أنه سيتم تطبيق هذه العقوبات خلال فترة ما بين 90 إلى 180 يومًا، الأمر الذي يعني أن تفعيل وتنفيذ قرار الرئيس ترامب سوف يستغرق ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر في حالة بعض العقوبات. 

4- أشار القرار أيضًا إلى أنه سوف يتم فرض عقوبات على أي دولة يمكن أن تساعد إيران في سعيها للحصول على أسلحة نووية، مما يعني أن إدارة الرئيس ترامب سوف تتوسع في فرض العقوبات لتمتد إلى المتعاونين مع إيران في برنامجها النووي، مما يثير العديد من التساؤلات حول الآلية التي يمكن أن تتبعها الولايات المتحدة في فرض عقوبات على دول أو شركات يمكن أن تساعد إيران في برنامجها النووي. 

دور المؤسسات الأمريكية:

عملت المؤسسات التابعة للإدارة الأمريكية، باعتبارها جزءًا من السلطة التنفيذية، على تقديم كافة البدائل والخيارات للرئيس ترامب، ودعمه في اتخاذ القرار، وتزامن عمل هذه المؤسسات مع جدل داخل المؤسسات غير الرسمية حول الخيارات المحتملة للتعامل مع الاتفاق النووي الإيراني، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى:

1- مجلس الأمن القومي: يُعد مجلس الأمن القومي الأمريكي أحد الأجهزة التي تتبع مكتب الرئيس، وفي هذا الإطار عمل مستشار الأمن القومي السفير "جون بولتون" على وضع كافة البدائل أمام الرئيس ترامب، ووفقًا لما نشرته وسائل الإعلام الأمريكية قام المجلس بتقديم عدة بدائل، سواء اتخاذ قرار بإعادة فرض العقوبات، أو الاستمرار في الاتفاق النووي، أو تمديد الاتفاق. وبعيدًا عما أُثير إعلاميًّا لا توجد معلومات حول ما تم تقديمه على وجه الدقة للرئيس ترامب، لكن ونظرًا لموقف مستشار الأمن القومي من إيران الذي يعد أحد الصقور في مواقفه من طهران، فمن المحتمل أن يكون المجلس قد أوصى بالانسحاب من الاتفاق، كما يُذكر أيضًا أن مستشار الأمن القومي عقد مؤتمرًا صحفيًّا عقب إعلان القرار الرئاسي يشرح فيه الأبعاد والجوانب المختلفة للقرار، ويعد هذا المؤتمر جزءًا من استراتيجية علاقات عامة قامت بها الإدارة لتسويق القرار الرئاسي داخليًّا.

2- نائب الرئيس: انخرط "مايك بنس" نائب الرئيس الأمريكي في مشاورات مع الكونجرس لتمهيد الطريق أمام إعلان الرئيس الانسحاب من الاتفاق، وقد حاول نائب الرئيس خلال هذه المشاورات عرض موقف الإدارة والتمهيد له مع أعضاء الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، وهذا التحرك تم انطلاقًا من معارضة العديد من الأعضاء الديمقراطيين وعدد محدود جدًّا من الأعضاء الجمهوريين في الكونجرس للانسحاب من الاتفاق. 

3- المؤسسات غير الرسمية: بالتوازي مع ما كان يدور خلف الكواليس داخل أروقة الإدارة والكونجرس، انشغلت الدوائر الإعلامية والبحثية بإثارة نقاش حول كيفية التعامل مع الاتفاق، وكان هناك تياران يُعبِّران عن الجدل في هذه الأوساط، أولهما يتمثل في وجهة النظر التي تدعم الاتفاق وترفض الانسحاب الأمريكي منه وأغلب الذين انخرطوا في هذا النقاش من أصحاب التوجهات الليبرالية، سواء في الصحف ومراكز البحوث، فالافتتاحيات الرئيسية لصحف "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" دافعت عن الاتفاق، وبدا لافتًا أن مؤيدي الاتفاق على الساحة الأمريكية يركزون انتقاداتهم حول افتقاد إدارة الرئيس ترامب لخطة بديلة أو استراتيجية واضحة في التعامل مع مرحلة ما بعد الانسحاب من الاتفاق النووي. في المقابل، كانت هناك وجهة نظر معارضة للاتفاق ومؤيدة للرئيس ترامب في الانسحاب منه، وعبر عنها أصحاب التوجهات المحافظة مثل محللي شبكة "فوكس نيوز" وصحيفة "واشنطن تايمز".

"اليوم التالي":

عقب إعلان الرئيس ترامب قراره بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي، وجّه الرئيس مذكرة سياسية لجميع مؤسسات الإدارة، خاصة وزراء الخارجية والخزانة والدفاع، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية C.I.A، وعدد من الوزارات الأخرى، لتوجيههم بشأن الإجراءات التي يجب أن يتم اتخاذها لتنفيذ قرار الرئيس، ووفقًا لما جاء في هذه المذكرة، يمكن الإشارة إلى بعض النقاط:

1- إنهاء مشاركة الولايات المتحدة في الاتفاق، طلب الرئيس الأمريكي من وزير الخارجية بالتشاور مع وزيري الخزانة والطاقة اتخاذ كل الإجراءات المناسبة لإيقاف مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في الاتفاق النووي. 

2- إعادة العقوبات الأمريكية التي تم تعليقها بموجب الاتفاق النووي، وجه الرئيس الأمريكي كلًّا من وزيري الخارجية والخزانة لاتخاذ كل الإجراءات المطلوبة لإعادة فرض العقوبات الأمريكية، وحددت المذكرة جميع هذه العقوبات: بدايةً من تلك المفروضة بموجب القرار التنفيذي الرئاسي الخاص بميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2012، والمطبقة بموجب قانون العقوبات على إيران لعام 1996، وتلك التي تم فرضها بموجب قانون تقليل التهديدات الإيرانية وحقوق الإنسان في سوريا لعام 2012 Iran Threat Reduction and Syria Human Rights Act of 2012، وقانون حرية إيران ومكافحة الانتشار النووي لعام 2012 Iran Freedom and Counter-proliferation Act of 2012، وحدد التوجيه الرئاسي ضرورة اتخاذ الإجراءات المطلوبة في مدة لا تتجاوز 180 يومًا (6 أشهر بداية من تاريخ المذكرة 8 مايو 2018).

واتصالًا بهذه الجزئية، أصدر وزير الخزانة الأمريكي بيانًا صحفيًّا بشأن دور الوزارة في عملية إعادة فرض العقوبات، وحدد في البيان ما سُمي بالمدة الخاصة بتوفيق الأوضاع "Wind-Down Periods " والخاصة بالسماح للشركات والمؤسسات البنكية المتعاملة مع إيران بتوفيق أوضاعها قبل فرض العقوبات على إيران، حتى لا تقع تحت طائلة هذه العقوبات، وحدد الوزير هذه المدة بفترة من 90 إلى 180 يومًا، أي بما يتراوح من 3 إلى 6 شهور، وذلك حتى يتم تجديد فرض العقوبات.

وبالتوازي مع هذا البيان، نشرت وزارة الخزانة الأمريكية قائمةً بالإجراءات والعقوبات التي سيتم إعادة فرضها على إيران، والتي تم تعليقها في السابق نتيجة للاتفاق النووي، هذا مع الوضع في الاعتبار أن العقوبات سوف تُطبَّق بشكل فوريٍّ على أي جهةٍ تقوم بتعاملات جديدة مع إيران لاحقة على القرار الرئاسي.

3- التحضير لخطة طوارئ إقليمية، طالبت المذكرة الرئاسية وزير الدفاع ورؤساء الوكالات الأمريكية ذات الصلة باتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة للتعامل مع أي إجراءات عدائية يمكن أن تقوم بها إيران ضد الولايات المتحدة أو حلفائها وشركائها، ووجهت المذكرة وزارة الدفاع الأمريكية إلى ضرورة ضمان قيام الولايات المتحدة بتطوير وامتلاك كافة الوسائل اللازمة لمنع إيران من تطوير وامتلاك سلاح نووي أو أنظمة توصيل هذه الأسلحة.

دور الكونجرس:

يُمكن القول إن قرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني تنفيذي رئاسي يخضع لسلطات الرئيس، وليس للكونجرس أي دور أو علاقة به، ولا يتطلب هذا القرار موافقة أيٍّ من مجلسي الكونجرس، سواء مجلس الشيوخ أو مجلس النواب، لكن من المحتمل أن يكون للكونجرس دور يتصل بأمرين لاحقين على القرار؛ أولهما يتمثل في ضرورة موافقته على فرض عقوبات جديدة على إيران، وهذا الأمر من المستبعد أن يتم في الأجل القريب. أما الأمر الثاني فيتصل باحتمال قيام مجلس الشيوخ بعقد جلسات استماع حول تداعيات هذا الانسحاب، وسياسة الإدارة بشكل عام في التعامل مع الملف الإيراني.

ختامًا، إن قرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، هو جزء من عملية طويلة وممتدة تتضمن قيام الأجهزة والوكالات التابعة للإدارة الأمريكية باتخاذ خطوات فعلية لتنفيذ القرار، وهذه المؤسسات قام بعضها بخطوات قبل اتخاذ القرار الرئاسي، ويجب على بعضها اتخاذ خطوات لاحقة على هذا القرار، وسوف يقع عبْء تنفيذه ومتابعة الإجراءات المرتبطة بإعادة فرض العقوبات على وزارتي الخارجية والخزانة.