أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

فرص متساوية:

اتفاق إيران النووي بين النجاح والفشل

17 نوفمبر، 2015


لاتزال أزمة الملف النووي الإيراني تتسم بقدر كبير من التعقيد وتعدد المتغيرات التي يصعب من خلالها الوصول إلى ترجيح سيناريو بعينه فيما يخص تنفيذ الاتفاق النووي النهائي الذي تم توقيعه بين إيران ومجموعة "5+1" منذ أربعة أشهر، في 14 يوليو الماضي، وذلك على الرغم من موافقة كل من مجلس الشورى الإيراني، ومجلس صيانة الدستور، والمجلس الأعلى للأمن القومي، ومكتب المرشد الأعلى للثورة الاسلامية على توقيع الاتفاق، إذ تشير بعض المتغيرات التي ظهرت في الفترة الأخيرة إلى إمكانية حدوث ما قد يبطل مضمون أي التزام سابق، وذلك في مقابل وجود نفس المحفزات التي تعزز من احتمالات تنفيذ الاتفاق.

محفزات إنجاح الاتفاق النووي

ثمة العديد من المؤشرات التي تحمل فرصاً متاحة أمام الجانبين، الإيراني والغربي، تدفع إلى إنجاح الاتفاق النووي وتنفيذه، ومن أبرزها:ـ

1 ـ وجود رغبة حقيقية لدى الجناح المعتدل "الإصلاحي" في إيران ومن الرئيس حسن روحاني، بأن يتم تنفيذ بنود الاتفاق النووي، إذ يحتاج هذا التيار إلى تحقيق إنجاز ملموس في هذا الملف يستطيع أن يواجه به تيار المحافظين الأصوليين في ظل اقتراب الانتخابات البرلمانية في عام 2016. هذا علاوة على حاجة إيران كدولة إلى بداية تنفيذ الاتفاق ليتم رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، خاصة تلك التي شملت صادراتها النفطية.

2 ـ توافر الإرادة السياسية لدى الإدارة الأمريكية، خاصة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بضرورة تنفيذ الاتفاق، إذ يحتاج الرئيس إلى إنهاء ملف إيران النووي بشكل سلمي لتحقيق إنجاز دبلوماسي في فترته الرئاسية الثانية والأخيرة، مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016 أيضاً.

3 ـ وجود رغبة من الدول الأوروبية، خاصة بريطانية وألمانيا، لإنجاح الاتفاق النووي مع إيران وضمان استمراريته، نظراً للدور الحيوي لهذه الدول في المحادثات النووية من جانب، ورغبتها في استثمار ذلك النجاح في مناقشة القضايا الإقليمية الأخرى من جانب آخر. ويضاف لذلك أولوية الجانب الاقتصادي حيث تحرص العديد من الدول الأوروبية على نجاح الاتفاق لأنه يفتح المجال أمام زيادة الصادرات النفطية الإيرانية، ويقلل من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، خاصة بعد التوترات بين أوروبا وروسيا نتيجة لتبعات الأزمة الأوكرانية.

4 ـ طبيعة الدور الإقليمي الذي تهدف إليه إيران، وما يمكن أن يتحقق لها من مكاسب استراتيجية في عدد من الملفات، وهو ما بدأ جلياً في موافقة المجتمع الدولي بشكل عام على جلوس إيران على طاولة المفاوضات متعددة الأطراف في فيينا في 30 أكتوبر 2015 الخاصة بالأزمة السورية؛ وهو ما يمكن اعتباره مكسباً لصالح الدبلوماسية الإيرانية واعترافاً بأهمية دورها في التوصل لحل سياسي في سوريا، الأمر الذي ترغب إيران بلا شك في أن ينطبق على سائر ملفات المنطقة الأخرى، خاصة ملف مكافحة الإرهاب.

إمكانيات الفشل.. خطوات ومطالبات متبادلة

تواجه المحفزات السابقة العديد من العقبات التي قد تحول دون تطبيق الاتفاق النووي، أو على الأقل سوف تصعب من هذه المهمة في المستقبل القريب؛ فثمة خطوات إيرانية ـ أمريكية متبادلة، يمكن تفسيرها بأنها تعكس وجود قدر كبير من ضعف الثقة المتبادلة، أو أنها تمثل استكمالاً للعبة عض الأصابع القائمة بين الطرفين منذ بدايات التفاوض، أو أنها قد تتحول لإجراءات لاحقة قد تمثل تحديات جوهرية قد تقف حائلا أمام إمكانية نجاح الاتفاق.

ويمكن تناول هذه الخطوات على كل من الجانبين، الإيراني والأمريكي، كما يلي:ـ

أولاً: على الجانب الإيراني:

بدأ الجانب الإيراني في التحرك على الساحة الإقليمية والدولية بمساحات حركة أوسع بعد التوقيع على الاتفاق النووي، وتعلقت الآمال بأن يكون هذا الاتفاق بمثابة تدشين لعصر جديد من الانفتاح بين إيران والغرب، ولكن سرعان ما ظهرت بواعث القلق في ظل وجود سلسلة من الإجراءات والتصريحات التي قد تؤدي إلى تقويض هذا الاتفاق، وتفتح المجال للعودة للمربع صفر مرة أخرى. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى ما يلي:ـ

1 ـ تصريحات المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في 21 أكتوبر الماضي، بأنه لن يوافق على خطة العمل المشترك الشاملة إلا بعد تلبية عدد من المطالب، من بينها أن يقوم الغرب برفع وليس تعليق العقوبات المفروضة على إيران بشكل فوري ودائم، وأن يكون لإيران الحق في تنفيذ خطة مرحلية لزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي لتصل إلى 150 ألف خلال فترة الـ 15 عاماً القادمة. وأخيراً إصرار المرشد على عدم فرض أي عقوبات جديدة على إيران بسبب ملفات دعم ومساندة الإرهاب أو انتهاكات حقوق الانسان.

ومما لا شك فيه أن هذه المطالب الثلاثة إنما تفتح الباب أمام خلافات كبيرة بين إيران والغرب، فهذه الشروط قد تقوض نسبياً الاتفاق مع الغرب، نظراً لتمسك كل طرف بوجه نظره في هذه الملفات.

2 ـ وجود حالة من الإجماع النسبي بين كبار المسؤولين في النظام الإيراني وأقطاب اليمين المحافظ، بأن هناك عدداً من البنود في اتفاق ايران النووي وفي قرار مجلس الأمن رقم 2231 غير متوافقة مع مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية، خاصة ما يتعلق بالتفتيش على منشآت إيران العسكرية، والتي تم اعتبارها خطاً أحمراً لا يجب المساس به باعتباره شأناً داخلياً خالصاً، وهو ما عبر عنه اللواء محمد علي جعفر، قائد الحرس الثوري الإيراني، في أكثر من لقاء منذ توقيع الاتفاق.

على صعيد آخر، يتخوف الحرس الثوري من اتساع هامش استقلال القرار لمؤسسة الرئاسة الإيرانية وتوسيع صلاحياتها على حساب صلاحياته، وهي المحاولات التي لم يتهاون الحرس بشأنها مع عدد من الرؤساء السابقين أمثال محمد خاتمي وهاشمي رافسنجاني، وكذلك محمود أحمدي نجاد في فترة رئاسته الثانية.

3 ـ إعلان سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، على شمخاني، في 11 نوفمبر الجاري، توقف بلاده عن تفكيك أجهزة طرد مركزي تُستخدَم في تخصيب اليورانيوم في منشأتي ناتانز وفوردو، وذلك بعد أن وجه 20 نائباً رسالة إلى الرئيس حسن روحاني، منتقدين سرعة تلك الخطوات وما لها من تداعيات سلبية، خاصة مع عدم استجابة الدول الست للشروط التي سبق وأن وضعها المرشد الأعلى علي خامنئي.

4 ـ إعلان وزير الدفاع الإيراني، حسین دهقان، عن قيام الحرس الثوري الإيراني باختبار صاروخ باليستي جديد متوسط المدى في 11 أكتوبر الماضي، إذ على الرغم من أن هذا الاختبار لا ينتهك فعلياً خطة العمل المشتركة الشاملة لأنه أجري قبل دخول الاتفاق فعلياً حيز التنفيذ، إلا أن توقيته وطبيعته شكلت علامات تحد واضحة، لاسيما لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي يدعو إيران إلى الامتناع عن القيام بمثل هذه الأنشطة، علاوة على قرار مجلس الأمن رقم 1929 الذي لايزال سارياً ويحظر على إيران مثل هذه الأنشطة، وهو ما يدل على استمرار الحرس الثوري في تحديه للاتفاق النووي، خاصة أن الصواريخ الباليستية تشكل الدعامة الأساسية لعقيدة الدفاع الإيرانية، لذلك من المتوقع أن يقوم الحرس الثوري بتأدية دور سياسي أكثر بروزاً في إيران في المرحلة المقبلة حتى لو تم رفع العقوبات الاقتصادية.

5 ـ قيام الجانب الإيراني باعتقال مواطن لبناني- أمريكي في الذكري الـ 36 لحادثة الاستيلاء على السفارة الأمريكية في 5 نوفمبر الجاري، وهو ما يدل على استمرار إيران في تحدي القوى الغربية بشكل عام والولايات المتحدة على وجه الخصوص، خاصة مع تأكيدات المرشد الأعلى في أكثر من مناسبة أن الاتفاق النووي لا يعني التصالح مع الولايات المتحدة الامريكية وستظل الشعارات المناهضة لها، وهو ما يبرز استمرار حالة انعدام الثقة بين الجانبين، وما لها من تأثيرات لاحقة على مستقبل تنفيذ الاتفاق النووي.

ثانياً: على الجانب الأمريكي:ـ

1 ـ ظهور بعض المطالب داخل الولايات المتحدة بضرورة أن يتدخل الكونجرس لإدانة انتهاكات حقوق الانسان في إيران، ويسلط الضوء كذلك على أوضاع المعارضين والأقليات هناك، وهو ما يمكن اعتباره ملفات للضغط على إيران، سواءً فيما يتعلق بالملف النووي أو فيما يتعلق بإدارة الملفات الإقليمية.

وقد تفتح هذه المطالبات المجال أمام مزيد من التعنت الإيراني، ما يمكن أن يؤدي  إلى إفشال الاتفاق، لأن إيران ترى أن هذه ملفات داخلية لا يحق للمجتمع الدولي التدخل فيها.

2 ـوجود مطالبات أمريكية أخرى بأن يتم إدراج الحرس الثوري الإيراني ضمن التنظيمات الإرهابية، نظراً لدوره المحوري في عدد من الملفات الإقليمية، خاصة الملفين السوري والعراقي، علاوة على دورة الداخلي في قمع المعارضة الإيرانية الداخلية، على أن يتم ذلك من خلال استخدام الإدارة الأمريكية لمرسوم قانون رقم 13224، الذي سبق وأن فرضته وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2007 ضد فيلق القدس، والذي تضمن تجميد أصوله وعزله عن النظام المالي والتجاري في الولايات المتحدة، علاوة على إمكانية استخدام وزير الخارجية الأمريكي البند 219 من قانون الجنسية والهجرة لعام 2011 باعتبار الحرس الثوري منظمه أجنبية لها نشاطات إرهابية تهدد الأمن القومي الأمريكي.

وتعتبر هذه خطوة مؤجلة من المستبعد أن تقدم عليها الإدارة الأمريكية خلال ما تبقى لأوباما في الرئاسة، ولكنها تظل خياراً مفتوحاً أمام الرئيس القادم، لاسيما إن كان من الجمهوريين.

3 ـ قيام الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 11 نوفمبر الجاري، بتمديد العقوبات المفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة منذ عام 1979 لمدة عام، وهو ما يطلق عليه "الحالة الطارئة" في علاقات الولايات المتحدة مع إيران، حيث قرر أوباما إبقاء سريان مفعول المرسوم رقم 12170 الصادر في 14 نوفمبر عام 1979، وقام الرئيس بتفسير هذا الإجراء بأن العلاقات مع إيران لم تعد بعد إلى طبيعتها.

الجدير بالذكر أن القيود التي قرر أوباما تمديد مدتها ليست جزءاً من حزمة العقوبات التي التزمت الولايات المتحدة برفعها عن إيران بعد تنفيذها لجميع بنود الاتفاق النووي، ولكنها خطوة تشير إلى أن عدم الثقة الأمريكية في الجانب الإيراني سوف تبقى لبعض الوقت.

والحاصل مما سبق، سواءً فيما يرتبط بمحفزات تنفيذ الاتفاق النووي أو معوقاته، إن هذا الاتفاق بحد ذاته أصبح بالون اختبار للجانبين الإيراني من جانب والغربي خاصة الأمريكي من جانب آخر، وأن عوامل نجاحه تبقى مرهونة بعدد من الأمور من أهمها الملفات الإقليمية في المنطقة، وحجم وطبيعة الدور الإيراني فيها، وطبيعة التحولات الداخلية في القائمين على الحكم في كل من إيران والولايات المتحدة، وإلى أي مدى يمكن أن تصل الضغوط المتبادلة، خصوصاً تلك المتعلقة باستغلال الولايات المتحدة والغرب ملفات داخلية في ايران كالأقليات والمعارضة، وبمطالبات إيران بالإبقاء على مقاربة أمريكية معتدلة فيما يتعلق بالقدرات النووية والمنشآت العسكرية وقبلهما رفع العقوبات.

من هنا سيظل الاتفاق النووي محفوفاً بالمخاطر، خاصة في ظل تحفظ أو رفض عدد من الدول الإقليمية للاتفاق وللتداعيات التي قد تترتب عليه في المرحلة اللاحقة، وفي ظل ما سوف يفرضه التنفيذ ذاته على الولايات المتحدة والغرب من بذل مزيد من الجهد لمتابعة ترتيبات التنفيذ وتشجيع الجانب الإيراني على الالتزام به، وما قد يثيره ذلك من مشكلات تتعلق بالتحقق الدائم من مصداقية إيران وتحديد أي إجراءات أخرى يجب اتخاذها في حالة عدم الالتزام ببنود الاتفاق.