أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

منافسة غير عادلة:

أثر سياسات الدعم الأمريكي على قواعد التجارة العالمية

11 ديسمبر، 2023


عرض: منى أسامة

اعتادت الولايات المتحدة اللجوء إلى الإجراءات الحكومية التي تدعم بشكل مباشر توسع قطاعات اقتصادية معينة على حساب أخرى غير مرغوبة لقربها من السياسات الاشتراكية. لكن في مواجهة جائحة "كورونا"، واضطرابات سلاسل التوريد العالمية، وتغير المناخ، وصعود الصين، احتضنت إدارة جو بايدن الرئيس الأمريكي الحالي سياسات الدعم من خلال تقديم حوافز كبيرة للاستثمار في قطاعات ذات أهمية استراتيجية من الاقتصاد. 

وبينما افترض البعض أن السياسة الاقتصادية الأمريكية تماثل السياسات الصينية لهيمنة الدولة، والتي عارضتها واشنطن لسنوات، فإن الممثلة التجارية الأمريكية كاثرين تاي، تؤكد أن سياسات الدعم الأمريكية هي "نتاج لنظام ديمقراطي لسيادة القانون"، و"تهدف إلى العمل في نظام السوق للتأثير في سلوك الشركات". تسبب ذلك في إثارة الجدل باعتبار تلك السياسات تعزز المنافسة غير العادلة وتخرق قواعد منظمة التجارة العالمية، بينما يراها آخرون ضرورية في أعقاب الأزمات، وحاجة الدول إلى بناء قدرتها لصمود الخدمات الحيوية ومواجهة التهديدات كتغير المناخ.

في هذا السياق، يناقش تقرير لاثنين من خبراء الاقتصاد والسياسة التجارية في مجلس العلاقات الخارجية في سبتمبر 2023 -جينيفر أ. هيلمان، وإينو ماناك- مدى قدرة القواعد على المنع أو السماح باستخدام سياسة الدعم الصناعي على نطاق واسع من قبل الدول التي تأمل في الحصول على ميزات في التجارة الدولية، وما يتضمنه ذلك من مخاوف، كخنق الابتكار وتفاقم تركز قوة الشركات، وإهدار أموال الضرائب، أو انتهاك القواعد الأساسية لمنظمة التجارة العالمية. على سبيل المثال، تجنبت الشركات المملوكة للدولة في الصين، القيود إلى حد كبير، وكانت العقوبات المفروضة على الانتهاكات أضعف من أن تشكل رادعاً حقيقياً.

سياسات الدعم:

تشير السياسة الصناعية إلى الجهود التي تبذلها الحكومة لتعزيز صناعات محددة حددها صناع السياسات على أساس أهداف معينة خاصة بالأمن القومي أو القدرة التنافسية الاقتصادية أو تعزيز الصناعات الناشئة. وهناك أشكال مختلفة لتلك الجهود مثل، الإعانات والتعريفات واللوائح والحوافز الضريبية وقواعد المشتريات الحكومية وتفضيل الحصول على الائتمان. 

ومنذ توقيع الاتفاق العام للتعريفات الجمركية والتجارة "الجات" في عام 1947، مروراً بالجولات التفاوضية حول "الجات" ومنظمة التجارة العالمية، هناك جدل واسع بين الدول المتقدمة والدول النامية، فيما يتعلق بعدد من القضايا مثل: الرسوم الجمركية، وتسوية المنازعات والخدمات، وحقوق الملكية الفكرية، والزراعة، والبيئة، وسياسات الدعم، وغيرها. وفي جولة مفاوضات طوكيو 1973-1979، تم اعتماد قانون الدعم، والذي تضمن أحكاماً تجعل سياسات دعم التصدير في حد ذاتها انتهاكاً للقواعد، وأضافت شرطاً يقضي بأن على الدول التي تطبق الرسوم التعويضية أن تثبت أولاً أن صناعتها المحلية قد تضررت بسبب الواردات المدعومة.

مع ذلك، لم ينضم جميع أعضاء "الجات" إلى قانون الدعم. وخلال جولة مفاوضات أوروغواي في الفترة 1986-1993، تم الاتفاق على ضوابط قانون التجارة بشأن الدعم منها إنشاء منظمة التجارة العالمية وكذلك اتفاقية الدعم والتدابير التعويضية (SCM)، والتي تتضمن تعريفاً للدعم، إلى جانب متطلبات الإخطار وعملية الإشراف على أنشطة الدعم. فبموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، لا يمكن اعتبار أن شركة تتلقى "إعانة" إلا إذا كان هذا الدعم صادراً عن الحكومة. ثم تضمنت المادة الأولى من اتفاقية (SCM) المساهمات المالية من قبل "أي هيئة عامة" وليس فقط الحكومة ضمن سياسات الدعم. وتشمل المساهمات المالية بحسب الاتفاقية: التحويلات المباشرة للأموال كالقروض، الإيرادات الحكومية المتنازل عنها كالإعفاءات الضريبية، توفير السلع أو الخدمات العامة، شراء السلع، وغيرها من المساهمات التي تحقق "منفعة" للمتلقي.   

ولم تكن التحديات التي أظهرتها سياسات الدعم على النظام التجاري الدولي جديدة. إذ أشار تقرير صادر في عام 2006 حول العلاقة بين الدعم والتجارة ومنظمة التجارة العالمية إلى أنه في عام 2003، أنفقت 21 دولة متقدمة 250 مليار دولار على الدعم من أصل 350 مليار دولار إجمالي الإنفاق العالمي. وعلى الصعيد العالمي، تتحمل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي مسؤولية أكثر من نصف تدابير الدعم، الأمر الذي يثير مخاوف بشأن العدالة العالمية، وخاصة فيما يتعلق بالقدرة على الوصول إلى التكنولوجيا.

رؤية واشنطن:

اعتمدت الولايات المتحدة بشكلٍ كبير منذ نشأتها على نقل التكنولوجيا من بريطانيا العظمى لتحديث الصناعة. ودفع هذا الاعتماد ألكسندر هاملتون، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، إلى كتابة تقريره عن المصنعين في عام 1791، والذي دعا فيه إلى دعم الصناعات الناشئة التي توفر "أساسيات العرض الوطني"، بما في ذلك "وسائل العيش والسكن والملابس والدفاع". فأيد هاملتون الاستخدام المحدود لـ"المنح" "الدعم" كونها "نوعاً من التشجيع المباشر والإيجابي". واقترح دعم عدد محدود فقط من الصناعات الجديدة مثل، الفحم والصوف الخام، وقماش الشراع، والقطن، والزجاج. 

وأيدت الولايات المتحدة القواعد الدولية رداً على ارتفاع سياسة الدعم في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. فعلى سبيل المثال، خلال التفاوض على اتفاقية الدعم والتدابير التعويضية (SCM)، ضغطت الولايات المتحدة من أجل اعتمادها بنجاح، وذلك للوصول إلى أحكام مقبولة لضبط الدعم أو الرسوم التعويضية استناداً إلى القانون والممارسات الأمريكية.  

في الوقت الحالي، من الملاحظ أن هناك توافقاً أمريكياً (بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري) تجاه عدم كفاية المؤسسات القائمة للتعامل مع الأزمات العالمية، مثل الأوبئة وتغير المناخ، وصعود الصين. فالإدارة السابقة للرئيس دونالد ترامب، تبنت سياسة "أمريكا أولاً"، والتي تضمنت سياسات مثل إعطاء الأولوية للإنتاج المحلي للقاحات "كوفيد19" أو فرض تعريفات جمركية على واردات صينية بمليارات الدولارات، ومع تغير الإدارة الأمريكية، حافظت إدارة بايدن على سياسة التعريفات الجمركية الخاصة بإدارة ترامب، ووسعت نطاقها، بهدف مساعدة الولايات المتحدة على المنافسة عالمياً ضد الصين الصاعدة. وتنقسم أهداف الجهود المبذولة الحالية إلى مواجهة الصين ومكافحة تغير المناخ. 

حالة الصين:

منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، أعلنت بكين التزامها "بأن جميع الشركات المملوكة للدولة والمستثمرة من قبل الدولة سوف تقوم بعمليات الشراء والبيع على أساس الاعتبارات التجارية فقط". ولعدة سنوات بعد انضمام الصين إلى المنظمة، بدأ الاقتصاد الصيني التحول نحو اقتصاد السوق، لكن بدءاً من منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت الصين منعطفاً كاملاً نحو الاقتصاد الذي تهيمن عليه الدولة والحزب الشيوعي.

يرى تقرير مجلس العلاقات الخارجية أن اتفاقية (SCM) ليست واضحة في إمكانية إثبات أن سياسات الدعم المقدمة في الصين تقع في نطاق المحظور أم المسموح، ولاسيما وأن ذلك يتطلب إعلان الإجراءات الحكومية وتوثيق ما فعلته بشكل واضح ورسمي، وهو أمر بالغ الصعوبة في اقتصاد مثل الصين. حتى أن إضافة اشتراط لقانون الدعم بشأن تقديم أعضاء منظمة التجارة العالمية إخطارات سنوية لجميع سياسات الدعم المحددة التي منحوها أو حافظوا عليها لم تلتزم به العديد من الدول. 

تغير المناخ:

تزامناً مع الحاجة للانتقال إلى الطاقة النظيفة، لجأت العديد من الدول إلى سياسات الدعم من أجل تحفيز وتوسيع نطاق تطوير التكنولوجيا الخضراء. لكن ظهر تناقض بين ضرورة الحد من دعم الصناعات التي تعوق مكافحة تغير المناخ كـ(الوقود الأحفوري) من ناحية، وتشجيع الصناعات التي تسهم في نشر تكنولوجيات الطاقة المتجددة أو إزالة الكربون من ناحية أخرى. ولا تتضمن قواعد منظمة التجارة العالمية أي أساس للتمييز بين أنواع الدعم. 

تبنت الإدارة الأمريكية الحالية قانوناً يهدف إلى كبح التضخم عن طريق خفض أسعار الأدوية، والاستثمار في إنتاج الطاقة محلياً وكذلك تعزيز الطاقة النظيفة من خلال إنفاق 370 مليار دولار وإعفاءات ضريبية لمكافحة تغير المناخ والاستثمار في مصادر الطاقة منخفضة الانبعاثات. وعلى الرغم من ترحيب بعض حلفاء الولايات المتحدة بهذه الإجراءات من أجل المناخ، فإنهم شعروا بالتجاهل بشأن بعض الأحكام التي تميز ضد الواردات وتمنعهم من الدعم الكامل للتحول الأخضر في الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، الأمريكيون الذين يختارون شراء المركبات الكهربائية المجمعة في اليابان أو كوريا الجنوبية أو أوروبا لن يكونوا مؤهلين للحصول على الائتمان الضريبي.

مواصلة الإصلاحات:

بلور التقرير مجموعة من التوصيات والمقترحات من أبرزها أنه يجب على الولايات المتحدة متابعة إصلاحات النظام الحالي، بما في ذلك إعادة كتابة قواعد الدعم لتعكس بشكل أفضل الحقائق السياسية والاقتصادية الحالية، وتعزيز الشفافية، والحث على فرض عقوبات على عدم الامتثال، ويجب تشجيع الدول على الكشف عن سياسات الدعم الخاص بها، من خلال استخدام حافز "الملاذ الآمن" للدعم، وهي السياسات التي تم الإخطار بها بشكل صحيح، وإنفاذ العقوبات على أولئك الذين يتقاعسون عن تقديم الإخطارات في الوقت المناسب.

كذلك، فثمة أهمية لوضع إرشادات واضحة بشأن ما ينبغي الإخطار عنه بالضبط باعتباره دعماً، وضرورة تشديد العقوبات في حالة عدم الالتزام بقواعد الدعم الدولية، والاستفادة من الاتحاد الأوروبي في التعامل مع انتهاكات قواعد مكافحة الدعم. فقد توصلت إحدى لجان منظمة التجارة العالمية إلى ضرورة اقتران تقديم المنحة بأن يتم سدادها بالكامل.

ختاماً، يشير التقرير إلى انقسام منتقدي نظام الدعم الدولي إلى فريقين: الأول ينظر إلى القواعد الحالية على أنها غير مرنة، مما يحد من الإجراءات الحكومية لمعالجة قضايا السياسة الملحة، والثاني ينظر إلى القواعد على أنها ليست صارمة بما يكفي لتجنب حروب الدعم أو الصراعات التجارية. ويفترض التقرير أن الرأيين صحيحان، ومن ثم لا بد من إيجاد أرضية مشتركة بينهما، ولاسيما مع تحول الاقتصادات الكبرى على نحو متزايد إلى السياسات الصناعية لمعالجة المخاوف العالمية، مثل مكافحة تغير المناخ والأوبئة، والقدرة التنافسية المحلية واحتياجات مرونة سلسلة العرض. 

ويركز التقرير على ثلاثة أهداف: التفرقة بين الدعم الجيد والدعم السيئ، وتشجيع الدول على الكشف عن الدعم الذي تقدمه، وتحسين التنفيذ من خلال حوافز الامتثال والعقوبات في حالة عدم الامتثال. وتتضمن هذه الأهداف رسالة مفادها أنه بدلاً من تجنب منظمة التجارة العالمية، يُمكن استخدام قواعدها وأدواتها بشكل أفضل لتحقيق الأهداف المرجوة. أضف لذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تقود الجهود الرامية إلى إعادة تشكيل القواعد العالمية لخدمة مصالحها الخاصة والحقائق المتغيرة للنظام التجاري الدولي بشكل أفضل، من أجل مواجهة مخاوفها المزدوجة بشأن المنافسة مع الصين ومكافحة تغير المناخ. 

المصدر:

Jennifer A. Hillman and Inu Manak. Rethinking International Rules on Subsidies. Council on Foreign Relations Press. 2023.