أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الاستيعاب المفقود:

الدروس "الصحيحة" للإخفاق الأمريكي والانتصار الطالباني

19 سبتمبر، 2021


عرض: منى أسامة- باحثة دكتوراة في العلوم السياسية بجامعة القاهرة

بعد أسابيع من إعلان الولايات المتحدة سحب قواتها من أفغانستان، تمكنت حركة طالبان من السيطرة على أقاليم البلاد تدريجياً، وصولاً إلى العاصمة كابول في 15 أغسطس 2021، وقد أثارت هذه التطورات السريعة العديد من الأسئلة حول أسباب انتهاء الحرب بتحقيق مكاسب كبيرة لطالبان، وفشل الولايات المتحدة في بناء الدولة، ومعالجة القطاع المدني في أفغانستان. 

بناء على ذلك، أعد أنتوني كوردسمان Anthony H. Cordesman- والذي عمل مستشاراً لوزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين أثناء حرب أفغانستان - تقريراً بعنوان "تعلُم الدروس الصحيحة من الحرب الأفغانية"، هادفاً إلى تقييم المسار الكامل للحرب التي استمرت عقدين كاملين، من خلال تحليل التحديات الأمنية والعسكرية التي أدت إلى تمديد الصراع، وبحث القرارات التي حدت من فرص انتصار الولايات المتحدة، وعواقبها التراكمية على مدى العشرين عاماً، وذلك من أجل استنباط "الدروس المستفادة" للتصرف بشكلٍ أكثر فاعلية في المستقبل.

من يتحمل الخسارة ولماذا؟

يرى التقرير أن الانهيار المفاجئ للحكومة والقوات الأفغانية إلى جانب الإخلاء الفوضوي الذي أعقب ذلك، تسبب في خلق معركة حزبية داخل الولايات المتحدة، حول هوية الرئيس المسؤول عن ذلك. ففي وقت يُحمِّل فيه الديمقراطيون الانهيار وعواقبه إلى الرئيس السابق دونالد ترامب، يُلقي الجمهوريون اللوم على الرئيس جو بايدن، وهو أمر متوقع، وفقاً للتقرير، في ظل تجاهل تاريخ الحرب على مدى عقدين، وما تضمنه من إخفاقات حزبية دفعت الرئيسين ترامب وبايدن إلى اتخاذ قرار الانسحاب. بناءً عليه، يرى التقرير أهمية التركيز على أسباب انتهاء الحرب بالعديد من المكاسب المفاجئة لطالبان بدلاً من الاهتمام بتحديد "من خسر الحرب".

يؤكد كوردسمان في تحليله لعوامل الإخفاق الأمريكي في أفغانستان أنه من الخطأ التركيز على الجوانب العسكرية والقتال من دون الأسباب المدنية التي أدت إلى فشل بناء دولة أفغانية يُمكنها أن تتعامل مع الإرهابيين والمتمردين، منتقداً رغبة الولايات المتحدة في إحداث تغيير في السياسة الأفغانية وقوات الأمن والاقتصاد بسرعة، مع اختيار شكل عدواني من "بناء الدولة"، في ظل عدم توافر بديل سياسي واسع النطاق لطالبان، بخلاف القيادات المنقسمة وأمراء الحرب، أي أن الأمر لا يتعلق فقط بالولايات المتحدة، لكن هناك أسباب تعود إلى طبيعة الثقافة السياسية في أفغانستان، فلم يكن من السهل اقتلاع التقاليد الأفغانية أو استبدالها أو دمجها في إطار مؤسسي غربي.

 يضيف التقرير أن الولايات المتحدة أنفقت على القوات العسكرية الأفغانية أكثر بكثير مما أنفقته على التنمية المدنية، بالإضافة إلى عدم انتظام وتيرة الإنفاق، فكان حجم المساعدات الأمريكية يشهد صعوداً وهبوطاً من سنة إلى أخرى. من ناحية ثانية، لم تبذل واشنطن والجهات المانحة الأخرى وبعثة الأمم المتحدة أي جهد حقيقي لجعل المساعدات العسكرية أو المدنية المقدمة إلى أفغانستان مشروطة؛ بمعنى ربط تدفق المساعدات بجهود مدنية وعسكرية صادقة وفعالة لمكافحة الفساد والتطرف. فلم يكن هناك شيء مهم للمسؤولين الأمريكيين مثل، بقاء الحكومة الأفغانية واستقرارها، لذلك غالباً ما كانت الإصلاحات مثل الحد من الفساد ثانوية.

عدم فهم الخصوصية الأفغانية:

يرى التقرير أن عدم فهم الحكومة الأمريكية للبيئة الاجتماعية والسياسية الأفغانية دفع الولايات المتحدة إلى إضفاء الشرعية على أمراء الحرب بالدعم السياسي والمالي، ودعم قيادات فاشلة لا تصل إلى جزء كبير من السكان ولا تلبي احتياجاتهم، حيث ركزت الحكومة بشكلٍ فعَّال على المناطق الحضرية بشكل أكبر مثل كابول، وقندوز ولاشكار جاه وقندهار، مما يعني أن الولايات المتحدة ساهمت بشكل غير مباشر في استمرار ضعف سيادة القانون ونمو الفساد، إذ لم يكن هناك أي تحسن في مستوى الحكم مع مرور الوقت، مما أفسح المجال لطالبان تدريجياً لتحقيق انتصارات.

وعلى الرغم من أن الوجود الدولي في أفغانستان أدى إلى تحسين العديد من نتائج التنمية بشكل ملحوظ، فإنه لوحظ – بحسب التقرير- انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بعد انسحاب معظم القوات الدولية، وتولي الحكومة الأفغانية المسؤولية. ذلك أن فشل هذه الحكومة جعل استمرار الجهود الأمريكية إشكالية، في وقت قلل بعض المحللين من تأثير التدهور المستمر في الاقتصاد على القتال والتوترات الداخلية التي ساعدت طالبان لتحقيق مكاسب كبيرة، ومن ثم، يرى التقرير أن أحد الدروس المستفادة من تلك النقطة هو ضرورة أن يتضمن أي تحليل عن الحرب معالجة للجوانب المدنية الكاملة للحرب، ومعالجة الانقسامات القائمة داخل الأمة وآثارها الاقتصادية. 

لذلك، يرى كوردسمان أنه من الضروري أن تجري الولايات المتحدة دراسة كاملة بناءً على جميع البيانات السرية والمعلنة التي تتعقب عودة ظهور طالبان منذ 2002 فصاعداً، وكذا دراسة القرارات المدنية والعسكرية التي أسهمت في تقويض جهود الحكومة المركزية وكسب الدعم الشعبي، بما في ذلك مصادر الدعم الإقليمي، كالدور الذي لعبته باكستان كملاذ آمن للحركة، وكذلك سماسرة النفوذ والمخدرات في إضعاف القوات الحكومية وتمويل طالبان، فالانتصارات التكتيكية الأفغانية والأمريكية غالباً ما أعقبها انسحاب سريع وتحولات في الجهود الحكومية مكَّنت طالبان من السيطرة على عدة مناطق. فلم تكن هناك قوات أمن محلية (شرطة شبه عسكرية)، ما أدى إلى فتح مناطق واسعة من البلاد خارج المدن الكبرى لطالبان والسيطرة عليها بنجاح.

قوة عسكرية أفغانية "سيئة":

يرى مكتب المفتش العام SIGAR أن الولايات المتحدة "صممت قوة أفغانية لم تكن قادرة على توفير الأمن على مستوى البلاد"، فلم تستطع مواجهة الأحداث التالية لسحب قوات التحالف، فيما يرى التقرير أن جهود الولايات المتحدة والحلفاء واجهت نقصاً في عدد وخبرة المدربين المتخصصين في تطوير القوات الأفغانية، لذلك تراوح تقييم استعداد القوات للقتال من المتوسط إلى السيئ خلال الفترة من 2011 - 2021 إذ عانت القوات الأفغانية والشرطة المحلية الأفغانية (ALP) من مشكلات، مثل ضعف المجندين، وسوء التدريب، ومحدودية المعدات والإمدادات، وعدم الالتزام بمعايير حقوق الإنسان، بل وعدم الاهتمام بحوكمة قطاع الأمن، مما أدى إلى تفشي الفساد في قوات الأمن الأفغانية.

اتصالاً بذلك، استغلت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مقتل أسامة بن لادن في 2 مايو 2011، لتخفيض الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان. ومع الانسحاب الأمريكي التدريجي في الفترة (2012-2016)، لم تكن القوات الأفغانية التي حلت محل الأمريكية مستعدة بشكل كاف لإدارة المنطقة، مما سمح لطالبان بالسيطرة على تلك المناطق. بعبارة أخرى، فقد تنامت سيطرة طالبان على المناطق الريفية بعد انسحاب القوات القتالية البرية الأمريكية والقوات المتحالفة رسمياً في عام 2014، أي أن مكاسب هذه الحركة في 2021 ليست مفاجئة أو سريعة كما يتصور البعض.

 ينتقد التقرير أيضاً وصف حرب أفغانستان بأنها "حرب ضد الإرهاب"، لافتاً إلى أن القاعدة لم تعد قوة عسكرية نشطة في أفغانستان بعد معركة أناكوندا في باكتيا في مارس 2002، وبالتالي فإن التعبير الأقرب للحرب أنها حملة لمكافحة تمرد "طالبان"؛ ذلك أن معاملة طالبان كحركة إرهابية دفعت الولايات المتحدة إلى تجاهل بعض الأسباب المدنية والعسكرية الرئيسية التي حفزت الحركة على الاستفادة من إعلان الولايات المتحدة الانسحاب بعد بداية عام 2020.

دروس مستفادة:

طرح التقرير جملة دروس مستفادة اعتبرها من وجهة نظره "الأصح" عند فهم الإخفاق الأمريكي في أفغانستان ومن أبرزها:

- إن التقييم النهائي لطبيعة مكاسب طالبان منذ 2002 وحتى الآن يتطلب الوصول الكامل إلى البيانات السرية والمعلنة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي والحكومة الأفغانية في ظل عدم توافر بيانات موثوقة، بالإضافة إلى دراسة الإجراءات العسكرية والمدنية لطالبان من أجل السيطرة على المنطقة. فالتقارير الرسمية ركزت على "هزائم" قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية، وليس انتصارات طالبان ومخاطر ذلك، فاكتفى التقارير بالإشارة إلى التهديد الضيق الذي وصفه بـ"الهجوم" أو "العمل الإرهابي"، وليس تهديداً واسعاً كالتمرد.

- في ظل ضبابية المشهد السياسي والعسكري والاقتصادي الأفغاني بعد انتصار طالبان، كان من الأولى أن تهتم الولايات المتحدة بكيفية إنهاء الصراع وبناء الدولة ومستقبلها، وليس القتال ومن ينتصر على الأرض فقط.

- إن أي حرب ضد "الإرهاب" تستمر في استهداف العناصر باستخدام القوة العسكرية وتجاهل أسباب عدم الاستقرار والتطرف لن تصل إلى أهدافها المرجوة.

- على الولايات المتحدة تعلم تكييف قواتها للتعامل مع الإرهابيين والمتمردين وأشكال الحرب غير النظامية في المستقبل؛ لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين. كما يشير إلى الحاجة إلى مراجعة قوانين الحرب التي تميل إلى معاقبة الطرف الذي يستخدم قوات عسكرية نظامية.

- كان من الممكن تقليص التكلفة المالية للحرب بشكلٍ ملحوظ إذا ما كانت الولايات المتحدة أولت اهتماماً بإنشاء قوات أفغانية مستقلة وقائمة على الاكتفاء الذاتي. 

- إن قرارات الاستمرار في النزاعات وتصعيدها يجب أن تأخذ في الاعتبار التكاليف المادية وفي الأرواح، والتي لابد من تقديرها منذ بداية الحرب بشكلٍ كامل، مما يخدم جميع الأطراف.

- من الضروري في أي نزاع مستقبلي، أن تقوم الولايات المتحدة باتخاذ التدابير المناسبة بشأن التخطيط الفعَّال للمساعدات من حيث التنسيق والتنفيذ المشروطين؛ للحد من أي هدر أو فساد متوقع.

- على الولايات المتحدة أن تُقيِّم بعناية قدرة عدوها على تمويل عملياته والاستمرار فيها، وتحديد إمكانية الحد من موارد العدو وقدرته على الاستمرار.

- إن التقييم المناسب للحرب يجب أن يتضمن علاقة الولايات المتحدة مع شركائها الاستراتيجيين في الحرب، وقضايا القيادة والسيطرة والقيود المحلية التي أثرت سلباً على دور التحالف، والتكلفة التي تحملوها. فلابد أن يُدرس دور القوة الدولية للمساعدة الأمنية (2001 - 2014) وبعثة الناتو "الدعم الحازم" (2014 حتى الآن) والتي لعبت دوراً حاسماً في الحرب. وينتقد التقرير تجاهل الولايات المتحدة دور الحلفاء في الحرب.

- عند التقييم المتكامل للحرب، لابد من تضمين دور دول الجوار والقوى الخارجية في الحرب وأهمها باكستان وإيران وروسيا، وعلاقتها بأطراف القتال وتأثيرهم على مسار الحرب.

خلاصة القول إن الدرس "الأبرز" – الذي يراه كوردسمان - بعد عشرين عاماً من القتال الأمريكي في أفغانستان لا يتعلق فقط بأسباب خسارة الحرب، لكن أيضاً بأهمية تحديد دوافع الانتصار الطالباني، إذ يرى أن الولايات المتحدة لم تستوعب القيمة الاستراتيجية لمهمة أفغانستان، كخدمة دورها في آسيا الوسطى، أو مصالحها الاستراتيجية العامة، كما لم تقم بتقييم القيمة النسبية للحرب بالنسبة للاستخدامات الأخرى للموارد نفسها، أو دراسة تحالفاتها وشركائها الاستراتيجيين، أو بحث التأثير التنموي والإنساني للمساعدات، فالولايات المتحدة خصصت موارد أكثر بكثير مما كانت تستحقه الحرب.

المصدر:

Anthony H. Cordesman. Learning the Right Lessons from the Afghan War.Center for Strategic and International Studies.  September 7, 2021. Available at:

https://www.csis.org/analysis/learning-right-lessons-afghan-war