أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

العرب:

الردع المحدود: رسائل الضربات الأميركية والبريطانية ضد الحوثيين

20 يناير، 2024


رسم توجيه الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات جوية لأهداف حوثية في خمس محافظات يمنية الخطوط العريضة للإستراتيجية الأميركية والغربية للتعامل مع تنفيذ الحوثيين أكثر من 27 هجوماً على السفن التجارية في البحر الأحمر ، إذ استهدفت الولايات المتحدة وبريطانيا مصادر التهديد الحوثي للملاحة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب.

واشنطن - على الرغم من أن الضربات التي استهدفت خمس محافظات يمنية كانت محدودة، ولم تخلّف وراءها عدداً كبيراً من الضحايا، فقد أوضحت المدى الذي يمكن أن تذهب إليه واشنطن وحلفاؤها الغربيون في التعامل مع استهداف الحوثيين للسفن التجارية والحربية في المنطقة، الأمر الذي يؤكد أن البيت الأبيض يريد تثبيت “معادلة جديدة” لا تتعلق فقط بالحوثيين، بل أيضاً بأتباع إيران في المنطقة بدايةً من سوريا والعراق، وصولاً إلى حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن.

ضغوط للرد

عسكرة البحر الأحمر تدعو إلى إمكانية التفكير مجدداً في إحياء بعض المبادرات الإقليمية، وذلك حتى تمكن مجابهة الأخطار

تعرضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن منذ 19 نوفمبر الماضي إلى ضغوط هائلة لعدم ردها على التصعيد الحوثي وهجماته في الفترة الأخيرة. وقد بدأت هذه الهجمات باستهداف مدينة إيلات جنوب إسرائيل، وتطورت إلى الهجوم بعد ذلك على السفن التجارية، واحتجاز السفينة “غالاكسي ليدر” في 20 نوفمبر الماضي، وصولاً إلى أكبر هجوم حوثي على السفن التجارية والعسكرية في 9 يناير الجاري باستخدام نحو 21 طائرة مُسيَّرة، وصواريخ مجنحة وصواريخ “كروز”، وهو الهجوم الذي وصفته وزارة الدفاع الأميركية بـ”الأكثر تعقيداً” من جانب الحوثيين منذ بداية هجماتهم بداعي وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

ويقول الدكتور أيمن سعيد، الخبير في العلاقات الدولية، في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إن هجوم 9 يناير الجاري شكّل نقطة تحول في رؤية الإدارة الأميركية إلى تصعيد الحوثيين، فحتى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر الماضي كانت واشنطن تدفع بأن هجمات الحوثيين لا تستهدف السفن العسكرية الأميركية أو الغربية، وأن جميع الطائرات المُسيَّرة والصواريخ المجنحة التي أطلقوها على إيلات أو السفن التجارية تم إسقاطها بالكامل، ومن ثم لا توجد حاجة إلى اتخاذ إجراءات إضافية للتعامل مع الحوثيين، خصوصاً أن إدارة الرئيس بايدن سبق لها أن رفعت اسم ميليشيا الحوثيين من القائمة الأميركية للجماعات الإرهابية في 12 فبراير 2021، أي بعد أقل من أسبوعين فقط على دخول بايدن البيت الأبيض في 20 يناير من نفس العام.

إستراتيجية واشنطن

بعد القصف البحري والجوي الأميركي والبريطاني والمدعوم من كندا وأستراليا وهولندا ضد الحوثيين في 12 و13 يناير الجاري، يمكن تحديد الخطوط العريضة للإستراتيجية الأميركية في التعامل مع الحوثيين وأمن البحر الأحمر، في مجموعة من المسارات التالية:

1 - البناء على الأصول العسكرية القائمة: لن تحتاج الولايات المتحدة إلى المزيد من الجهد والعمل للتصدي للحوثيين، فهي تقود منذ نحو عقدين أكبر تحالف بحري في العالم وهو “القوة البحرية المشتركة” (The Combined Maritime Forces) التي تأسست عام 2002 تحت مظلة الأسطول الخامس الأميركي الذي يتخذ من البحرين مقراً له.

وتضم هذه القوة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، نحو 38 دولة أخرى، ويغطي مجال عملها مساحات شاسعة تصل إلى نحو 3.2 مليون كم من سواحل الهند شرقاً حتى البحر الأحمر غرباً.

وتتمثل الأهداف المُعلنة لتلك القوة البحرية العملاقة في مكافحة المخدرات والتهريب، وقمع القرصنة، وتشجيع التعاون الإقليمي، والمشاركة مع الشركاء الإقليميين في تعزيز القدرات الأمنية والبحرية من أجل تحسين الأمن والاستقرار، وتعزيز بيئة بحرية آمنة، وذلك بهدف تحقيق مبدأ التدفق الحر للتجارة.

ولتحقيق هذه الأهداف، أسست الولايات المتحدة عدداً من فرق العمل البحرية التي تعمل جميعها تحت مظلة الأسطول الخامس الأميركي، والقوة البحرية المشتركة، ومنها:

أ - القوة “سي تي أف 150″، التي تعمل خارج مياه الخليج في المحيط الهندي وبحر العرب، وقرب الساحل الشرقي لأفريقيا.

ب - القوة “سي تي أف 151″، ويقوم عملها على مواجهة القراصنة ومنع حركة الشباب الإرهابية من تهريب الفحم إلى الخارج، وهو المصدر الرئيسي لتمويل عمليات الحركة في الصومال وأفريقيا.

ج - القوة “سي تي أف 152″، التي تهتم بالحفاظ على الأمن في المياه الدولية للخليج العربي، وأدت هذه القوة دوراً كبيراً في منع سيطرة الزوارق البحرية الإيرانية على الكثير من السفن التي تمر بالقرب من مضيق هرمز.

د - القوة “سي تي أف 153″، وهي أحدث المهام البحرية التي أسستها الولايات المتحدة لحماية الأمن في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وتم الإعلان عنها في 12 أبريل عام 2022، وتضم 39 دولة، وهدفها الرئيس تحسين الأمن البحري في جنوب البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن. واقتصر عمل هذه القوة منذ تأسيسها على الزوارق الصغيرة، ومكافحة القراصنة والمهربين، ولم تكن جاهزة لمواجهة الطائرات المُسيّرة الحوثية أو التعامل مع الصواريخ الباليستية والمجنحة، ومن هنا جاء التفكير الأميركي في تأسيس قوة “حارس الازدهار”.

2 - تشكيل قوة “حارس الازدهار”: فاجأ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الجميع خلال زيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط عندما أعلن في 18 ديسمبر الماضي عن قوة بحرية جديدة منبثقة عن قوة العمل البحرية “سي تي أف 153″، أطلق عليها “حارس الازدهار”، ويتركز مجال عملها مثل القوة “153” على الأمن البحري في جنوب البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

لكن “حارس الازدهار” تختلف عن القوة “153” في عدد من النقاط، وهي أن الدول الأعضاء فيها لا تزيد عن 20 دولة، وليس 39 دولة كما هو الحال في القوة “153”، كما أن غالبية الدول المشاطئة للبحر الأحمر ودول مجلس التعاون الخليجي لا تشارك فيها باستثناء البحرين التي تستضيف الأسطول الخامس الأميركي. كذلك فإن أبرز ما يميز قوة “حارس الازدهار” هو أن لها أدوات عسكرية مختلفة عن القوة “153”؛ لأنها جاءت رداً على هجمات الحوثيين، ولهذا فهي تحتاج إلى سفن وفرقاطات تستطيع إسقاط الطائرات المُسيّرة والصواريخ الحوثية. وتعمل قوة “حارس الازدهار” على طمأنة السفن التجارية ومرافقتها أثناء المرور في باب المندب، ومنع أيّ محاولات جوية أو بحرية للسيطرة عليها، واعتراض المقذوفات الجوية أو الصاروخية التي يتم توجيهها نحو سفن الشحن المتحركة في نطاق مضيق باب المندب.

3 - “الردع المحدود” دون توسيع الحرب: لجأت الولايات المتحدة إلى تكرار سيناريو “الردع المحدود” مع الحوثيين، الذي تنفذه ضد أذرع إيران في العراق وسوريا، عندما قرر الرئيس جو بايدن الرد على مصادر النيران الحوثية في محافظات يمنية مثل: الحديدة وتعز وذمار وصعدة وصنعاء. لكن ربما حرص البيت الأبيض في نفس الوقت على أن تكون هذه الضربات “مجرد رسالة” للحوثيين، وتأكيدا جديدا بعدم رغبة واشنطن في توسيع دائرة الحرب عبر مجموعة من الخطوات، وهي كالتالي:

أ - إشارة تقارير إلى أنه تم إبلاغ الحوثيين مسبقاً بأن الولايات المتحدة وبريطانيا ستستهدفان مجموعة من مراكز الاستطلاع البحري ومراكز القيادة وورش تصنيع الطائرات المُسيّرة في اليمن قبل تنفيذ العملية بنحو 8 ساعات كاملة، وهو ما سمح للحوثيين بترك هذه المواقع، ونقل المعدات الثمينة من هناك، إذ جرى نقل الصواريخ الباليستية إلى مناطق في داخل صنعاء ذات كثافة سكانية عالية لم تستهدفها الطائرات والبوارج الأميركية والبريطانية.

ب - توجيه الضربات في ساعات الفجر الأولى تجنباً لسقوط مدنيين، ولهذا فإنه بالرغم من إطلاق نحو 150 صاروخاً ومقذوفاً ضد مناطق الحوثيين، لم يسقط إلا 5 قتلى و6 مصابين.

ج - توجيه ضربات لقواعد عسكرية أوضحت صور الأقمار الاصطناعية أنها بالفعل كانت فارغة منذ فترة طويلة، مثل “قاعدة الدليمي” قرب مطار صنعاء، والتي أكدت صور الأقمار الاصطناعية أنه تم تحييدها منذ فترة طويلة على يد طائرات التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن.

4 - استغلال قرار مجلس الأمن 2722: ترى الولايات المتحدة في قرار مجلس الأمن رقم 2722، الصادر في 10 يناير الجاري، بأغلبية 11 دولة وامتناع 4 دول فقط عن التصويت، تفويضاً لحماية الملاحة البحرية من هجمات الحوثيين. إذ أثنى القرار على الجهود التي تبذلها الدول الأعضاء – في إطار المنظمة البحرية الدولية – لتعزيز سلامة السفن التجارية وسفن النقل من جميع الدول ومرورها بأمان عبر البحر الأحمر. كما شجع على مواصلة الدول الأعضاء بناء وتعزيز قدراتها، ودعمها لبناء قدرات الدول الساحلية ودول الموانئ في البحر الأحمر وباب المندب بهدف تعزيز الأمن البحري. وهو ما يمكن وصفه بتفويض غير مباشر من جانب القرار للقيام بعمليات عسكرية ضد الحوثيين. كذلك أكد القرار مبدأ “الدفاع عن النفس”، الذي استندت إليه الولايات المتحدة وبريطانيا لتوجيه ضربات ضد الحوثيين.

بعد القصف البحري والجوي الأميركي والبريطاني والمدعوم من كندا وأستراليا وهولندا ضد الحوثيين في 12 و13 يناير الجاري، يمكن تحديد الخطوط العريضة للإستراتيجية الأميركية في التعامل مع الحوثيين

5 - استخدام أسلحة فتاكة ودقيقة: لعل استخدام واشنطن ولندن لأسلحة فتاكة ضد الحوثيين هو رسالة بأن الولايات المتحدة تمتلك أصولاً عسكرية فتاكة في المنطقة. لهذا استخدمت على نطاق واسع في تلك الضربات صواريخ “توماهوك”؛ وهي صواريخ “كروز” بعيدة المدى تُستخدم في الحروب البرية العميقة، ويتم إطلاقها من السفن السطحية والغواصات الأميركية والبحرية الملكية البريطانية، وجرى استخدامها لأول مرة في عملية “عاصفة الصحراء” عام 1991، وحققت نجاحاً هائلاً. كما تمت الاستفادة من حاملة الطائرات “يو أس أس فلوريدا”؛ وهي واحدة من أربع غواصات تعمل بالطاقة النووية، وتستطيع أن تحمل 154 صاروخ “توماهوك”. وعلاوة على استخدام القوات البريطانية طائرات “تايفون” العملاقة في الهجمات، فهي كلها أدوات تبعث برسائل للحوثيين بضرورة عدم التصعيد في مواجهة الولايات المتحدة وبريطانيا والسفن التجارية في البحر الأحمر.

6 - رسالة إلى روسيا والصين: يُعد توجيه ضربة أميركية وبريطانية للحوثيين بمثابة رسالة إلى روسيا والصين؛ على اعتبار أن بكين حاولت أن تتواجد في المياه الدولية للبحر الأحمر خلال الفترة الأخيرة، كما سعت موسكو لبناء قاعدة عسكرية في مدينة بورتسودان في عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير. ومن ثم تأتي هذه الضربات لتحمل رسالة مفادها أن الولايات المتحدة موجودة في الممرات البحرية بالإقليم، وأنها وحلفاءها لن يغادروا الشرق الأوسط، وأن واشنطن تدافع عن حرية الملاحة في البحر الأحمر كما تدافع عنها في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي.

ويمكن القول إن الانخراط نحو عسكرة البحر الأحمر قد يقود إلى تداعيات سلبية على الممر الملاحي الدولي الذي أثبتت تلك الأحداث حيويته للاقتصاد العالمي، وهو ما يدعو إلى إمكانية التفكير مجدداً في إحياء بعض المبادرات الإقليمية، وذلك حتى تمكن مجابهة الأخطار الحالية والمستقبلية سواء أكانت تلك التحديات متوقعة أم طارئة.

*لينك المقال في العرب*