أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الشروق:

إثيوبيا تسعى لإعادة بناء قوتها البحرية.. الدوافع والتحديات

01 سبتمبر، 2023


نشر مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة مقالا للكاتب حمدى عبدالرحمن، تحدث فيه عن الأسباب التى جعلت إثيوبيا تفكر فى بناء قوة بحرية بجانب قدراتها البرية والجوية، والتعقيدات التى تقف أمام أديس أبابا لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجى...نعرض من المقال ما يلى:

أعلن رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد أمام حشد من المستثمرين ورجال الأعمال خلال يوليو 2023، أن الحكومة الإثيوبية لم تدخر وسعا فى سعيها للحصول على منفذ بحرى. وكشف رئيس الوزراء أن جميع الخيارات، بما فى ذلك التفاوض و«الأخذ والعطاء» وحتى استخدام القوة، مطروحة على الطاولة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجى.

لطالما واجهت إثيوبيا، الدولة غير الساحلية التى تقع فى القرن الإفريقى، تحديا يتمثل فى محاولة تحقيق مصالحها الدبلوماسية والاقتصادية دون الوصول المباشر إلى البحر. حيث وجهت خسارة ساحلها البحرى، بما فى ذلك ميناء عصب الحيوى، فى أعقاب استقلال إريتريا عام 1993، ضربة قاسية لقدرات إثيوبيا البحرية. عندئذ أجبرت على نقل أصولها البحرية إلى الموانئ اليمنية، وأدى الطرد اللاحق من اليمن والفشل فى الحفاظ على عقد إيجار فى جيبوتى إلى حل البحرية الإثيوبية بالكامل بحلول منتصف التسعينيات.

ومع ذلك، فى عام 2018، أعلنت إثيوبيا عن خطط لإحياء قواتها البحرية، بمساعدة فرنسا، لتضع الأمة الإثيوبية نصب عينيها إعادة بناء قدراتها البحرية.

إن الدوافع وراء طموحات إثيوبيا لبناء قوة بحرية جديدة متعددة الأوجه ومدفوعة باعتبارات استراتيجية مختلفة، وتسلط خطب رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، منذ عام 2018 الضوء على رغبة الأمة فى تعزيز قدراتها العسكرية وتوسيع نطاقها إلى ما وراء القوات البرية والجوية لتشمل القوة البحرية.

1ــ الاعتماد المتزايد على جيبوتى: يعد أحد الدوافع الأساسية لإحياء البحرية الإثيوبية هو اعتمادها المتزايد على جيبوتى للتجارة والوصول إلى البحر. فبعد الحرب الحدودية المريرة مع إريتريا من 1998 إلى 2000، فقدت إثيوبيا الوصول إلى موانئ إريتريا، مما استدعى البحث عن خيارات بديلة. وبرزت جيبوتى كشريك أساسى لإثيوبيا، حيث تعاملت مع نحو 95% من صادراتها ووارداتها.

2ــ حماية مصالحها فى البحر الأحمر: وهو عامل رئيسى آخر يدفع بالتطلعات البحرية لإثيوبيا، حيث تحتاج إثيوبيا إلى حماية مصالحها الاقتصادية والسياسية فى منطقة البحر الأحمر المضطربة، ومع وجود العديد من الرهانات الاقتصادية فى المنطقة وتضارب المصالح السياسية، ترى إثيوبيا إنشاء البحرية وسيلة لحماية سفنها التجارية والدفاع عن أصولها البحرية فى المنطقة. وحاليا تتمركز السفن التجارية الإثيوبية فى جيبوتى، وستوفر البحرية تعزيزا للأمن والاستقلالية لطرق التجارة البحرية إلى وجهات عالمية مختلفة.

3ــ تطلعات المعهد البحرى المدنى الإثيوبى: حيث يؤدى دورا مؤثرا فى تشكيل طموحات إثيوبيا البحرية. فوجود مجموعة من المهندسين البحريين المهرة والضباط التقنيين المدربين فى صناعة الشحن العالمية، يجعل إثيوبيا تمتلك أساسا لبناء قوة بحرية عاملة وقادرة. فى حين أن عملية بناء القوات البحرية هى بلا شك صعبة وتستهلك الكثير من الموارد، إلا أن وجود قوة عاملة مدربة يمكن أن يسرع تدريب وتطوير القوات البحرية.

4ــ تنويع منافذ الموانئ: يعد عاملا آخر يؤثر فى دفع إثيوبيا نحو تحقيق طموحاتها البحرية. فمن خلال تأمين صفقات مع السودان وصوماليلاند للوصول إلى بورتسودان وحصة فى ميناء بربرة، على التوالى، تهدف إثيوبيا إلى خفض رسوم الموانئ وتقليل اعتمادها على ميناء واحد لأنشطتها التجارية. ولعل من شأن القوات البحرية أن تسهل حماية هذه الطرق التجارية المتنوعة وتضمن وصول إثيوبيا إلى الموانئ الحيوية فى المنطقة.

وعليه، فإن دوافع إثيوبيا وراء بناء قوة بحرية جديدة متجذرة فى الاعتبارات الاستراتيجية لحماية مصالحها البحرية، وتأمين طرق التجارة، وتقليل الاعتماد على منفذ واحد. وإن الرغبة فى القدرات البحرية مدفوعة بالمخاوف المتعلقة بالسيطرة الأجنبية المحتملة على الموانئ الحيوية، والحاجة إلى حماية السفن التجارية والأصول فى منطقة مضطربة، والتطلع إلى تعزيز النفوذ العسكرى للدولة بما يتجاوز قواتها البرية والجوية. وعلى الرغم من أن بناء البحرية يمثل تحديا كبيرا، فإن أهداف إثيوبيا طويلة المدى لتعزيز الأمن البحرى وتعزيز المصالح الاقتصادية يجعل المسعى ضرورة استراتيجية.

يهدف التحرك نحو الوصول المستقل إلى الموانئ إلى تقليل اعتماد إثيوبيا على بوابات التجارة الخارجية. ولتجسيد هذه الرؤية، بدأت الحكومة الإثيوبية بالفعل مفاوضات مع الفاعلين الإقليميين الرئيسيين، وبالتحديد إريتريا وجيبوتى وصوماليلاند، على أمل تأمين طريق إلى ميناء. وبالفعل تم تقديم اقتراح غير عادى إلى إريتريا، حيث عرضت إثيوبيا على إريتريا 30% من الأسهم فى شركة الخطوط الجوية الإثيوبية ذائعة الصيت كورقة مساومة للوصول إلى الموانئ المرغوبة. وبينما لا يزال السلام والتفاوض هو المسار المفضل، صرح رئيس الوزراء آبى أحمد، أن استخدام القوة سيعتبر إجراء أخيرا قائلا: «نريد الحصول على ميناء من خلال الوسائل السلمية، ولكن إذا فشل ذلك، فسنستخدم القوة»، قال ذلك بشكل لا لبس فيه ولا غموض.

ولمعالجة قيود جغرافية الهضبة الحبيسة، تدرك إثيوبيا أهمية إنشاء قوة بحرية والحصول على موطئ قدم استراتيجى فى المنطقة. كما أن الاستحواذ على قاعدة عسكرية خارجية فى دول شرق إفريقيا أو القرن الإفريقى خطوة حاسمة نحو تنشيط قدراتها البحرية.

ومن المرجح أن توفر قاعدة عسكرية مستأجرة فى الخارج لإثيوبيا مزايا أساسية، وتمكنها من حماية مصالحها البحرية، وتأمين طرق التجارة، ومكافحة القرصنة، والإسهام فى الاستقرار الإقليمى. ولعل مشاركة فرنسا فى مساعدة إثيوبيا فى بناء قدراتها البحرية الجديدة تدل على الاعتراف بأهمية إثيوبيا الاستراتيجية فى المنطقة والاعتراف بالحاجة إلى الأمن البحرى فى القرن الإفريقى، ويمكن لفرنسا، كقوة بحرية راسخة، أن تقدم خبرة قيمة وتدريبا ودعما تقنيا لجهود إحياء البحرية الإثيوبية. كما يمكن للشراكة بين إثيوبيا وفرنسا أن تعزز علاقات دبلوماسية أقوى وتعزز التعاون الإقليمى فى معالجة المخاوف الأمنية المشتركة.

ومع ذلك، يجب على إثيوبيا أن تخطو بحذر فى سعيها وراء القواعد العسكرية فى الخارج. إذ يعد الحصول على قاعدة عسكرية أجنبية والحفاظ عليها مسعى معقدا يتطلب موارد مالية كبيرة ومهارة دبلوماسية فائقة. كما يجب على إثيوبيا الانخراط فى تقييمات شاملة للدول المضيفة المحتملة لضمان أن تكون الترتيبات مفيدة للطرفين، وتحترم السيادة الوطنية، ولا تؤدى إلى تبعات أو توترات لا داعى لها مع الدول المجاورة.

علاوة على ذلك، من الضرورى أن تحقق إثيوبيا توازنا دقيقا بين تعزيز قدراتها البحرية وإعطاء الأولوية للتنمية المحلية. فى حين أن القوات البحرية ستعزز بلا شك نفوذ إثيوبيا ووضعها الأمنى، إلا أنه يجب على الدولة ضمان ألا تأتى الاستثمارات فى الدفاع على حساب البرامج الاجتماعية والاقتصادية الحيوية. فلا يزال النمو المستدام والتخفيف من حدة الفقر من الأولويات الرئيسية لاستقرار البلاد وازدهارها على المدى الطويل.

ختاما يواجه إنشاء قوة بحرية كاملة لإثيوبيا تحديات وتعقيدات كبيرة، وكما يؤكد الباحث البحرى، تيموثى ووكر، من معهد الدراسات الأمنية فى جنوب إفريقيا، فإن بناء البحرية من الألف إلى الياء ينطوى على استثمارات مالية ضخمة فى شراء الأصول البحرية وتدريب الأفراد، وهى عملية قد تستغرق عقودا حتى تكتمل.

بالإضافة إلى ذلك، يتأثر القرن الإفريقى بالفعل بتنافس القوى العالمية الكبرى ذات الوجود البحرى الراسخ، مما قد يشكل عقبات دبلوماسية وتشغيلية أمام طموحات إثيوبيا البحرية. وفى حين أن المخاوف الأمنية البحرية موجودة فى المنطقة، فإن حوادث القرصنة والإرهاب المسجلة قد لا تبرر بشكل كامل الضرورة العاجلة لإثيوبيا لتطوير سلاح البحرية. ويمكن للجهود التعاونية مع الشركاء الإقليميين والقوات البحرية الدولية أن توفر حلولا بديلة لمواجهة هذه التحديات.

ومع ذلك، فإن تصميم إثيوبيا على المضى قدما فى خططها لإنشاء أسطول بحرى لقواتها المسلحة يشير إلى رؤية استراتيجية طويلة المدى. ومن المعقول أن تسعى إثيوبيا لحماية طرق التجارة المتنامية، وتأمين الوصول إلى الموانئ الحيوية، وحماية مصالحها البحرية لأنها تعتمد بشكل متزايد على جيبوتى وجيرانها من الدول والمناطق الساحلية الأخرى فى التجارة الدولية.

وفى الوقت الذى قد يكون فيه إنشاء قوة بحرية كاملة غير عملى فى هذا المنعطف، فإن اتباع نهج مصغر أو تشكيل قوة دفاع ساحلية متخصصة يستطيع تمكين إثيوبيا من معالجة المخاوف الأمنية البحرية الملحة أثناء العمل على تحقيق أهدافها طويلة الأجل فى المنطقة.

*أ. د. حمدي عبدالرحمن

أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد، الإمارات العربية المتحدة

*لينك المقال في الشروق*